إنّه نهج وليس «حادثاً»

إنّه نهج وليس «حادثاً»...

إنّه نهج وليس «حادثاً»...

 العرب اليوم -

إنّه نهج وليس «حادثاً»

بقلم - حازم صاغية

ذاك المشهد الذي رأيناه مؤخّراً، في مخيّم برج الشماليّ، قرب مدينة صور في جنوب لبنان، سبق أن شاهدناه مرّات عديدة من قبل. إنّه مسرحيّة من ثلاثة فصول متتابعة:
الفصل الأوّل: المأساة. في المخيّم المذكور، حيث يعيش عشرون ألف نسمة، يطرأ انفجار في مستودع أسلحة وذخائر تابع لـ «حركة حماس». الرواية الأكثر انتشاراً تقول إنّ الانفجار نجم عن حريق شبّ في مسجد الصحابيّ أُبيّ بن كعب الواقع وسط المخيّم. الحصيلة، وإن لم تتأكّد الأرقام بعد، قتيلان وعدد (؟) من الجرحى والمصابين.
الفصل الثاني: الكذبة. يصدر بيان لـ «حركة حماس» يقول بالحرف: «بعد الوقوف على ملابسات الحادث، والاستماع لشهود العيان، تبيّن لنا أنّه ناتج عن تماسّ كهربائيّ في مخزن يحوي كميّة من أسطوانات الأوكسجين والغاز المخصّصة لمرضى كورونا، وكميّة من المنظّفات والمطهّرات». أضاف البيان أنّ تلك المستلزمات «كانت مخصّصة للتوزيع ضمن الجهود الإغاثيّة...».
الفصل الثالث: اشتباكات الفصائل. إبّان تشييع حمزة شاهين، أحد الذين قضوا في الانفجار، يندلع اشتباك بين مسلّحين من حركتي «حماس» و«فتح» الفلسطينيّتين يتأدّى عنه سقوط أربعة قتلى وثمانية جرحى.
مخازن السلاح والرقم التصاعديّ للقتلى (من 2 إلى 4) واحتقار عقول الناس، وفي عدادهم أهل الضحايا، تشير مرّة أخرى إلى النهج الذي يتحكّم بوعي «حماس»، وما يشابهها من تنظيمات، في إدارتها الصراعَ مع إسرائيل: المهمّ أدوات القوّة. البشر تفصيل. قداسة المسجد أيضاً تفصيل. لبنان نفسه تفصيل، استباحته واستباحة البشر واستباحة المسجد جائزة دائماً في سبيل «القضيّة».
نحن إذاً أمام تجريب جديد للمعادلة إيّاها التي تضع السلاح في مكان والسكّان (ومعهم الممتلكات والمعاني والرموز والمقدّسات) في مكان آخر.
سلاح «حزب الله»، الذي يرفضه أربعة أخماس اللبنانيّين على الأقلّ، مدرسة نموذجيّة في تلقين ذاك النهج إيّاه: المهمّ السلاح، لا ما يراه الناس ولا الأضرار التي تقع عليهم من جرّائه.
والحال أنّ جريمة تفجير مرفأ بيروت، صيف العام الماضي، افتتحت طوراً متقدّماً جدّاً في تطبيق هذا النهج الذي تدين به «حماس» و«حزب الله» والأطراف الممانعة الأخرى: تخزين نترات الأمونيوم الذي يستحيل حصوله، ويستحيل فهمه، خارج الزجّ بلبنان في صراعات مسلّحة لا يحقّ للبنانيّين التدخّل فيها (هذا قبل أن يتّضح أنّ التحقيق في أمرها هو أيضاً ممّا لا يُستحسن التدخّل فيه).
تعفّن القضايا هو بالضبط هذا: أن ينعدم كلّ جسر بين السكّان والسلاح، وأن تغدو قضايا السلاح شيئاً لا يحتاج إلى البشر، أي شيئاً خالياً من كلّ مضمون نبيل، هذا حتّى لا نصفه بالتقدّميّ أو بالتحرّريّ. مثل هذا السلاح قابل، في أيّة لحظة، إلى استهداف البشر أنفسهم بوصفهم الفائض الذي يمكن الاستغناء عنه: على مدى السنوات القليلة الماضية، شاهدنا هذا النهج في أعلى محطّاته التطبيقيّة، أي في تطبيقه السوريّ الفظيع: بقاء النظام ومواجهة «الحرب على سوريّا» بقوّة السلاح الكيماويّ والبراميل وما ينجم عنها من قتل وتهجير واسع للسكّان السوريّين.
هنا لا بأس بتذكير تلك القوى التي تتعيّش على قضيّة عنفيّة ما بما تسمّيه اللاتينيّة Jus Ad Bellum أي المبادئ والمعايير التي تجعل حرباً ما حرباً عادلة: إنّها امتلاك قضيّة مُحقّة، واعتماد الحرب كآخر الحلول، وإعلانها من قبل سلطة مناسبة (أو سليمة)، وامتلاك المحاربين نوايا جيّدة، ووجود فرص معقولة للفوز فيها، وأن تكون نهاية الحرب متجانسة مع الوسائل المستخدمة فيها.
هذه شروط يكاد لا ينطبق شيء منها على قوانا الحربيّة التي تفجّر البشر، بشرها، ثمّ تكذب عليهم، كما تستبيح كلّ ما يقع تحت يدها أو ما يتماسّ مع تلك اليد.
قد يقال أنّ الحروب التي تنطبق عليها المعايير المذكورة أعلاه قليلة جدّاً. هذا صحيح، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ المسافة التي تفصل عن تلك المعايير نادراً ما تصل إلى الدرجة التي نشهدها اليوم في منطقتنا. لهذا يصحّ وصف هذه الحقبة التي نعيش بالتعفّن: ما هو مُحقّ وعادل في قضايا المحاربين هو ما قضمه ويقضمه غير المُحقّ وغير العادل في تلك القضايا.
إنّ من عاش في بيروت، عشيّة حرب 1982، يعرف ما الذي يعنيه التعفّن. النهج نفسه، وعلى نطاق أوسع، يضرب مجدّداً. اليوم، فيما تزدهر أحاديث الحروب في المنطقة، يُخشى أن نكون عشيّة عود على بدء!

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنّه نهج وليس «حادثاً» إنّه نهج وليس «حادثاً»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab