أوباما ليس ساذجاً ولا مهزوماً

أوباما ليس ساذجاً ولا مهزوماً

أوباما ليس ساذجاً ولا مهزوماً

 العرب اليوم -

أوباما ليس ساذجاً ولا مهزوماً

حازم صاغية

بانتهاء الحرب الباردة، راحت تتكاثر البرامج الآيلة إلى خفض موازنات التسلّح، وارتفعت أيقونات الديموقراطيّة والمجتمع المدنيّ والتجارة والمصالح المتبادلة. وبالفعل تحقّقت إنجازات سلميّة كبرى لم تقتصر على إنهاء حرب كالحرب الأفغانيّة، بل تجسّدت في عمليّات انتقال إلى الديموقراطيّة واقتصاد السوق، شملت أوروبا الوسطى والشرقيّة كما آسيا التي كانت بدأتها من قبل، مثلما شملت أميركا اللاتينيّة وأفريقيا الجنوبيّة.

وقد عرف العالم حالات شغب على الوجهة هذه، في رواندا والصومال ثم في الشيشان والبلقان، لكنّ تلك النزاعات، على أكلافها الدمويّة الهائلة، لم تحرف المسيرة الكبرى بقدر ما بدت في الثانيتين من رواسب ماضٍ إمبراطوريّ لم يمض كلّيّاً، وفي الأوليين من نواقص مستقبل سيكتمل لا ريب.

الانقطاع الكبير في هذه الوجهة حمله 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فدخل العالم مجدّداً في حروب سبق أن بارحها، وكان أسوأ ما حصل، إضعافاً للقيم الصاعدة وحدّاً من زخمها، أنّ الغرب انقسم، في حرب العراق، غربين، واحداً أميركيّاً يثبّته «المحافظون الجدد» في الإيديولوجيا، وآخر أوروبيّاً ينوي المضيّ في التخفّف منها. ولأنّ فلاديمير بوتين كان قد انتُخب رئيساً في 2000، عشيّة 11 أيلول، بدا مستعدّاً، مع تلك الجريمة، أن يستثمر الوضع الجديد ليداعب أحلام الرجوع إلى عالم متعدّد الأقطاب.

وقد يصحّ القول إنّ باراك أوباما هو بالضبط محاولة استئناف ما انقطع مع دبليو بوش. وهو يعرف أنّه قويّ في ما يفعل، خصوصاً وقد استعاد درجة بعيدة من وحدة الغرب. فليس بلا دلالة أنّه في أسبوع واحد أعاد التبادل الديبلوماسيّ المقطوع مع كوبا، واستقبل نغوين فو ترونغ الأمين العامّ للحزب الشيوعيّ الفيتناميّ، وبعد أسبوع توصّلت بلاده ومعها خمسة بلدان كبرى إلى اتّفاق الملفّ النوويّ مع إيران.

وحين نقول كوبا وفيتنام وإيران نكون نسمّي أبرز مصادر العداء الفاعل لأميركا ولرؤيتها للسلام العالميّ خلال نصف قرن. فهافانا وهانوي وطهران هي المثالات والمعالم في مقارعة «اليانكي»، وهي مصادر الاستلهام لبلدان وشعوب رغبت، لسبب أو آخر، في انتهاج تلك المقارعة.

فكأنّ أوباما يقرّر، نسجاً على منوال آخرين سبقوه، أنّ الإيديولوجيا تضعف وتتراجع، وكأنّه يريد أن يسرّع الضعف والتراجع هذين. لكنْ عندنا فحسب تبدو هذه الوجهة النازعة للإيديولوجيا إمّا ساذجة أو مهزومة. أمّا السبب فأنّنا، في هذه الرقعة من العالم، نعيش احتداماً حربيّاً وإيديولوجيّاً عافه باقي المعمورة. وما يزيد صورتنا غموضاً أنّ إيران التي نراها في منطقتنا كيانٌ إيديولوجيّ يقاس بحركة قاسم سليماني، فيما إيران التي يراها أوباما كيانٌ غير إيديولوجيّ يُقاس بمجتمعه «حيث توجد أصوات مختلفة» قبل أن يقاس بسلطته الهرمة. وإذ تجعلنا إيديولوجيّة إيران وزخمها العدوانيّ نرى كلّ شيء آخر تفصيلاً، وهو أيضاً ما يراه إيديولوجيّان كنتانياهو واليمين الأميركيّ، يميل أوباما إلى رؤية الشرق الأوسط تفصيلاً كونيّاً لا يَخفق بالديناميّة إلاّ في المجتمع الإيرانيّ، خصوصاً بعد ضمور الوعود الثوريّة في العالم العربيّ.

وبغضّ النظر عن الأحجام، فإنّ فيتنام وكوبا إيديولوجيّتان أيضاً لكنّهما تريدان أن «تتعاونا». أمّا في البحث عن سوابق مع بلدان أضخم من إيران وأقوى، فالصين التي «فتحها» ريتشارد نيكسون لا تزال بلداً إيديولوجيّاً، وهي أيضاً بلد يخيف جيرانه الذين يتّهمونه بالتوسّع على حسابهم في بحر الصين الجنوبيّ. بيد أنّ ذلك لا يصادر مسبقاً على وجهة المستقبل، كما لا يختصر الصين، حيث يرفرف معاً علما المنجل والمطرقة و «ماكدونالد».

وقد يكون الرئيس الأميركيّ محقّاً في رهانه وقد لا يكون، إلاّ أن رميه بالسذاجة عند خصوم إيران، أو بالهزيمة عند تابعيها، يفوّت فرصة أخرى لفهم العالم ومجرياته. فالنظرتان، وهما واحدة، تنحازان إلى اللاهوت أكثر ممّا إلى الأفكار، وتستبطنان وعياً أسطوريّاً طبيعته إحيائيّة، إن لم نقل أرواحيّة.

ذاك أنّ ما تكثر القرائن عليه أنّ الأنظمة التي يراهن أوباما على تغييرها، بقوّة انفتاحها وبضغوط مجتمعاتها، إنّما تبطّئ موتها بالتحلّل الذي لا يأخذها إلاّ صوب المثال الكوريّ الشماليّ. فهي، كمثل الديناوصور في الحقبة الجوراسيّة، إمّا أن تتكيّف أو أن تنقرض.

arabstoday

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:27 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 10:16 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما ليس ساذجاً ولا مهزوماً أوباما ليس ساذجاً ولا مهزوماً



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab