هكذا دمرت أميركا الديمقراطية السورية والإيرانية

هكذا دمرت أميركا الديمقراطية السورية والإيرانية

هكذا دمرت أميركا الديمقراطية السورية والإيرانية

 العرب اليوم -

هكذا دمرت أميركا الديمقراطية السورية والإيرانية

غسان الإمام

 جيمس بوند أميركي من أسرة سياسية أنجبت رئيسين لأميركا. ضابط مخابرات «عروبي» تعاطف مع القومية العربية، على الطريقة الناصرية. خصم عنيد للصهيونية. وكافح باكرا ضد سيطرتها على الإعلام الأميركي. والهيمنة على القرار السياسي.

كيرمت روزفلت (1916 - 2000) مثقف جاد. كفء. ذكي. واثق بالنفس. جريء. بارد الأعصاب. سعى طوال حياته العملية إلى التقريب بين العرب وأميركا. شغلته القضية الفلسطينية. وقاوم الشيوعية خلال الحرب الباردة.

شغل «كيم» إدارة قسم الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية (سي آي إيه) في الأربعينات والخمسينات. وكان المبعوث السري الأميركي الدائم لحل التعقيدات السياسية. أو لقيادة العمليات السرية. كتابه عن «العرب. النفط. التاريخ» بات مرجعا لدوائر القرار السياسي، في الدول الكبرى المهتمة بالمنطقة. عمل مع «كيم» لفيف عريض من ضباط المخابرات والدبلوماسيين الأميركيين «العروبيين»، لتعزيز التفاهم بين العرب وأميركا.

أحب كيم العرب. ولم يجد في قلبه مكانا للإيرانيين، معتقدا أن العرب أكثر ديمقراطية على المستوى النفسي، فيما الإيرانيون أكثر خضوعا وطاعة لزعمائهم. دبر كيم انقلابا عسكريا من مخبئه في التلال المحيطة بطهران. فأسقط حكومة محمد مصدق الذي أمم النفط الإيراني الذي يستغله الإنجليز. أعاد كيم الشاه الهارب إلى الحكم. وكان هذا الانقلاب مصدر فخر شخصي لكيم. ثم مصدر تأنيب وتبكيت في أواخر حياته. فقد مهد هذا الانقلاب المشؤوم لوصول «الجهاديين» بقيادة الخميني إلى الحكم في إيران (1979).

هكذا قدم المؤرخ والباحث هيو ويلفورد، كيرمت روزفلت وضباطه «العروبيين» في كتابه الأخير «لعبة أميركا الكبرى». ولا أدري ما إذا كان المؤلف هو الذي أطلق عليهم صفة «العروبيين»، أو أنهم هم الذين كانوا يباهون بذلك في أحاديثهم الشخصية. بل لم أسمع أحدا من العرب الذين قابلهم أو تعامل معهم قد وصفهم بأنهم «عروبيون».

للأمانة أشير إلى غزارة المعلومات التي جمعها ويلفورد من وثائق الأرشيف في المخابرات. والخارجية. ومراكز البحوث. وسعى أن يكون محايدا. فلا نكاية أو شماتة بالعرب في هزائمهم. ولا مديح للصهيونية ولإسرائيل في انتصاراتهما. غير أن التحليل الذي قدمه لأحداث الأربعينات والخمسينات لم يكن دائما دقيقا. وصحيحا، لبعده عن المسرح الميداني. إنما كان موفقا في تحليله، لقصور الطبقة السياسية الأميركية الحاكمة، عن فهم العرب.

الكتب والدراسات البحثية المهتمة بالمنطقة العربية كثيرة في السنين الأخيرة. غير أن كتاب المؤرخ هيو ويلفورد ينفرد بالعودة إلى جذور سوء الفهم بين العرب وأميركا، قبل انحيازها إلى الصهيونية وإسرائيل. من هنا اهتمامي بالرواد الأوائل للمخابرات الأميركية الذين كانوا بحكم جولاتهم في المنطقة، أكثر وعيا من الطبقة السياسية الحاكمة، بعدم خسارة العرب، لصالح ثقافة التطرف السياسي والديني.

آرتشيبولد روزفلت (1918 - 1990) ابن عم كيم. ضابط «عروبي» مثقف. نزل مع القوات الغربية في المغرب (1942). أراد تأسيس جامعة أميركية هناك. وسع نشاطه إلى الجزائر وتونس. فعرف زعماء المغرب العربي، كالمهدي بن بركة. والحبيب بورقيبة. فطلب الفرنسيون إبعاده. نقل إلى بغداد، فتعرف على الأسرة الهاشمية. ونوري السعيد. وجال في العراق. فأصبح حجة في شؤون السنة. والشيعة. والأكراد. ومن بغداد إلى طهران حيث خاض حروب المخابرات في العاصمة المحتلة إنجليزيًا. وروسيًا.

لم يحب آرتشي الشاه. فنقل إلى باريس ولندن. واختلف هو وابن عمه كيم مع المخابرات البريطانية. وأحبطا محاولاتها لقتل صديقهما عبد الناصر بالمناديل والسجائر المسمومة. كان آرتشي عاشقا للبنان. طلق زوجته الأميركية التي رفضت الالتحاق به هناك. وتزوج أميركية درزية من لبنان.

في عام 1949، صنع مايلز كوبلاند «العروبي» انقلابين أميركيين في سوريا. وصنع الإنجليز الانقلاب الثالث، بهدف ربط سوريا بالعراق (الإنجليزي) وحلف بغداد مع تركيا وإيران. كان كوبلاند خفيف الظل. يتقن عدة لغات. ووضع عدة كتب مخابراتية. أهمها «لعبة الأمم» الذي اكتسب شهرة عربية، لإيراده تفاصيل انقلابية ومخابراتية كثيرة فيه. لكنه كان متناقضا في روايته لها. عمل كوبلاند في لندن وباريس. فأنجز زواجا ناجحا مع مخابراتية إنجليزية.

ولد وليم إدي في لبنان. فتكلم العربية. كان المترجم في اللقاء بين العاهل السعودي المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس فرانكلن روزفلت. كان إدي وآرتشي حالمين بحلف «حضاري» بين الإسلام والمسيحية. ونصحا أميركا بتسييس الدين الإسلامي فأسفرت النصيحة عن الكارثة الراهنة في العالم العربي.

عمل المخابراتي الأكاديمي ستيفن بنروز مستشارا لوزير الدفاع جيمس فوريستال. وربما عرف الأسباب التي ما زالت غامضة لانتحار الوزير «العروبي»، بإلقاء نفسه من نافذة مكتبه في البنتاغون. وبقي بنروز ضابطا في المخابرات، بعدما أصبح مديرا لجامعة بيروت الأميركية!

تزداد شكوكي في هؤلاء «العروبيين». فقد قدمهم المؤرخ ويلفورد دعاة وحدة قومية عربية. جالوا في العالم العربي. عرفوا أسراره. اصطدموا بالمخابرات الاستعمارية الأوروبية. صادقوا عبد الناصر. ثم عملوا ضده حين أجبرهم رؤساؤهم السياسيون في واشنطن على ذلك. وقوضوا الديمقراطية السورية الوليدة، منتهزين تجديد الرئيس شكري القوتلي لولايته، في انتخابات مريبة (1947).

ثم أقول بصراحة إن الجيش الذي ورثته سوريا من «جيش الشرق» الفرنسي، لم يكن وطنيا. فلم يرتبط ضباطه وجنوده، منذ البداية، عاطفيا بالعروبة أو المصالح الوطنية. ومأساة هذا الجيش «الطائفي» الذي يقتل شعبه اليوم، تحت قيادته العلوية الطائفية، شاهد على ما أقول.

تقول رواية المؤرخ ويلفورد إن مايلز كوبلاند عندما عين مديرا لمحطة الـ«سي آي إيه». في دمشق، بدأ فورا بالتعرف على كبار ضباط الأركان السوريين. وكان على رأسهم - لسوء الحظ - حسني الزعيم، رئيس الأركان وحكواتي المقاهي السياسية الطامح علنا إلى انقلاب «لإصلاح» الحال!

صفق السوريون بلا وعي للانقلاب الذي تمكن كوبلاند وزميله جيمس ميد من تشكيل مجلس قيادته من ضباط الطوائف. ثم اكتشفا أن الزعيم لم يكن على المستوى الثقافي والسياسي الذي يؤهله للحكم. وكان أول أمر أصدره بعد ترئيسه مثارا لسخريتهما. فقد أمرهما بالوقوف. وأداء التحية له كلما التقى بهما.

أما روايتي الشخصية لانقلاب حسني الزعيم، فتختلف عن رواية ويلفورد. وهي تستند إلى أحاديث مع الصديق نذير فنصة عديل المشير الزعيم. ورئيس مكتبه بعدما أصبح رئيسا. كان فنصة يؤكد أن دوافع الانقلاب محلية بحتة. وقد أطلعني على صورة له مع الضابط ميد. أما لقاءات كوبلاند وميد مع الزعيم فقد أرجعها إلى دوافع «لحل القضية الفلسطينية». أو لاستكمال إجراءات مد خط نفط شركة «التابلاين» الأميركية، عبر الأراضي السورية باتجاه موانئ التصدير اللبنانية.

على كل حال، لم يكن الزعيم شرا كله. فقد طبق «القانون المدني» الذي شرّعه رجل القانون المصري عبد الرزاق السنهوري، لتنظيم القضاء، وضبط أحكام القانون، من دون المس بالحريات الدينية. أو بالحقوق الشخصية الواردة في الشريعة. لكن تسليمه أنطون سعادة المطلوب في لبنان كان شؤما عليه. فقد أقدم لبنان على إعدام هذا الزعيم للحزب السوري القومي (الفاشي). فسارع أنصاره ومحازبوه في مجلس قيادة الانقلاب إلى القيام بانقلاب بقيادة رئيس الأركان سامي الحناوي، على الزعيم، وإعدامه بلا محاكمة هو ورئيس حكومته محسن البرازي.

لم تكن هذه التجربة الأخيرة للمخابراتيين الأميركان «العروبيين» في سوريا. فقد تحولوا إلى الاهتمام بجمال عبد الناصر. وعندما اختلفت واشنطن معه حول صفقة الأسلحة التي عقدها مع تشيكوسلوفاكيا الشيوعية، عادوا إلى «لعبة الأمم» ضده في سوريا. فكان لهم بالمرصاد عبد الحميد السراج مدير المخابرات العسكرية الذي أحبط محاولاتهم الانقلابية الواحدة تلو الأخرى. ولم يكونوا هم ولا المؤرخ ويلفورد يعرفون أن السراج غدا رجل عبد الناصر في سوريا. في الثلاثاء المقبل أتابع رواية المؤرخ ويلفورد عن مغامرات أميركا «الناصرية» في مصر وسوريا. وأقدم تعليقي عليها.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هكذا دمرت أميركا الديمقراطية السورية والإيرانية هكذا دمرت أميركا الديمقراطية السورية والإيرانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab