«الربيع العربي» السنوات العشر المرة

«الربيع العربي»: السنوات العشر المرة

«الربيع العربي»: السنوات العشر المرة

 العرب اليوم -

«الربيع العربي» السنوات العشر المرة

بقلم - حازم صاغية

حرية. خبز. كرامة إنسانية... بهذه الشعارات صدحت حناجر بلدان عربية عدة قبل عشر سنوات بالتمام. أمور كثيرة كانت تنطوي في هذه الشعارات أهمها أن «العدو» الذي تستهدفه الثورات مقيم في الداخل. قد يتغذى على تحالفات خارجية، وعلى إعانات خارجية، إلا أن الأساس داخليته: كونه هنا، وكونه من أبناء جلدتنا.
هذا ما كان الانعطاف الأول والأكبر في التاريخ السياسي العربي الحديث الذي أنجزته الثورات. إنه الركيزة التي يبنى عليها للمستقبل إذا أتيحت فرصة أخرى للمستقبل.
الذين تظاهروا في الساحات وفي الميادين كانوا يستعيدون أوطانهم. يستعيدونها من الأنظمة التي كان التوريث الجمهوري آخر تجليات انحطاطها، لكنهم أيضاً يستعيدونها من الشعارات وأنماط العمل السياسي السابقة التي رهنت الأوطان والشعوب لأهداف عابرة للأوطان والشعوب: لحل إسلامي أو وحدة عربية أو مكافحة أحلاف أو تحرير فلسطين...
لقد كانت ثورات «الربيع العربي» أقرب إلى عملية اكتشاف للذات الوطنية. للبلدان وللشعوب. قيامها في غير بلد عربي في آن واحد كان ذا دلالة مزدوجة: من جهة، بدا المعنى الضمني أشبه بـ«تعالوا نجتمع كي نتفرق»، تماماً كما حصل في بلدان أوروبا الشرقية والوسطى خلال 1989 – 1991، حين انتفضت معاً سبعة أو ثمانية شعوب من أجل أن يستقل كل منها، كاسراً تلك الوحدة القسرية والمفتعلة التي فرضتها عليهم موسكو السوفياتية. ومن جهة أخرى، كانت الهموم المشتركة بين هذه الشعوب، أي الحرية والخبز والكرامة الإنسانية، من طبيعة كونية تطلبها شعوب العالم كله وتدافع عنها.
وهذا ما انعكس على طبيعة الثورات الخمس، في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، قبل أن تحذو حذوها ثورات الموجة الثانية في العراق ولبنان والسودان والجزائر. فهنا لم تعد الثورة ملحمة للدماء والأشلاء، تستلهم الثورتين الفرنسية والروسية. لم تعد إطاحة طبقة اجتماعية لطبقة أخرى بالعنف. لم تعد وعداً بديكتاتورية صماء يقيمها حزب قائد ويتربع في سدتها أمين عام معصوم. لم تعد تطبيقاً لنظرية مقدسة تسبغ عليها صفات العلمية والخلاصية. إنها ثورات ملونة، كما شاع الوصف، تؤكد على سلميتها، وتتسع لسائر الأفكار والتوجهات، كما تحتل النساء موقعاً أساسياً فيها. إنها لا تملك فئة مختارة ترفعها إلى السلطة بوصفها ممثلة الأبد، بل تعد برد الحكم إلى الشعب وإرادته اللذين يغيران الحكام ويحلان النسبي حيث حل الأبدي. وهي لم تعد تهجس بالقطع مع العالم الخارجي، بل باللحاق به وبثوراته العلمية والتقنية والمعرفية الذي منعت منه الشعوب المسجونة.
أقل من سنتين عاشت هذه الثورات بصفتها تلك قبل أن تنقض عليها المفاهيم والأدوات القديمة التي تصدرها طرفان متخاصمان إنما متحالفان ضد الثورة: النظام الأمني العسكري والإسلام التكفيري. الاثنان دفعا نحو العودة إلى النظام القديم بالمعنى العريض للكلمة. فالسياسة عندهما ليست سوى عنف ممهور بقضية. إنها القسوة والتوحش والحرب الأهلية مصحوبة بخطاب تكراري وبائس لا ينم فقط عن تعطل اللحاق بالزمن وتفكير مستجداته، بل أيضاً عن فقر في النفس المنغلقة على نفسها.
وما بين الإرهاب والحرب على الإرهاب تم اعتصار السياسة والثورة عبر عنف استثنائي كان يأتي من الطرفين، بالتضامن مع ضعف البورجوازيات المحلية وهشاشة المدن وانفجار العصبيات الريفية المكبوتة، فضلاً عن تبلد الاستجابة الدولية التي لم تبرأ من رضة التدخل الكبير في العراق وأفغانستان، ثم التدخل الصغير في ليبيا.
يكفي أن نقارن بين مقتل أسامة بن لادن، في أواسط 2011، إبان ازدهار النشاط الثوري، وهو ما لم يكترث له أحد، وبين نشأة «داعش» وشقيقاتها وما فعلته «داعش» بعد ضمور العمل الثوري وارتفاع رايات الحرب الأهلية.
اليوم، استكملت الثورة المضادة انقضاضها، إما عبر تجديد الإحكام الأمني أو عبر تصدع المجتمعات على خطوط دينية وطائفية وإثنية. وبدل ثنائية الوطني – الكوني التي وعدت بها البواكير الثورية، حل الهبوط إلى ما دون الوطني في حركات الثورة المضادة وقواها، الحاكمة منها والمتمردة. لكن تلك القوى لم تأتِ هذه المرة إلا مصحوبة باحتلالات لا يستبعد معها، ومع ما يرافقها من تكسر مجتمعي، أن تغدو الأوطان نفسها حدثاً ماضياً. وبالفعل، وهذا أكثر ما يؤلم، فإن الأسباب التي استنهضت الثورات زادت وتفاقمت، بينما غدا النفي والطرد يطالان كتلاً سكانية ضخمة تدفع أكلاف انهزام الحرية. أما القوى الثورية، في المقابل، فتعيش تصدعاً يستبعد معه التعافي السريع – لا تعافي الثورات فحسب، بل تعافي الأوطان نفسها

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الربيع العربي» السنوات العشر المرة «الربيع العربي» السنوات العشر المرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab