محاولة في وصف أحوالنا

محاولة في وصف أحوالنا

محاولة في وصف أحوالنا

 العرب اليوم -

محاولة في وصف أحوالنا

حازم صاغية

بعد حرب 1967 و «النكسة» التي نجمت عنها، ظهر أدب سياسيّ كثير في العالم العربيّ يقول إنّ ما انهزم يتعدّى الأنظمة والسلطات إلى المجتمعات واجتماعها والثقافة بمعناها الأنثروبولوجيّ الأعرض. وقد افتُرض أنّ حدثاً مزلزلاً كهذا سيكون الشرارة التي يندلع منها لهيب يحرق عالماً قديماً ويباشر بناء عالم جديد. ونعرف أنّ هذا التحوّل لم يحصل. ما حصل كان طلباً واسعاً ونكوصيّاً على الدين أوهم الطالبين بدخول السياسة، كائناً ما كان تعريفهم لها، من الباب هذا.
اليوم يعيش المشرق العربيّ، ومعه بلدان تقع خارجه كليبيا واليمن، زلازل أكبر من التي انطوت عليها نكسة 1967. فإلى المسائل كلّها التي طرحتها هزيمة 1967، تضاف اليوم مسألة التراكيب الوطنيّة ذاتها ومدى صلاحها للعيش والبقاء. يكفي، وهو مثل تقدّم سوريّة غير واحد عنه، أن نراجع الكارثة التي ألمّت بحمص لنتأكّد من سقوط الاجتماع السوريّ برمّته، ومن أنّ مفاهيم مفتاحيّة كالشعب والوطن قد هُرست تحت أعمدة العمران المتصدّع.
وفي نظرة أعرض، يبدو أنّ مراجعة جذريّة كالتي طُلبت بعد 1967 ولم تحدث، هي الآن غير موشكة على الحدوث أيضاً. ذاك أنّ المنطقة، المحيّرة دوماً بين الجيوش وإسلام ما يستر التفتّت الأهليّ ويخادعه، لا تملك الطرف القادر على الإمساك بها كلاًّ، فيما تنتصب أمام احتمال كهذا حواجز الطائفة والعشيرة والإثنيّة التي، بدل أن تُروّض في حقبة ما بعد الاستقلالات، قويت أنيابها واشتدّت.
لكنّ تجربة تونس قد تحمل لنا بارقة أمل، خصوصاً إذا ما كُتب لها أن تستقرّ على حال تغدو معه الأزمات أزمات نموّ لا أزمات انهيار. وهذا ما يُساهم، على الأرض، في حسم الحيرة والتردّد اللذين سادا الفكر السياسيّ العربيّ طويلاً في ما خصّ العلاقة بين التقدّم والحداثة والنموذج الغربيّ.
فقد بات ممكناً القول إنّ الثورة التونسيّة هي الوحيدة التي لم تنتكس من بين ثورات «الربيع العربيّ»، بل الوحيدة الواعدة بالنجاح. وهذا ما أسهب المتابعون والمراقبون في تفسيره منوّهين بالانسجام الدينيّ والمذهبيّ والإثنيّ للتوانسة، لكنْ أيضاً متوقّفين طويلاً عند التركة البورقيبيّة بوصفها توسيعاً للطبقة الوسطى وتمكيناً للنساء وتحسيناً للتعليم وعلمنة للحيّز العامّ. وأهمّ ما في الأمر ذاك التقليد الذي أرسته البورقيبيّة حين حالت دون فيضان الصراع الاستقلاليّ مع الغرب على الثقافة والأفكار والاجتماع. فالخلاف السياسيّ يتوقّف عند حدود مرسّمة بدقّة شديدة ليبدأ من بعده التأثّر الصريح والشجاع بالنموذج. هكذا اس
تطاعت تونس أن تنجو من مواجهة الخيار القاتل بين الإسلاميّين والجيش، فبدا إسلاميّوها متقدّمين على سائر الإسلاميّين وبدا جيشها متقدّماً على سائر الجيوش.
وهذه، بالطبع، ليست وصفة سحريّة للمشرق الذي يختلف في أمور عدّة عن تونس. إلاّ أنّها، مع هذا، تنبيه كبير للذين يريدون لثوراتهم على الاستبداد أن تنجح، ولبشرهم، موحّدين أو مجزّئين، ألاّ يموتوا. فتونس الأكثر تجانساً والأكثر تحديثاً في آن ينبغي أن تغرينا، في المشرق، بالمتابعة والتمعّن. أمّا الهرف بثنائيّات «الأصالة» و «المعاصرة»، و «التراث» و «الحداثة»، في زواريب الحروب الأهليّة وموت البشر وتصدّع المدن، فهذا بالطبع ممّا لا يسمن ولا يغني من جوع.

arabstoday

GMT 01:19 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين: كثر الكلام وقل الخبز

GMT 01:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

أزمات الحوار الديني والاستراتيجي

GMT 01:10 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الجامعات الغربية: غزو مزدوج

GMT 01:07 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

ماذا يفعل وزراء التعليم؟

GMT 01:05 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

GMT 01:03 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

جنون من «هارفارد»

GMT 00:58 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

كان الأصح ولا يزال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولة في وصف أحوالنا محاولة في وصف أحوالنا



أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:03 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

السودان... العودة المنتظرة

GMT 14:29 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصف مدفعي إسرائيلي على وسط رفح الفلسطينية

GMT 04:07 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

فيضانات عارمة تضرب شرق إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab