شعب منكوب وشعب منتصر في بلد واحد

شعب منكوب وشعب منتصر في بلد واحد؟!

شعب منكوب وشعب منتصر في بلد واحد؟!

 العرب اليوم -

شعب منكوب وشعب منتصر في بلد واحد

بقلم- حازم صاغية

إذن، نحن - أعني الشعب اللبناني - ننتصر.
هناك من يخبرنا أنّنا نحتفل، هذه الأيّام، بمرور ثلاث سنوات على «معارك تحرير الشرق»، أي القضاء على «الهجمة التكفيريّة» التي يقال إنّها هبّت علينا من الجوار السوري.

هناك من سبق أن أخبرنا أنّنا عشنا، قبل أيام، الذكرى الـ14 لانتصار مدهش أحرزناه عام 2006، حين «أذلَلْنا العدوّ الصهيوني ومرّغنا رأسه في التراب».

ودائماً ثمّة مَن يطلّ علينا ليخبرنا أنّ زمن الهزائم ولّى وأنّنا قاب قوسين من حدث ملحمي مطنطن، كطرد الولايات المتحدة الأميركية من الشرق الأوسط، أو الصلاة في المسجد الأقصى.
الانتصارات كثيرة. الاحتفالات كثيرة أيضاً. الحزن، في المقابل، أكثر.

لا نذيع سرّاً إذا قلنا إنّ اللبنانيين بأكثريّة ساحقة يزدادون حزناً وكآبة كلّما زادت انتصاراتهم المذكورة. إنّهم لا يحتفلون حتّى بما يُفترض أنّه احتفالهم، أي الذكرى المئوية لنشأة «لبنان الكبير». ينظرون بألم وبشيء من الاعتذار إلى تلك المناسبة. الاحتفالات، من أي نوع، ليست على جدول أعمالهم، ولا في أمزجتهم.

أين تكمن المشكلة إذن؟ لماذا يزداد البكاء كلّما زادت الانتصارات؟
ليس جديداً أن تستعمل سلطة سياسية ما انتصاراتها لترسيخ قبضتها على شعبها. بعض الأنظمة درجت على تضخيم الانتصارات، أو حتّى على قلب الهزائم انتصارات، من أجل تمكين تلك القبضة القامعة. بعض الأنظمة جعلت من انتصارات كهذه مبرّراً لشرعيّة لا يوجد أي سند آخر لها، أو أي إنجاز تتباهى به.

حالة حافظ الأسد باتت معروفة جدّاً لمن يريد أن يعرف: لم يكتفِ بأن أعلن نفسه «بطل تشرين» في 1973، إذ صار أيضاً «بطل الجولان» في 1967، علماً بأنّ الأسد أشرف شخصيّاً، بوصفه وزير دفاع، على سقوط الجولان في يد الإسرائيليين.

الوقاحة في لبنان اليوم من الطينة نفسها، وكذلك الكذبة: بالأمس عشنا تمريناً مصغّراً على حرب أهلية سنية - شيعية في منطقة خلدة. علاقات الطوائف فيما بينها يسودها احتقان وتوتّر غير مسبوقين. مشاعر المسيحيين خصوصاً، لكنْ سواهم أيضاً، حيال الوحدة اللبنانية، تتراوح بين اليأس والنفور.

نعطف هذه المعطيات على أخرى بات اللبنانيّون يعيشونها باللحم الحيّ: أزمة اقتصادية تزلزل طبقات المجتمع من غير استثناء. انسداد سياسي تتزايد مصاعب الخروج منه في ظلّ حكم موغل في الفساد والتفاهة. فقدان متنامٍ للصداقات العربية والدولية مشفوع بميل كوني إلى نفض اليد من بلد ميؤوس منه. عجز وارتباك متعاظمان حيال الإصابات المرتفعة بـ«كوفيد - 19». وقبل هذا كلّه وبعده، جريمة المرفأ المُريعة التي توّجت سنوات من حاكميّة «الشعب والجيش والمقاومة».

كيف يُعقَل ونحن نتخبّط بهذه النكبة متعدّدة الأبعاد أن نحتفل بكلّ تلك «الانتصارات» التي يدعونا «حزب الله» ومشايعوه إلى الاحتفال بها؟
هذا التناقض يفسّر الحاجة الماسّة إلى الكذب الذي يلبّي وظيفتين: من جهة، إقناعنا المستحيل بأنّ الانتصارات هي حقاً انتصارات، ومن جهة أخرى، حملُنا على تصديق أنّ الكارثة ليست كارثة، وبالتالي أنّ القيّمين عليها لا ينبغي إسقاطهم وإيداعهم الزنازين. لهذا فإنّ الكذب المعروض في السوق كبير، لأنّ الانتصارات ليست انتصارات، فيما الكارثة كارثة، فيما المتسبّبون بها ينبغي أن ينتهوا في السجون. يوماً بعد يوم، تزداد الصورة وضوحاً في الاتّجاهين: الانتصارات ليست بالمرّة انتصارات، أمّا الكارثة فكارثة جدّاً.

المحاولة الراهنة في الكذب لا يوازيها إلاّ تلك النظريّة الشهيرة التي ظهرت بعد هزيمة حزيران 67 من أنّنا انتصرنا لأنّ «الأنظمة التقدمية» لم تسقط.

لكنّ التناقض إياه بين الانتصارات والنكبات يفسّر شيئاً آخر هو أنّنا بِتنا حقّاً شعبين على الأقلّ: شعباً يعدّ الضربات التي تنزل به، وشعباً يعدّ، موقناً أو مخدوعاً أو متصنّعاً، الانتصارات التي يحرزها.
أمّا بلوغ الانشطار هذه الدرجة المتقدّمة فلا يقول إلاّ أنّ «حزب الله» قد نجح في قتل المشروع اللبناني تماماً.

والحال أنّ ازدواج السلاح ليس أخطر ما يمثّله الحزب المذكور. أخطر منه هو ازدواج البشر الذي يطال كلّ شيء تقريباً والذي نعيشه اليوم، على نحو فاقع، زواجاً كاذباً بين منكوب ومنتصر. وهذا ما يرتّب ازدواجاً في الواقع وفي الحقيقة. إنّه، في الحالات كافّة، يفيض عن أي تعددية ممكنة ليس فقط في ظلّ نظام ديمقراطي، بل أيضاً في ظلّ حياة مستقرّة.

إنّ أكثرية اللبنانيين الساحقة ترى اليوم أنّ الصحيح في تلك الانتصارات هو كونها انتصارات عليهم. سوى ذلك كذب ومصدر آخر للأحزان.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعب منكوب وشعب منتصر في بلد واحد شعب منكوب وشعب منتصر في بلد واحد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab