لبنان الأسير

لبنان الأسير

لبنان الأسير

 العرب اليوم -

لبنان الأسير

غسان الإمام

يتمتع كل سوري ولبناني بستين ألف فرصة إضافية للموت بصاروخ من صواريخ الأشقاء الشيعة التي يختزنها «حزب الله» في الشقق والأبنية السكنية. حمل الزعماء السنة إلى الرئيس ميشال سليمان مذكرة مدعومة بأدلة وصور إلكترونية، عما قيل عن مشاركة صواريخ ومقاتلي الحزب للجيش اللبناني في غزوة «دويلة» الشيخ السني أحمد الأسير التي أقامها حول مسجد بلال بن رباح، في منطقة عبرا بظاهر مدينة صيدا الجنوبية. وبين الأدلة ما قيل أيضا عن عودة شبيحة الحزب، بكامل أسلحتهم وعتادهم، إلى الشقق في المنطقة المنكوبة. فكيف سمح لهم الجيش بالعودة؟! في البدء، أيدت صيدا السنية الجيش، في وضع حد لظاهرة الأسير المسلحة. ثم ما لبث التأييد أن تحول إلى غضب سني عارم. وقلق ملتهب، إزاء الاعتقالات والإهانات الواسعة لشباب المدينة، بحجة أنهم مشاركون. أو متعاطفون مع الأسير! وكاد الغضب أن يتفجر ضد حواجز الجيش، عندما شاركت في الاعتقال والضرب عناصرُ مجهولة لم يُعرف ما إذا كانت عسكرية. أو أمنية. أو منتمية إلى «حزب الله» الذي صَفَّقَ بحرارة، للانقضاض العسكري على جيب الشيخ الأسير. سبق للشيخ الأسير أن طالب مرارا وتكرارا بسحب شبيحة الحزب من الشقق التي تراقبه وتضايقه منها. ولو أقنع الجيش «حزب الله» بسحبهم، قبل التدخل بالسلاح، لما تجرأت قوات الأسير على مهاجمة حاجز الجيش. وقتل جنود وضباط فيه بلا مبالاة، الأمر الذي فرض الرد العسكري الغاضب بمحو دويلة الأسير من الخريطة. فقُتل في الحرب 20 جنديا. وربما أكثر من مائة من رجال الأسير. كان من حق الجيش أن يسجل نصره بتعقل وهدوء، لإثبات أنه «موجود» لحفظ أمن جميع المواطنين من دون تمييز. لكن تحول الاحتفال الرسمي إلى مهرجانات صاخبة، فيها تحدٍّ ضمني للسنة، بعد الضيق الذي حل بصيدا، مع غياب الماء. والكهرباء. ومشاركة الأقلية الشيعية في أحياء صيدا القديمة، في استفزاز الغالبية السنية، برفع صور. ورايات. وشعارات «حزب الله» و«آيات» إيران. أقول إن الطائفة السنية كانت تاريخيا ودائما مع النظام اللبناني، وبالذات مع الطائفة المارونية في الحفاظ على الكيان. وجاء اتفاق الطائف الذي رعته السعودية (1989)، ليؤكد ولاء السنة للبنان واستقلاله، والرضا بما يمكن أن أصفه: بقاء الجيش اللبناني، بشكل وآخر، في عهدة قيادته المارونية وضباطها. أيضا، كانت الطائفة السنية دائما متعاطفة ومؤيدة للطائفة الشيعية التي شعرت بالحرمان، منذ ما قبل الاستقلال. كان الرئيس الماروني فؤاد شهاب، عندما يثور الجدل حول «حقوق» الشيعة، يقول لرئيس حكومته الزعيم السني صائب سلام: «إذا كانت للشيعة حقوق، فليأخذوها من السنة». ويجيب سلام: «ماذا يعطي، يا فخامة الرئيس، المغبون للمحروم؟». عايشتُ الصعود الشيعي في لبنان الستينات والسبعينات. شاهدت كيف سحب موسى الصدر رجل الدين الشيعي الآتي من قم بطلعته البهية، شباب الشيعة من الأحزاب السياسية. وكيف شكل حركة «أمل» كذراع سياسية طائفية له، بدعم من الشاه ثم الخميني. ثم كيف أسس الخميني و«آياته» ومخابراته «حزب الله» كميليشيا «جهادية» طائفية. برؤية عربية صافية، أقول إن الصعود الشيعي لم يبادل سنة لبنان وفاء بوفاء. مع ذلك، ظلت السنة تفتح مدنها. أحياءها. مساجدها. مدارسها. بل بيوتها، للأشقاء الشيعة النازحين، في كل نكبة تحل بهم نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية. انحاز «حزب الله» إلى قهر النظام العلوي لسنة لبنان. وفي ذروة الظلم، اغتيل زعيم السنة السياسي رفيق الحريري. وكان اغتياله بمثابة تضحية لإنقاذ لبنان، وخلاصه من نير احتلال فاسد. فحلَّ محله ظلم طائفي قصير الرؤية. فكان احتلال الحزب لبيروت السنية (2008). ثم كانت اغتيالات. ثم ها هو الغدر، وليس الوفاء، يتمثل بغزو «حزب الله» سوريا التي تتعاطف سنة لبنان مع ثورتها. مجتمع الطوائف في لبنان يعاني من أزمة. خسرت الطبقة السياسية السنِّية نفوذها على الشارع الشعبي. سنة لبنان لم تحارب. لم تخض الحرب الأهلية، بفضل حكمة زعمائها التقليديين. وأنقذت مرارا وتكرارا الكيان اللبناني، من خلال منطق الحوار والتنازلات المتبادلة. ازدهار قوى الاحتجاج الديني أحرج زعماء السنة التقليديين. بل حَيَّدَهُمْ. تشكلت هذه القوى الجديدة على شكل محاور: يكفي شيخ بلحية كثة. ومسجد. و«شويِّة» شباب وأسلحة، لتشكيل محور «جهادي» يسيطر على حي. حارة. أو مفترق طرق. امتدت المحاور من طرابلس إلى الحدود السورية شمالا (عَكَّار). غيبة ذكاء واعتدال الطبقة السنية السياسية، ورّط هذه المحاور المدعومة بقوى الاحتجاج الديني في المخيم الفلسطيني، في اشتباكات طائفية. ثم في حروب غير ضرورية، مع الجيش المكلف بالأمن (حرب الشيخ الأسير). أستطيع أن أنسب ظاهرة قوى الاحتجاج الديني في لبنان وغيره، إلى ظاهرة احتجاج عالمي أشمل: النظام الليبرالي الذي أنقذ الرأسمالية من نظام الاحتجاج الماركسي، يبدو عاجزا اليوم أمام قوى الاحتجاج الشبابية التي تجتاح أوروبا وأميركا، ضد البطالة. والفساد. وسماسرة المصارف ومديريها (معظمهم يهود) الذين كافأوا أنفسهم بأموال المستثمرين. في العالم العربي، عجز النظام التربوي البليد، عن اختراق ثقافة العزلة الأحادية التركيب، فبات القمع أسلوب التعامل مع قوى الاحتجاج. وها هي أميركا أوباما تخفق في فرض قوى الإسلام (الإخواني) على شباب الانتفاضات الاحتجاجية. لبنان الأكثر تطورا في الثقافة، لم يسلم من ظاهرة العنف الديني. ليست محاور الاحتجاج السنية وحدها التي تشاغل النظام اللبناني. ظاهرة «حزب الله» التي استقطبت الطائفة الشيعية (30 بالمائة من اللبنانيين) هي أيضا ظاهرة احتجاج تعمل في إطار النظام الإيراني الذي يتحول إلى «إمبراطورية» طائفية تمتد من إيران إلى لبنان. يصيح بول كنيدي المؤرخ وعالم الاجتماع البريطاني متسائلا: ماذا يحدث للنظام الليبرالي العالمي، إذا ما تحرك ضده أربعة مليارات إنسان احتجاجي؟ في تقديري أن المؤسسة العسكرية المارونية لم تَعِ أبعاد المعركة التي تخوضها، سواء في مواجهة العنف بالعنف مع المحاور الجهادية السنية، أو بغض النظر عن العنف الشيعي الذي تجاوز حدود الالتزام بالكيان الذي يعيش فيه، والعروبة التي ينتمي إليها، ليغدو أداة ومرتزقة، لتنفيذ مشروع «إمبراطورية» الاحتجاج الشيعي الفارسية المعادية للغرب. الجيش اللبناني قادر على اجتياح مخيم الاحتجاج الفلسطيني (نهر البارد)، وتقويض دويلة الاحتجاج السنية المختفي شيخها. (أين؟ لم يعرف مخبأه بعد). غير أن ما يثير غضب الاحتجاج السني أن الجيش اللبناني لا يعترض طريق قوافل «حزب الله» اللوجستية، التي تعبر الحدود، علنا في تحد لحواجز الجيش اللبناني. إلى أين؟ إلى سوريا لتساهم في تطويق الكيان اللبناني من خاصرته الشرقية، في القصير وحمص، ولمحاصرة لبنان من الشمال، بإحكام سيطرة قوى المشروع الإيراني على مدينة تَلْكَلَخْ السورية. لست مع الشيخ الأسير. إنما مع لبنان الأسير. لعل حكمة الرئيس الماروني ميشال سليمان تهدهد من حلاوة النصر التي أدارت رؤوس قادة وضباطٍ من طائفته تدرب بعضهم في الكليات الحربية السورية، وهم يخدعون أنفسهم، بتصفيق «حزب الله» مهنئا لهم بغرز رماحهم في مسجد بلال بن رباح. نقلا عن جريدة الشرق الاوسط 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الأسير لبنان الأسير



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab