مهزوم من دون منتصرين

مهزوم من دون منتصرين

مهزوم من دون منتصرين

 العرب اليوم -

مهزوم من دون منتصرين

حازم صاغية

بعد انطلاق الثورات العربيّة، لا سيّما السوريّة، انفجرت ديناميّة من التفتّت تردّ على الديناميّة التي أطلقتها الثورات. فقد كان واضحاً أنّ نظام بشّار الأسد يسعى، عبر بطشه، إلى منع الثورة من أن تبقى سلميّة، أي الحؤول دون اندراجها في وجهة الثورات التي شقّتها أوروبا الوسطى والشرقيّة أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وإبقاءها أقرب إلى النمط العنفيّ القديم للثورات.

هكذا وبالتضامن بين حرب دينيّة – مذهبيّة وحروب أمراء حرب كثر، لم تبق طائفة أو جماعة إثنيّة أو منطقة إلاّ وأفصحت عن وجودها بطرق كثيرة أبرزها العنف. وكان مدهشاً أنّ الفترة الفاصلة بين إنكار طوباويّ لوجود الطائفيّة والجهويّة وانقشاع الواقع المقيم تحت سطح الظاهر، تُعدّ بالأسابيع. وفي هذا كلّه، بدا ما يكفي لمناهضة الاستواء الوطنيّ المعوّل عليه أن يكون رافعةً لسلطة بديلة، ممّا تفترضه الثورات وتقود أحياناً إليه.

بلغة أخرى، تمكّنت ديناميّة التفتّت من أن تغلب ديناميّة الثورة والوحدة، لأسباب كثر التطرّق إليها، بينها ما يتعلّق بالاستبداد، وبينها ما يتعلّق بالتراكيب السوسيولوجيّة أو بالمقدّمات الثقافيّة المتينة التي لم تتعرّض لأيّ تحدٍّ.

وفضلاً عن تركيبة القوى السياسيّة – العسكريّة الفاعلة، والمترجّحة بين إسلاميّة قصوى وأخرى توصف بإسلام الاعتدال، تجلّى انهزام الثورة في مسألة الحرّية التي رفعها الثوّار الأوائل، لتنتهي الحال مع القوى الصاعدة توسيعاً لرقعة الاستبداد بمدّه إلى مجالات الضمير والإيمان والحياة الشخصيّة في أشدّ جوانبها حميميّة. ولم يعد مجال للشكّ في الفارق الضخم بين تقاطع المشروع الثوريّ مع السنّة، بوصفهم الأشدّ ألماً والأكثر راديكاليّة في المشرق الراهن، وبين كون المشروع الثوريّ، إذا جاز اعتباره كذلك، مشروعاً سنّيّاً راديكاليّاً يسكنه البرم بكلّ آخر، حتّى لو كان سنّياً عربيّاً موصوفاً بالعلمانيّة.

وأهم مما عداه، أنّ الإطار الوطني للنزاع اضمحلّ تماماً: فبشّار الأسد لم تبدُ عليه الحماسة لأن يتكبّد الأكلاف التي يرتّبها ضمّ ما يتجاوز «سورية المفيدة»، فيما «داعش» معنيّ بالخلافة التي تجمع سورية والعراق تمهيداً لضمّ بلاد الإسلام الواسعة. وبدورهم، لا يسع الأكراد، فيما كلّ جماعة مستغرقة في ذاتها، إلاّ أن يفكّروا في إطار كرديّ يرون من داخله واقعهم ومستقبلهم. أمّا الوجه الآخر للعملة، فيجسّده انكفاء الصراعات على محاور لا حصر لها، يصعب الربط بين قوى أحدها وقوى المحور الآخر.

واليوم، نجدنا أمام وضع يمكن معه أن تسقط سلطة الأسد في أيّة لحظة، إلاّ أنّ أحداً لن يكون مؤهّلاً لالتقاط السلطة. وقد تنشأ هزيمة مؤكّدة في جانبٍ من دون أن يكون هناك منتصرون في الجانب الآخر، اللهمّ إلاّ بضع جماعات محلّية متناثرة وبضع قوى إقليميّة لن يكون من الوارد إفضاؤها إلى أيّ مشروع «وطنيّ» سوريّ.

وهذا معناه دم كثير، بطبيعة الحال، لكنّه دم سيبقى مجبولاً بكذب كثير مداره قضايا متوهّمة، وكلام معاد للمرّة المليون حول الأوطان والقضايا والثورات مع رشّة من ملح فلسطين فوق الأطباق الافتراضيّة.

arabstoday

GMT 06:31 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 06:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 06:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 06:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 06:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

GMT 06:14 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

حرية المعلومات هى الحل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهزوم من دون منتصرين مهزوم من دون منتصرين



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab