ما فقدناه مع سمير قصير

ما فقدناه مع سمير قصير

ما فقدناه مع سمير قصير

 العرب اليوم -

ما فقدناه مع سمير قصير

بقلم : خير الله خير الله

كان كل اغتيال لشخصية لبنانية عملية مدروسة بدقة متناهية. كان الهدف الخلاص من لبنان. لا يزال هذا الهدف موجودا. تكمن الخسارة التي يشكلها سمير قصير في أنه كان قادرا في كل ساعة على إطلاق التحذير من خروج 'ثورة الأرز' عن خطها.

لم يكن سمير قصير مجرّد رمز لـ”ثورة الأرز″ التي أعادت الأمل إلى لبنان واللبنانيين في العام 2005. كان أيضا مرجعا لما يمكن أن يكون عليه الأحرار في لبنان وسائر دول المنطقة. كان الأخ والزميل سمير قصير نموذجا للعقل المستنير الذي يرفض كل شواذ فضلا عن امتلاكه تلك القدرة، النادرة، على الارتفاع فوق كلّ ما له علاقة بالمادة والمصلحة الشخصية. كان كلّ ما يريده هو العيش بكرامة بفضل قلمه كصحافي فذّ وكاتب ومؤرّخ.

كان يناضل بشجاعة ليست بعدها شجاعة من أجل استعادة اللبناني والسوري والفلسطيني كرامته. لذلك لم يفصل بين “ربيع بيروت” و”ربيع دمشق” ولم ينس في أيّ لحظة فلسطين وما يعاني منه الفلسطينيون ليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل في ظلّ الاضطهاد الذي مارسه النظام السوري في حقّهم كلاجئين أيضا، أكان ذلك في سوريا أو في لبنان.

قبل أحد عشر عاما باشرت أداة القتل المعروفة، وهي الآلة نفسها التي اغتالت رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005، محاولاتها الهادفة إلى تغطية الجريمة الكبرى في حقّ لبنان بسلسلة من الجرائم الأخرى. وكأنّ في الإمكان تغطية جريمة معروف تماما من يقف خلفها بمجموعة من الجرائم تؤدي إلى إسكات اللبنانيين ومنعهم من الوصول إلى الحقيقة.

قبل اغتيال رفيق الحريري، كانت محاولة اغتيال الوزير السابق والنائب الحالي مروان حمادة الذي نجا منها بأعجوبة. كان على رفيق الحريري أن يفهم معنى الرسالة.

كان عليه أن يفهم أنّه لا يستطيع أن يكون سوى أداة لدى بشّار الأسد ينفّذ له ما يريده. لا يستطيع أن يكون زعيما لبنانيا عابرا للطوائف وللحدود اللبنانية. رفض رفيق الحريري إملاءات بشّار الأسد. دفع غاليا ثمن رفضه الاستسلام للنظامين السوري والإيراني في وقت كان النظامان في البلدين يستعدان لمرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، علما أن إيران كانت شريكا في ذلك الاحتلال.
    
استوعب سمير قصير معنى اغتيال رفيق الحريري، بل استوعب ذلك أكثر من اللزوم، لكنّه اعتقد أن مجرّد خروج الجيش السوري من لبنان بفضل الدور الذي لعبه شخصيا في مقاومة النظام الأمني ـ السوري اللبناني وضباطه اللبنانيين المعروفين وعددهم أربعة، سيكون كافيا لعودة الحرية إلى الفضاء اللبناني.

لم يخف في العشاء الطويل الذي جمعنا عشية اغتياله، وكان ذلك مساء أول حزيران ـ يونيو 2005، فرحه العظيم بالسفر من مطار بيروت والعودة إليه من دون وجود عيون تراقبه وتحاول التضييق عليه. ظنّ أن المعركة انتهت بمجرّد خروج المحتلّ السوري من لبنان. لم يدرك أن النظام السوري بقي يحلم بالعودة إلى وطن الأرز. لم يدرك خصوصا أن لدى هذا النظام رغبة كبيرة في الانتقام ليس من سمير قصير وحده، بل من كلّ من يستطيع أن يجسّد روح “ثورة الأرز”. أكثر من ذلك، لم يدرك سمير قصير أن “حزب الله” استغلّ خروج السوري ليملأ الفراغ الأمني والعسكري، ولا حقا السياسي، الذي خلّفه هذا الخروج.

في المقابل، عرف سمير قصير جيّدا أن خروج النظام السوري من بيروت، كان بداية خروجه من دمشق. كم كان على حقّ في كلّ ما قاله وقتذاك، وكم كانت أحلامه كبيرة.

لم يعطه أولئك الذين كانوا يخافون من أحلامه الوقت الكافي ليتأكد من أنه كان ذا نظرة ثاقبة للأمور والأحداث. لم يخطئ في تقييمه، لكنه كان يستخف بقدرة النظام السوري وحليفه الإيراني على الذهاب بعيدا في تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري عن طريق مزيد من الجرائم.

لم تقتصر هذه الجرائم على قتل شخصيات لبنانية عدة بهدف إرهاب اللبنانيين ومنع الوصول إلى المحكمة الدولية. قتل جورج حاوي للتأكد من غياب أيّ شاهد على نيات النظامين السوري والإيراني في لبنان. ثم اغتيل جبران تويني بهدف الانتهاء من إزعاج جريدة “النهار” التي كان دائما مطلوبا تهميشها.

من محاولة اغتيال مروان حمادة، إلى قتل سمير قصير وجبران تويني، كان الهدف القضاء على “النهار” كصحيفة لبنانية مستقلة تؤمن بالحرية والسيادة والاستقلال.

كان كلّ اغتيال لشخصية لبنانية عملية مدروسة بدقّة متناهية. كان الهدف الخلاص من لبنان. لا يزال هذا الهدف موجودا. تكمن الخسارة التي يشكلها سمير قصير في أنّه كان قادرا في كل ساعة على إطلاق التحذير من خروج “ثورة الأرز” عن خطّها.

لو كان سمير قصير حيّا اليوم، لكان أول ما فعله هو تأكيد أن لا فائدة من أيّ تجاذبات ومهاترات من أيّ نوع بين أقطاب “الرابع عشر من آذار”، خصوصا أنّه كان يعي تماما خطورة الدور الذي سيلعبه ميشال عون بمجرّد عودته إلى لبنان على دم رفيق الحريري وذلك بعد عقده صفقة في باريس مع النظامين السوري والإيراني عبر من يمثّلهما.

كان في استطاعة سمير قصير إعادة تصويب اتجاه البوصلة من دون مواربة. لهذا السبب قتلوه باكرا. عرف كيف يصوب على الضباط الأربعة الذين كانوا يمثلون الجانب اللبناني في النظام الأمني المشترك مع النظام السوري القاتل.

كان سمير قصير يعرف الكثير نظرا إلى أنّه عانى قبل غيره من ملاحقة الأمن العام (في عهد جميل السيّد) له ولزوجته المخلصة جيزيل خوري التي لم تتردد لحظة في البقاء وفيّة لسمير قصير ولكل ما يمثّله.

عندما قتلوا سمير قصير، كان الهدف متابعة قتل كلّ القوى الحيّة في المجتمع اللبناني. كان الهدف منع تصحيح أيّ أخطاء يمكن أن ترتكبها “ثورة الأرز”.

كان مطلوبا أن تنشغل هذه الثورة بأمور تافهة وتفادي اتخاذ قرارات حاسمة في اللحظة المطلوبة. كانت أهمية سمير قصير تكمن في أنّه لم يتردد في اتخاذ القرار الصائب والجريء عندما كان الأمر يتطلب ذلك. لم يتردد ولم يتهاون. صار هدفا بحدّ ذاته. كانت الحاجة كبيرة إليه في هذه الأيّام. لذلك نفتقده أكثر من أيّ وقت بعدما استهدفت آلة القتل كل من كان يمكن أن يلعب دورا في منع استباحة الوطن الصغير.

من بيار أمين الجميّل إلى محمد شطح. من وليد عيدو وأنطوان غانم إلى وسام عيد، إلى وسام الحسن. لم يحصل شيء بالصدفة، من حرب صيف العام 2006 إلى غزوة بيروت والجبل، مرورا بالاعتصام في وسط بيروت للقضاء على العاصمة بكلّ ما تمثّله.

كانت هناك دائما حملة منظمة على لبنان وصولا إلى عزله عن محيطه العربي، وهذا ما تولته حكومة “حزب الله” برئاسة نجيب ميقاتي وذلك بغية نشر البؤس في البلد وتهجير أكبر عدد من الشباب اللبناني.

صحيح أن الحملة على لبنان من أجل الوضع اليد عليه، بدأت باغتيال رفيق الحريري، لكنّ الصحيح أيضا أن تأكيد استمرار هذه الحملة كرّسه اغتيال سمير قصير. فسمير كان يرمز إلى الإيمان في بيروت كما كان يرمز إلى البعدين السوري والفلسطيني في وجدان كلّ لبناني. لذلك قتلوه، كما لو أنّهم مصمّمون على أن لا تقوم للبنان قيامة في أيّ يوم من الأيّام.

من غير سمير قصير كان يستطيع قول كلام حقّ في هذه الأيّام التي دخلت فيها “ثورة الأرز” في حال تخبّط ليس بعده تخبّط من منطلق أنّه إنسان حرّ ليست لديه أيّ طموحات مادية ومصالح ذات طابع شخصي من أيّ نوع؟ هذا الكلام الصادق والجريء والصريح البعيد عن أيّ مصلحة بات مفقودا.

فقدناه مع رحيل سمير قصير الذي حذّر باكرا من خروج “ثورة الأرز” عن مسارها، داعيا إلى “انتفاضة من داخل الانتفاضة” وإلى عدم الاستسلام لليأس، فـ”الإحباط ليس قدرا”، كما يقول صديقي مالك مروة، نقلا عن سمير قصير. كان مالك رفيق تلك السّهرة الأخيرة مع سمير قصير، هو وجاد الأخوي، في بيروت رفيق الحريري التي كانت مفعمة بكل الآمال التي صنعتها “ثورة الأرز”. تلك الثورة التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بسمير قصير..

arabstoday

GMT 23:38 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 18:46 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«حماس» والأردن... والمراهقة السياسيّة!

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«حماس» خسرت... وإسرائيل لم تربح

GMT 00:00 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما فقدناه مع سمير قصير ما فقدناه مع سمير قصير



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 العرب اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 14:34 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

وفاة مطرب سوري وضاح إسماعيل بعد صراع مع مرض

GMT 03:05 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

هزة أرضية تضرب ولاية البويرة في الجزائر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab