مسيحيّو لبنان والعرب

مسيحيّو لبنان (والعرب)

مسيحيّو لبنان (والعرب)

 العرب اليوم -

مسيحيّو لبنان والعرب

حازم صاغية

ليس المسيحيّون اللبنانيّون في وضع يُحسدون عليه. ولا يفعل حال المسيحيّين العرب غير إضافة خوفهم من المستقبل إلى قلقهم حيال الحاضر. لكنّ المسيحيّة اللبنانيّة، ممثّلةً بقوّتها السياسيّة الأولى، ما إن تنطق حتّى تزوّر مشكلة الأقلّيّات وتسخّفها. هكذا يتراءى، وفقاً للعونيّين، أنّ ما يرفع عن مسيحيّي لبنان الغبن والتهميش بضعة تعيينات في الدولة! وربّما جاز القول، محاكاةً لعبارة مأثورة، إنّ مسألة الأقلّيّات أهمّ كثيراً من أن تُترك لأقليّين كهؤلاء لا يميّزون بين تمّام سلام و»داعش»، وبين فهم الواقع وتغييره والشغب الصبيانيّ عليه.

في المقابل، فتسخيف ميشال عون للمشكلة لا يسخّف المشكلة. والحال أنّ السبب الأهمّ، بين أسباب عدّة، وراء نشأة الظاهرة العونيّة نفسها أنّ غير المسيحيّين، من سنّة وشيعة ودروز، لم تعبأ غالبيّتهم الساحقة بتهميش المسيحيّين في زمن الوصاية المديد. وحين أوشك هذا الجرح على الاندمال بعد 2005، جاء «التحالف الرباعيّ» يسكب الملح فيه. وهذا قبل سنوات على «داعش» وأشقّائه.

لقد أنتج التعاطي مع مشكلة الأقليّات ثلاثة طروحات سبق لبلدان أوروبا وأقليّاتها أن تداولتها في طور أسبق.

فأوّلاً، ثمّة من يدعو إلى التمسّك بالأمر الواقع، وهو في تجربتنا ما حاولت الثورات العربيّة تغييره. وقد تندفع الدعوة هذه فتطالب المسيحيّين، اللبنانيّين والعرب، بالقتال دفاعاً عن نظام الأسد، أو في صفوف «الحشد الشعبيّ» في العراق، من أجل إلحاق الهزيمة بـ «داعش» والقوى التكفيريّة.

وهذه دعوة مصابة، في أحسن أوصافها، بضعف ذاكرة مريع: فأصحابها ينسون أنّ الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، التي صادرت الاقتصاد والثقافة والتعليم، رعت نزفاً مديداً طاول الأقلّيّات قبل عشرات السنين على ظهور قوى التكفير. وهذا كي لا نضيف أنّ الأنظمة المذكورة صادرت نقاش مسألة الاجتماع الوطنيّ وعطّلته أساساً، فضلاً عن إسهام بطشها في تأسيس التكفير وحركاته. وإذا صحّ أنّ المسيحيّة اللبنانيّة درّة تاج المسيحيّات العربيّة، فليس هناك مَن حاصرها وخوّنها كما فعل النظام السوري، بجيشه وأمنه وعملائه، ولكنْ أيضاً بقوميّته العربيّة وإهدائه لبنان ساحةً للمقاومة الفلسطينيّة ثمّ لمقاومة «حزب الله».

لقد كان الهدف الدائم لنظام الوصاية ضرب المسيحيّين بوصفهم العمود الفقريّ للوطنيّة اللبنانيّة، فيما يراد اليوم زجّهم، في سوريّة كما في العراق، في صراع سنّيّ - شيعيّ لا يُبدون، وهم المصابون برضوض عميقة، ما يكفي من مناعة تعصمهم عن خوضه.

وثانياً، هناك من يعوّل على الاندماج بعد تحسين شروطه في ما خصّ الأقلّيّات. وطرحٌ كهذا مُتضمَّن كوعد مستقبليّ في الخطابات الأفضل لأفضل أجنحة الثورات العربيّة. بيد أنّ هزيمة الثورات وصعود حركات التكفير كوجه من وجوه تلك الهزيمة أطاحا الرهان على الاندماج.

فإذا كانت دعوة الحفاظ على الوضع القائم تطرح مشكلة مسيحيّي 8 آذار الذين يعرفون، على رغم كلّ المظاهر المعاكسة، تاريخ النظام السوريّ وطبيعة «حزب الله»، فإنّ دعوة الاندماج بعد فشل الثورات تطرح أزمة مسيحيّي 14 آذار الذين يعرفون أنّهم باتوا معلَّقين بلحظةٍ فاتت، وبكلام بات بائخاً وهزيل الشعبيّة.

والدعوة الاندماجيّة سبق أن اتّخذت صيغاً شتّى، فرفعها «نهضويّو» جبل لبنان قبل مئة عام، وأصحاب النزعة «الدستوريّة» ثمّ الشهابيّون ما بين الاستقلال والحرب الأهليّة، وهذا ناهيك عن العقائديّين المسيحيّين الذين زايدوا على الأكثريّة بالعروبة وبفلسطين، فساهموا في تضييق مساحات التعدّد في المجتمع وثقافته السياسيّة، وفي نشر الواحديّة المزعومة والإجماعات الكاذبة.

وكائناً ما كان الأمر، فالاندماج بات يبدو عتيقاً جدّاً كمثل قصص حاتم الطائيّ. واليوم، بين كلّ بلدين عربيّين، بل بين كلّ جماعتين، تُشيّد جدران (بالمعنى الماديّ للكلمة) وترتفع معازل لأهل الهويّات الصافية.

ولا بدّ لواقع كهذا أن يقود إلى التمعّن في الطرح الثالث، وهو الحلّ الانفصاليّ، بحدّه الفيدراليّ الأدنى كما بحدّه الأقصى ممثّلاً بإقامة الأوطان المستقلّة لجماعات دينيّة أو إثنيّة بعينها. ومن دون الدخول في التفاصيل، آن أوان الإقلاع عن المكابرة في مناقشة هذا الاحتمال الذي لم يبق غيره على الطاولة، أكانت الطاولة محلّيّة أم دوليّة. فالوطنيّة، بعد انتهاء الأوطان، قد تكون مدعاة لحزن نوستالجيّ، وفي الأمر الكثير ممّا يُحزن، لكنّها بالتأكيد لم تعد أساساً لأمل عاقل يُحمل على محمل الجدّ.

arabstoday

GMT 06:29 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

إصلاح الشرق الأوسط

GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

يعقوب والفقى وفهمى... نجوم من طراز خاص

GMT 06:22 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

كأنها صيغة للاعتذار

GMT 06:19 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية الحرب

GMT 06:16 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

زهرةُ الفن العربى

GMT 06:14 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسيحيّو لبنان والعرب مسيحيّو لبنان والعرب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab