النزوح الذي يقصف تجربة مُرّة

النزوح الذي يقصف تجربة مُرّة

النزوح الذي يقصف تجربة مُرّة

 العرب اليوم -

النزوح الذي يقصف تجربة مُرّة

حازم صاغية

يتحالف الموت والجوع، اللذان يتسبّب بهما ديكتاتور دمويّ، وحروب أهليّة بلا رحمة، وهويّات محتقنة بالتعصّب القاتل، لطرد «شعوب» من بلدانها في عدادها سوريّون وعراقيّون وليبيّون وتونسيّون وأثيوبيّون وأريتريّون وصوماليّون وأفغان يسعون إلى إلدورادو الأوروبيّة.

ولن يقتصر الجديد الذي سينتجه الطوفان المأسويّ لمئات الآلاف على قيام تراكيب سكانيّة مختلفة. ذاك أنّنا حيال محاكمة بالغة القسوة للحقبة الاستقلاليّة المديدة، محاكمةٍ تلغي «العالم الثالث»، لا سيّما منه الشطر العربيّ، كفاعل تاريخيّ. وإذا صحّ النقد القائل إنّ منطقة حظر جوّيّ في سوريّة كانت كفيلة بمنع النزوح السوريّ، أو الحدّ منه، بقي أنّ المأساة تطاول بلداناً عدّة ليس الحظر الجوّيّ مسألتها المُلحّة.

لقد صاغ عالم الاجتماع الفرنسيّ ألفريد سوفي مفهوم «العالم الثالث» في 1952، أي في الفترة الفاصلة بين بداية نزع الكولونياليّة مع الحرب العالميّة الثانية وانفجار الاستقلالات الأفريقيّة مطالع الستينات. وكان المفهوم هذا ينسج على منوال «الطبقة الثالثة» الفرنسيّة في معاناتها حيال النبلاء والأكليروس. لكنْ كما قُيّض لهذه الطبقة دور تاريخيّ ضمنته ثورة 1789، رُشّح «العالم الثالث» لدور مماثل في مواجهة الولايات المتّحدة، زعيمة «العالم الأوّل» والاتّحاد السوفياتيّ، زعيم «العالم الثاني».

وكان مؤتمرا باندونغ في 1955 وبلغراد في 1961 التعبير الماديّ عن ذاك المفهوم، خصوصاً أنّ وثيقة مؤتمر الجزائر في 1973 والأمم المتّحدة في برنامجها لـ «نظام اقتصاديّ عالميّ جديد»، بعد عام واحد، تبنّيا التصوّرات العريضة لزعماء «العالم الثالث». وكان أكثر ما تمّ تبنّيه التأثّر بالنظريّات السوفياتيّة في تحكّم السياسة بالاقتصاد، من دون أدنى اكتراث بتحسين شروط الحاكميّة وإيلاء المواطنين دوراً أكبر في التحكّم بحياتهم. وقد وجدت تلك التصوّرات المنتفخة استقلاليّاً في المقاطعة النفطيّة عام 1974 برهاناً لا يخطىء على صحّة رهانها. وتغيّر العالم كثيراً، ولم يعد الخروج من ربقة الاستعمار سبباً كافياً للأدوار التاريخيّة، خصوصاً أنّ أنظمة الاستبداد والحزب الواحد ورثت هذا المجد واحتكرته بعدما رفعته إلى مصدر أوحد لشرعيّتها.

ومع الثمانينات، وكانت تلك المقدّمات تترنّح تباعاً، استعيض عن مفهوم «العالم الثالث» بمفهوم «الجنوب» في مواجهة «الشمال» الأميركيّ والأوروبيّ. لكنّ دول «الجنوب» التي راحت تغادر التخلّف، شأن نمور آسيا وتنانينها، كانت تنضمّ تباعاً إلى «الشمال»، إذ هي لا تغادره بفعل القطيعة مع ذاك «الشمال» بل بفعل الاندماج في دورته الاقتصاديّة. وما لبث الاتّحاد السوفياتيّ ومعسكره أن انهارا، فسقط النموذج المستوحى في البناءين الاقتصاديّ والسياسيّ، وجوهره إمساك السلطة بعنق المجتمع. وبنهاية الحرب الباردة، وانفجار حروب الهويّات، راح يتبدّى أنّ الاستقطاب الكونيّ الذي أنشأته الحرب المذكورة هو ما كان يحفظ تلك التجارب ويديمها، بديلاً عن كلّ مقوّم داخليّ يُعتدّ به.

وكائناً ما كان المقياس المعتمد، لن تختلف النتائج كثيراً في ما خصّ بلدان «العالم الثالث» أو «الجنوب»: يصحّ هذا في ضعف الناتج الخامّ قياساً إلى عدد السكّان، وفي هزال الدخل السنويّ للفرد، وفي الانفجار السكانيّ، وفي وضع المرأة، وفي سوء التغذية أو نقصها، وفي نسب الأميّة وسوء التعليم، وفي انخفاض الإنفاق على الصحّة أو الحظّ المتاح من مياه الشرب، وفي الحصّة التافهة من التجارة العالميّة واستمرار التخصّص في تصدير الموادّ الأولّيّة، وفي نقص الخدمات والمساكن لسكّان المدن العملاقة. وقبل كلّ هذه المقاييس، في بناء مواطنيّة تحترم المواطنين فيما هي تنشىء أوطاناً قابلة للحياة.

هكذا تنتهي بنا إنجازات «التحرّر»، التي يزيدها سوءاً انهيار السلعة النفطيّة، واستفحال النزاعات الأهليّة، طرداً للبشر أنفسهم من بلدانهم كما لو أنّّّهم عَظْمة تُرمى للكلاب.

arabstoday

GMT 05:47 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد الأقباط

GMT 19:28 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

الفائزون فى 3 مباريات

GMT 10:57 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مفكرة القرية: الإلمام والاختصاص

GMT 10:55 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيديوهات غبية في هواتفنا الذكية!

GMT 10:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

«الداخلية» توضح دورها على طريق ديروط - أسيوط

GMT 10:50 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عراب كامب ديفيد.. الانقلاب على الإرث المر!

GMT 10:48 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محاكمة الساحرات

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النزوح الذي يقصف تجربة مُرّة النزوح الذي يقصف تجربة مُرّة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab