تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة

تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة

تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة

 العرب اليوم -

تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة

حازم صاغية

إحياء ذكرى عاشوراء في دمشق (كما غطّته «الحياة» الاثنين الفائت) حدث غير عاديّ في دلالاته. وهذا لا يعود فحسب إلى «أمويّة» العاصمة السوريّة والغلبة الكاسحة تقليديّاً للونها السنّيّ، ولا إلى حقيقة أنّ إحياء عاشوراء على هذا النحو غيرُ معهود في تلك المدينة. إنّه يرجع، أوّلاً وأساساً، إلى أنّ الأقلّيّة العلويّة ليست، بالتعريف، شيعيّة إثني عشرّية، ولا تحتفي تالياً بعاشوراء، علماً أنّها هي الطائفة الأقلّيّة الأكبر في سوريّة التي يمثّل شيعتها أقلّيّة ضئيلة العدد.

لقد جاء في الخبر: «شهدت شوارع دمشق إحياء غير مسبوق من حيث التنظيم والكثافة لذكرى عاشوراء بفضل تسهيلات قدّمها نظام الرئيس بشار الأسد، وشارك فيها شيعة من سوريّة ولبنان والعراق وإيران وعناصر ميليشيات تقاتل إلى جانب القوّات النظاميّة ضدّ المعارضة السوريّة».

وترافق الحدث الدينيّ والطقسيّ هذا مع حدث سياسيّ وعسكريّ مفاده أنّ إيران وحّدت تنظيمات شيعيّة عراقيّة وأفغانيّة وسواها تقاتل في سوريّة تحت قيادة إيرانيّة.

لكنْ في اليمن أيضاً جدّ تطوّر مشابه. والخبر اليمنيّ يقول بدوره: «أحيت جماعة الحوثيّين في صنعاء أمس وللمرة الأولى، ذكرى عاشوراء على طريقة الشيعة الإثني عشريّة، وغطّت الشعارات واللافتات السود شوارع المدينة». حصل هذا بعد كلّ ما راج عن اعتناق الحوثيّين، المدعومين من إيران، الشيعيّةَ الإثني عشريّة، علماً بوجود رأيٍ يفيد أنّ المذهب الزيديّ الذي صدر عنه الحوثيّون يقع في نقطة وسطى بين السنّيّة والشيعيّة، ولو أقرب قليلاً إلى الأولى.

وفي لبنان، الذي يتحمّل شيعته العبء الأكبر في الدفاع عن نظام الأسد، يُلاحَظ أنّ الخوف من «داعش» و «النصرة» وأضرابهما يدفع المسيحيّين والدروز إلى موقع سياسيّ يقارب الموقع الشيعيّ. ولم يعد سرّاً أنّ بيئات الاحتكاك والتجاور بين السنّة وسواهم تشهد تسلّحاً كثيفاً لا سابق له منذ اتّفاق الطائف قبل ربع قرن.

وحال الأقلّيّات السياسيّة كانت قد سبقت حال الأقلّيّات الدينيّة والمذهبيّة. فالحزبان الشيوعيّ والقوميّ السوريّ اللذان استقطبا تقليديّاً أبناء الأقلّيّات، اتّخذا، بقدر من التفاوت، موقف الدعم والتأييد للنظام السوريّ. وكانت «المقاومة» أو «العداء للإمبرياليّة» جسر الرسوّ على شطّ الأمان هذا.

بهذا تمضي وجهة الفرز التي تنحو، في المنطقة، نحو الإطلاق. وحتّى لو وضعنا جانباً ما يقال عن موجات من التشييع الإيرانيّ في سوريّة وغيرها من البلدان، وهو أمر يحتمل المبالغات، يبقى أنّ ثمّة دوراً إيرانيّاً واضحاً مفاده تحويل الشيعيّة الإثني عشريّة مذهباً سياسيّاً إمبراطوريّاً، يرعاه قاسم سليماني بوصفه نسخة معاصرة عن اللورد كيرزون. بهذا يُغلَق الباب على المظلوميّة التاريخيّة التي عُرفت بها الشيعيّة، وتنطلق صرخة الانقضاض والهجوم تحت راية موحّدة.

والراية الكبرى لا تحتمل، في أزمنة الحرب، الرايات الصغرى. هكذا تعود الفِرق إلى الأصل الشيعيّ الذي انشقّت عنه، فيما يحتفظ هذا الأصل وحده بانشقاقه كتأسيس أوّل وأوحد تسنده دولة مهيبة وقادرة. فلا يتّسع الواقع، ولا التاريخ، والحال هذه، إلاّ لسنّة في مواجهة الشيعة، ولشيعة في مواجهة السنّة. وإذا اقتربت «داعش» غداً من مدينة السلميّة ومن اسماعيليّيها، تعاظم الرهان على انتصاف كامل ونقيّ. أمّا مهيضو الجناح، كالمسيحيّين والشيوعيّين والقوميّين السوريّين، فيأتون بزادهم القليل ليجلسوا على أطراف الطاولة الشيعيّة. المسيحيّون، في المحفل هذا، يعاودون اكتشاف القواسم المشتركة بين الحسين والمهدي المنتظر، والشيوعيّون يعاودون اكتشاف أبوّة أبي ذرّ الغفّاريّ للينين، فيما يمضي القوميّون السوريّون في مماهاة السنّيّة بكثرة السنّة خارج سوريّة الطبيعيّة، في الخليج ومصر والمغرب، بينما تختلف المقادير في «أمّتنا الحضاريّة» التي تلاقيها في «الحضاريّة» بلاد فارس إذ تصدّ، مثلنا، رمل الصحراء عنها.

وفي المقابل، يتمدّد التعاطف مع «داعش» و»النصرة» إلى بيئات سنيّة يُفترض أنّها تآلفت مع الحداثة، كما تآلفت الحداثة معها. وفي الحروب يُستحسن بالمحارب أن ينسى مسؤوليّته عن الحرب، وأن ينسى من التاريخ إلاّ ما كان مُعبّئاً للاحتراب. وعلى النحو هذا لا يظهر من يتساءل عن السبب الذي جعل إيران العميل المباشر لاستنطاق تاريخنا الأسود، أو من يتساءل عن وجود مشكلة الأقلّيّات المعقّدة في عالم كان السنّة، ولمئات السنين، مهندسيه. ما يظهر، في المقابل، وعلى نحو بطوليّ، خليفة وخلافة.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة تحالف الأقلّيّات وانبعاث الخلافة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab