2016 هذه السنة اللئيمة

2016: هذه السنة اللئيمة

2016: هذه السنة اللئيمة

 العرب اليوم -

2016 هذه السنة اللئيمة

بقلم : حازم صاغية

قد يحتلّ عامنا الذي ينصرم موقعاً أسود في التاريخ. دونالد ترامب انتُخب رئيساً للولايات المتّحدة. الشعبويّة في أوروبا توالي صعودها وتهدّد بقضم بلد كفرنسا. أكثريّة البريطانيّين سبق أن صوّتت للخروج من الاتّحاد الأوروبيّ الذي بات، هو نفسه، يواجه احتمالات مصيريّة صعبة. البوتينيّة الروسيّة باتت نموذجاً للحاكميّة، حتّى في بلدان ديموقراطيّة.

 بشّار الأسد يحرز انتصاره، مسلّحاً بالروس والإيرانيّين، في حلب. الإرهاب الإسلاميّ ينشط ويتوسّع. النزاع السنّيّ – الشيعيّ ينشط، بدوره، ويتوسّع.

وللمرّة الأولى منذ أمد طويل تغدو العلاقات الأهليّة في المجتمعات المتقدّمة مطروحة على المحكّ. فالتوتّر العرقيّ في الولايات المتّحدة، في ظلّ الحقّ في امتلاك السلاح، يهدّد بانفجارات قد يصعب ضبطها، خصوصاً في ظلّ إدارة موصومة بالانحياز العرقيّ الحادّ.

 أمّا أوروبا الغربيّة فأيضاً قد لا تنجح في تبديد الاحتقان الذي تعيشه غيتواتها وجماعاتها المغايرة، لا سيّما في ظلّ التكافل، من موقع الخصومة، بين رُهاب الإسلام وإرهاب الإسلاميّين. وفيما الإفقار المتزايد الذي يتسبّب به الاقتصاد النيوليبراليّ يعزّز الميول القصوى، تكتسب الحروب الأهليّة مزيداً من المواقع في «العالم الثالث»، بالتوازي مع تصدّع الدول الوطنيّة وحدودها وضمور الإجماعات المشتركة. أمّا العزوف والانعزال اللذان يعدنا بهما السيّد ترامب فيوجّهان ضربة نهائيّة لفرص التوسّط والتدخّل وفضّ النزاعات.

في المقابل، تبدو الأطراف المؤهّلة للردّ على هذه الوجهة بالغة الضعف والتفكّك: ينطبق هذا على الاشتراكيّين الديموقراطيّين الأوروبيّين، والديموقراطيّين في الولايات المتّحدة، مثلما يصحّ في الليبراليّين المناهضين للنيوليبراليّة في عموم البلدان الغربيّة. أما في العالم العربيّ، فترفع الثورة المضادّة أعلامها فوق جثّة الثورات التي تفسّخت حروباً أهليّة وإقليميّة.

قلاع المقاومة، التي لا تزال تبدي بعض التماسك، تحتلّ موقعاً دفاعيّاً متراجعاً. المستشارة الألمانيّة أنغيلا مركل تُستنزف في إيقاع يوميّ شهد سوق الميلاد البرلينيّ آخر تجلّياته. كلّ عمليّة إرهابيّة تقوّي خصومها في «البديل» وتُضعفها داخل حزبها وحيال حليفها البافاريّ «الاتّحاد الاجتماعيّ المسيحيّ». إسبانيا، التي تمتاز بافتقارها إلى تنظيم يمينيّ متطرّف، تتخثّر سياسيّاً في ظلّ العجز عن بناء تحالف يجمع الحزب الاشتراكيّ و «بوديموس». كندا – جوستين ترودو التي تخالف الوجهة الكونيّة السائدة، بعيدة ومحدودة التأثير في مجريات العالم.

أخطر من ذلك ما يحصل على صعيد القيم، كما على صعيد الثقافة والممارسة السياسيّتين:

- الديموقراطيّة المباشرة، التي حذّر منها اليونان الأوائل، تتعزّز على حساب الديموقراطيّة التمثيليّة ومؤسّساتها،

- الحمائيّة القوميّة واحتمالات الحروب التجاريّة (الأميركيّة – الصينيّة خصوصاً) يشتدّ عودها، وكذلك العداء للغريب واللاجئ والمسلم،

- سوريّة، وحلب خصوصاً، تقولان إنّ «الإنسان الكونيّ» اندحر، واندحرت قيمه، أمام المصالح العارية والحسابات الباردة للدولة القوميّة. حقوق الإنسان لن تجد من يدافع عنها،

- في مناخ صعود القوميّات والشعبويّات وقيم الحرب والتناحر، ومع هجاء «المؤسّسة» و «السياسيّين» و «المثقّفين»، قد يحتلّ العسكريّون مناصب تقريريّة في الأنظمة الديموقراطيّة، ويحصل شيء من عسكرة الأخيرة. تعيينات ترامب الحكوميّة تنذر بذلك. «الإصلاحات» البولنديّة الأخيرة تقول إنّ السلطة تتأهّل لقضم الحرّيّات. في ألمانيا ترتفع أصوات تفيد بأنّ التركيب الفيديراليّ لا يخدم الجاهزيّة الأمنيّة التي تستدعيها مكافحة الإرهاب... والأخطر في مجالات العسكرة والتسلّح ما أوحى به تغريد ترامب عن «تعزيز وتوسيع كبيرين للقدرة النوويّة الأميركيّة». جاءت التغريدة بعد ساعات على حديث بوتين عن حاجة روسيا إلى «تدعيم طاقتها النوويّة العسكريّة».

- الهويّات تستولي على الأفق. الحداثة والتقدّم والتنوير والنزعة الإنسانويّة تنتكس جميعاً. الانتكاس يطاول الوعي البيئويّ وإنجازاته مثلما يطاول الوعي الجندريّ ومكاسبه، والوعي المناهض للعنصريّة بسائر تلاوينه.

فليس من المبالغة، والحال هذه، توقّع حقبة مظلمة تقيم وراء هذه السنة اللئيمة، 2016.

 وقد تتمكّن البلدان المتقدّمة، تبعاً لمؤسّساتها وتقاليدها وامتلاكها كتلاً شعبيّة وازنة تسند الديموقراطيّة، من تقصير هذه الحقبة والحدّ قليلاً من أكلافها الباهظة، لكنّ هذا لا يصحّ في بلداننا والبلدان التي تشبهها، حيث الأزمات أعمق وأعنف، فيما انعدام مضادّاتها الاجتماعيّة والثقافيّة قد يقود إلى عصر ظلمات متمادٍ.

المصدر : صحيفة الحياة

arabstoday

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

... عن «الاسم» والكفاءة في مواجهة إسرائيل

GMT 09:00 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

GMT 04:38 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الحرب على غزّة بين دوري الداخل والخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2016 هذه السنة اللئيمة 2016 هذه السنة اللئيمة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab