سوريّون ولبنانيّون حساسيّات ونرجسيّات

سوريّون ولبنانيّون: حساسيّات ونرجسيّات

سوريّون ولبنانيّون: حساسيّات ونرجسيّات

 العرب اليوم -

سوريّون ولبنانيّون حساسيّات ونرجسيّات

حازم صاغية

بات شهيراً ما قاله سيغموند فرويد حين تحدّث عن ثلاثة جروح أصابت نرجسيّة الكائن البشريّ: مرّةً حين أعلمه كوبرنيكوس بأنّ أرضه هي التي تدور حول الشمس، وأنّ الشمس، لا أرضه، محورُ الكون. ومرّةً حين قال له داروين إنّ أصله حيوانيّ وغير موصول بأيّ سماء. وثالثةً حين أنبأه فرويد نفسه بحدود وعيه الذي خاله مطلقاً، فبيّن له كم أنّ لا وعيه، وليس له يد فيه، متمكّنٌ منه.

فالبشر تجرح نواقصُهم كراماتِهم، والجرح يكبر كلّما كبر الفارق بين الواقع الفعليّ وصورته المؤمثَلة. واللبنانيّون بعد حربهم، التي مرّت ذكراها الأربعون قبل أيّام، تبدّى جرحهم النرجسيّ بليغاً بلاغة خرافتهم عن أنفسهم كما صيغت قبل الحرب. فالشعب العظيم، صاحب الأساطير ومخترع الأبجديّة، ذو الوحدة الصوّانيّة والإجماع الحديديّ، تبدّى «شعوباً» متقاتلة، عاجزة عن تجاوز طائفيّتها، عالقة في شرط وجودها الأدنى. هكذا جاز لكثيرين من اللبنانيّين أن يطرحوا سؤالاً من طبيعة هملتيّة: هل نحن، كشعب وأمّة، موجودون أصلاً أم أنّنا عدم؟

ولم يكن بلا دليل أنّ ينعكس التحوّل هذا على الفنّ وأنماط التعبير: فبعد عالم الأخوين رحباني المحلّق فوق الأرض، أنزلنا زياد الرحباني إلى تحتها، وبدل روايات النقاء الريفيّ ظهرت روايات التفسّخ المدينيّ وآلام التحوّلات وإحباطاتها. أمّا الأدب الرومنطيقيّ السقيم والشعائريّ فغدا إلى مزاح المقاهي أقرب.

لكنْ لئن مال لبنانيّون غير قوميّين، ممّن لم يصدّقوا الخرافة القديمة، إلى نبش تاريخهم ومساءلة اجتماعهم، من دون أن يغيّبوا تدخّل الآخرين ولعبهم على التناقضات اللبنانيّة وتوسيعها، فضّل آخرون بينهم دفن الرأس في رمال لم يبق منها إلاّ القليل، والهرب إلى نظريّة «حروب الآخرين على أرضنا» التي تُلصق الخير المطلق بالذات والشرّ المطلق بالآخر. وفي البيئة هذه ظلّت المسؤوليّة الذاتيّة مُخدّرةً، على رغم انطواء عنصر المقاومة الفلسطينيّة «الغريب» في 1982. ذاك أنّ تركيبتنا الطائفيّة تكشّفت عن كونها المصدر الدائم لطاقة استقباليّة قصوى شملت بحبّها «غرباء» متعاقبين كالنظام السوريّ والجيش الإسرائيليّ والحرس الإيرانيّ.

واليوم يعيش السوريّون وضعاً مشابهاً، مع فارق أنّ جرحهم لا يزال ساخناً بما يطيل زمن الالتحام بالحدث المأسويّ ويبطّئ القدرة على مراجعته.

فهم الآن، مع انحسار الثورة في معناها الأوّل وخروج «داعش» و «النصرة» وزهران علّوش من إهابها، يواجهون إخفاقاً مماثلاً جارحاً للنرجسيّة الوطنيّة وللصورة القوميّة، المصنوعة والمتوارثة، عن الوطن. وقد يكون مفهوماً جدّاً أن تطغى الحساسيّة حيال النقد وأن يُنظر إليها بارتياب، أو أن يسود لدى السوريّين معادلٌ لنظريّة «حروب الآخرين على أرضنا» اللبنانيّة. ومثل اللبنانيّين قبلهم فإنّهم لن يُعدموا الحجج التي تقنعهم بصحّة هذه النظرة، من تدخّل الأطراف الإقليميّة إلى إطلاق الأسد سراح تكفيريّين إلى دور إيران وحزب الله وأجانب «داعش».

ولا ننسى كذلك أنّ العراقيّين أيضاً وجدوا ضالّتهم في بول بريمر، مستنتجين أنّ العلاقات بينهم، في ما لو تُركوا وحدهم، على أحسن ما يكون، وأنّ العراق الذي يسند ظهره إلى آلاف السنين تنتظره آلاف أخرى من السنين الزاهرة.

بيد أنّ شعوب المشرق جميعاً تداهمها اليوم ضرورة العبور إلى مداواةٍ من نوع آخر لجرحها النرجسيّ، مداواةٍ غير قوميّة، تعود بنا إلى أصول الاجتماع الوطنيّ نفسه، وإلى تناول نمط في الحياة ليس بشّار الأسد العائق الوحيد، وإن كان اليوم العائق الأكبر، أمام استوائه ودقّة اشتغاله.

وغنيّ عن القول إنّ لغة الحساسيّة في استجدائها الكمالَ القوميّ إنّما هي ذاتها لغة الأنظمة الملفوظة التي تقول لنا أنّنا لا نلد إلاّ الخير في بلدان لا يمسّ الوهنُ نفسيّتها ولا يقترب التفسّخ من وحدتها.

إنّ العبور من «حروب الآخرين على أرضنا» إلى البحث عن «الوحش الذي فينا» هو المهمّة الثقافيّة الأولى اليوم على مستوى المشرق كلّه.

arabstoday

GMT 06:14 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

حرية المعلومات هى الحل!

GMT 06:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

القفطاوية

GMT 06:09 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نصيب مصر من الانتعاش الكبير

GMT 06:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

السلام وجيمى كارتر!

GMT 06:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

كريم العنصر.. لا العنصرين

GMT 06:03 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الحسابات التركية

GMT 06:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إطلالة جريئة

GMT 05:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

«شفاعات» 1955 و«شفاعات» 2025!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريّون ولبنانيّون حساسيّات ونرجسيّات سوريّون ولبنانيّون حساسيّات ونرجسيّات



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab