العراق  سورية غزو لا تحرير

العراق - سورية: غزو لا تحرير

العراق - سورية: غزو لا تحرير

 العرب اليوم -

العراق  سورية غزو لا تحرير

حازم صاغية

ليس ما يجري في تكريت العراقية تحريراً إلا بالقدر الذي يكون فيه تقدم «داعش» و«النصرة» في سورية تحريراً.

في تكريت هناك غزو شيعي للسنة، انتهاكاته لا تترك ذرة من شك بأنه كذلك. وفي سورية ليس الأمر إسقاطاً لسلطة الأسد، بقدر ما هو مشروع غزو سني متطرف لكل ما لا يطابق المواصفات المذهبية والإيديولوجية لـ «داعش».

أغلب الظن أن من يطلقون وصف «تحرير» على واحد من الحدثين من دون الآخر إنما يعبرون عن وعي طائفي صريح، إما كاره للسنة أو كاره للشيعة والعلويين. وقبل هذا الرائز وُجدت روائز أخرى، فكان السني الطائفي يمجد صدام حسين ويدين استبدادية بشار الأسد، فيما كان الشيعي الطائفي يمجد بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ، ويدين استبدادية صدام حسين.

فإما أن يكون الحدثان تحريرين تمارسهما دولة مستبدة وطغيانية (وهو ما لا يقوله إلا صاحب عقل دمجي يؤيد الدولة بالمطلق ضداً على المجتمع)، وإما أن يكون الحدثان غزوين، وهو إقرار نزيه بواقع الحال.

فلكي يكون أيٌ من الحدثين تحريراً، ينبغي أن يكون هناك محررون ولاؤهم لدولة لا لطائفة أو «أمة» متوهمة، وأن يكون هناك أيضاً مركز وطني عادل يستعيد الطرف المحرر، مُقراً بالانقسامات الجزئية في المجتمع ومتعالياً عنها في آن. ومن يبحث عن هذين الشرطين فإنما عن عبث يبحث إن لدى الحكام أو لدى خصومهم هؤلاء.

والغزو، وهو الوصف الأدق لما يحصل، لا يحتاج إلى غطاء أيديولوجي يقدمه المتطوعون الكثر: فلا الذين يغزون تكريت خصوم للإمبريالية، متحمسون لتحرير فلسطين، سيما وأن الطائرات الأميركية تحلق فوقهم، ولا الذين يغزون الرقة وإدلب مناضلون ضد الاستبداد نظراً لانطوائهم على استبدادية لا تقل هولاً.

وواقع الأمر أن المفاهيم الحديثة، كائناً ما كان تأويلها، فقدت آخر صلاحية في تعقل ما يجري. فالموضوع هنا لا صلة له برفض نظام واقتراح نظام بديل، ولا بديموقراطية أو حقوق إنسان، ولا بإمبريالية أو تحرير فلسطين، ولا بعدالة ومساواة. إن الموضوع الحاكم اليوم هو انفجار المجتمعات، تحت وطأة خليط من الاستبدادات المديدة والتراكيب والأفكار السقيمة المتجذرة، وارتفاع أسهم الثأر والانتقام بوصفهما أهم ما يملكه التشظي الاجتماعي لجماعات أصابها التحلل المطلق. وليس في الأفق بشير خير ما دامت الأحقاد في تزايد، متضامنةً في هذا مع التدخلات الإقليمية، بينما القوى البديلة في تناقص وضمور.

وفي معمعة همجية كهذه، لا مكان لـ «التقدمي» أو لـ «الديموقراطي» أو «المناهض للإمبريالية»، أو لأي طامح إلى أفق سياسي يُحتكم إليه، كائناً ما كان تعريف هذا الأفق.

لقد ابتكر علماء اجتماع سياسي أوروبيون في العقود الأخيرة مصطلح «استبعاد» Exclusion للتدليل على من استُبعدوا حتى من دائرة الاستغلال الاقتصادي. وهؤلاء، بحسب التسمية الأميركية الأقسى، موصوفون بأنهم Under class، أو طبقة سفلى، وربما بشيء من التصرف في الترجمة، ما دون الطبقة، بحيث يشبهون ما يعنيه تعبير «بروليتاريا رثة» الماركسي. فهم، بمعنى آخر، خارجون من نطاق الاقتصاد السياسي، لا فرصة عمل شرعية لهم، وبالتالي لا «حظ» لهم بأن يتعرضوا للاستغلال الذي تتعرض له الطبقات المستَغَلة. وكمثل خروج هؤلاء من نطاق الاقتصاد السياسي، يؤول مسار منطقتنا الراهن إلى خروجها من نطاق السياسات الدولية لتذوي وتموت في سخونة حروبها كما في برودة عزلتها.

إحباط وتشاؤم؟ إنه كذلك، وإلا لكانت استشارة الأطباء واجبة بل ملحة.

arabstoday

GMT 01:19 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين: كثر الكلام وقل الخبز

GMT 01:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

أزمات الحوار الديني والاستراتيجي

GMT 01:10 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الجامعات الغربية: غزو مزدوج

GMT 01:07 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

ماذا يفعل وزراء التعليم؟

GMT 01:05 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

GMT 01:03 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

جنون من «هارفارد»

GMT 00:58 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

كان الأصح ولا يزال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق  سورية غزو لا تحرير العراق  سورية غزو لا تحرير



أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:03 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

السودان... العودة المنتظرة

GMT 14:29 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصف مدفعي إسرائيلي على وسط رفح الفلسطينية

GMT 04:07 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

فيضانات عارمة تضرب شرق إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab