دفاع عن تمّام سلام

دفاع عن تمّام سلام

دفاع عن تمّام سلام

 العرب اليوم -

دفاع عن تمّام سلام

غسان الإمام

الحياة اليومية مرهقة. غير أنها لذيذة! بتنا نسترخي ونرتاح أكثر مما نعمل. ونركب أكثر مما نمشي. ونجلس أمام التلفزيون أكثر مما نجلس في المكتب. ونتطلع في الهاتف أكثر مما نقرأ. ونثرثر أكثر مما نفكر. وننام أكثر مما نصحو. ونتناسل أكثر مما نعرف كيف نربي الأجيال.
يأكل بعضنا من الطعام إلى حد التخمة، بحيث لا ندري ما نفعل بالفضلات. أنت يا سيدي إنسان منتج. تنتج هذه الزبالة. ثم تنزل مع عشرات الألوف إلى الشارع، لمطالبة حكومة تمام سلام بترحيل النفايات إلى أين...؟! لا أنت. ولا الحكومة. ولا الحراك الشعبي يعرف إلى أين. بعضهم يقترح تصديرها إلى الخارج. فهناك بلدان تعلمت كيف تتخلص من النفايات، بطريقة علمية تحمي نظافة البيئة. وبراءة الطبيعة.

الحراك الشعبي اليوم هو الحزب الجماهيري. حزب أوحد لا يعترف بالأحزاب. والتيارات. والمراجع. والهيئات. والزعامات. حزب ينكر الانتماء إلى طائفة. وسياسة. وقبيلة. والتحدي الأكبر لهذا الحراك أن يبقى بعيدا عن السياسة. فالتسييس له في بلد كلبنان مؤلف من 17 دينا. ومذهبا. وطائفة، يفقده زخم حراكه. ويقتله فورا.
الأحزاب. والتيارات. والحركات السياسية والدينية ترى في الحراك خطرا على نفوذها وامتيازاتها التي راكمتها منذ الحرب الأهلية. وبالذات منذ خروج الجيش السوري من لبنان (2005). والطبقة السياسية التقليدية والمرجعيات الدينية أيضًا تعتبر الحراك الشعبي مهددا لحرفتها السياسية والقداسية. وباعها طويل الخبرة في ركوب التحركات الشعبية.

كذلك، فالقوى الأمنية بما فيها الجيش اللبناني، تجد في الحراك الشعبي تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار. وتحديا لها في حماية حلفها مع الطبقة السياسية الحاكمة. وهكذا، فعندما ارتكب الحراك الشعبي الخطأ الفادح في محاصرة «سراي» الحكومة. واقتحام مبنى وزارة البيئة، بادرت القوى الأمنية إلى استخدام القمع والعنف ضد الجمهور الشبابي، للمرة الثانية خلال عشرة أيام.

كان من الأفضل للحراك الشعبي اللبناني تشديد الحصار على مجلس النواب، بدلا من محاولة اقتحام سراي الحكومة، حيث مقر رئيسها تمام سلام. أو مقر وزير البيئة محمد المشنوق المقرب من سلام. لماذا مجلس النواب؟ الجواب في اعتراف رئيسه المزمن نبيه بري: «أردنا أن نسيّس الطوائف، فإذا بنا نطيّف الأحزاب»!
هذا الزعيم الطائفي يترأس حركة «أمل» الشيعية التي هي «السنِّيد» المباشر لـ«حزب الله». وهي محسوبة على النظام السوري قبل وبعد انسحاب جيشه من لبنان. وفي كل تحرك سياسي أو شعبي يهدد هيمنة الحزب على لبنان الرسمي، يسارع بري في براعته السياسية، إلى طرح مبادرة «حوار» بين ممثلي الطيفين السياسي والحزبي التقليديين.

كان على بري أن يفتح أبواب المجلس النيابي، ليكون الحوار السياسي حيث يجب أن يكون: تحت قبة السلطة التشريعية ونوابها المنتخبين شعبيا. وليس حول مائدة بري في بيته، وتحت وصايته. وقد ثبت عقم هذا الأسلوب في تقديم حلول، لأزمات الحياة السياسية واليومية في لبنان.
بدلا من ذلك، أغلق الرئيس بري مجلس النواب بالقفل والمفتاح. فعل ذلك في عهد حكومة فؤاد السنيورة التي اعتبرها «غير شرعية»، بعدما شلها عن العمل «الثلث المعطل» من وزراء «أمل» و«حزب الله». وشريكهما العماد ميشال عون، الذي تشكل مظلته المارونية إنقاذا وتسترا على طائفية الحزب، ومجازره في سوريا.
في متاهة حيرته، وجد الحراك الشعبي «الغشيم» باللعبة السياسية، في الهجوم على الرئيس تمام سلام ووزير البيئة، الطرف الذي يظن أنه الأضعف والأكثر تأدبا، في التعامل مع الطيفين السياسي والشارعي.

لكن، كما يدل تسلسل الأحداث التي قادت إلى انتفاضة الحراك الشعبي، كان تمام سلام هو المبادر الحقيقي، إلى حث الوزراء على التحرك. والعمل. وعدم ربط التنفيذ بمواقف زعمائهم السياسية والمصلحية المعرقلة والمعطلة للخدمات العامة. وللحياة اليومية، لخمسة ملايين لبناني. و1.5 مليون من ضيوفهم السوريين. و600 ألف فلسطيني في المخيمات.

لا أعرف تمام سلام. كانت صداقتي واحترامي لوالده صائب سلام رجل الزعامة الذي ربط نزقه السياسي بحقوق وكرامة شارعه الشعبي، بحيث لم يكن الرؤساء الموارنة المتعاقبون يرغبون في إيلائه منصب رئيس الحكومة. لكني أعرف أن الابن تمام مارس السياسة بأناقة. ونزاهة. وزهد. وترفع عن النكايات، مغردا خارج سرب طبقته السياسية التقليدية.

لذلك تأخر وصول تمام إلى المنصب، وعندما جاءه وهو على عتبة السبعين من العمر، فلم يكن قد سعى إليه. وتشاء مصادفات السياسة أن يغدو تمام رئيسا لحكومة تمارس سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية. ومن غير المرجح أن يستقيل تحت ضغط الحراك الشعبي أو حرتقات «حزب الله» والعماد عون المطالب هو وأصهاره بمنصبي رئيس الجمهورية وقائد الجيش. فالاستقالة هنا تعني غياب الدولة اللبنانية، نتيجة للتفريغ الإيراني المتعمد لمؤسساته: الرئاسة. الحكومة. مجلس النواب.
ناقشت ذات يوم الصديق صائب سلام، في جدوى حرصه على جمع نواب المجلس، لانتخاب الرئيسين بشير الجميل. ثم شقيقه أمين في الثمانينات اللبنانية. وكان جواب الراحل الكبير في أن لبنان يفقد كيانه واستقلاله بلا رئيس.

كان صائب سلام في هذا الاعتقاد يعبر عن موقف الشرائح السنية الأرستقراطية والبورجوازية التي نظّرت، في أدبياتها السياسية منذ ثلاثينات القرن الماضي، للبنان عروبي يضحي بالوحدة القومية مع سوريا، ليضمن موافقة الطوائف المسيحية، وبالذات المارونية، على استقلال لبنان عن فرنسا.
وبالفعل، حقق الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح هذا الوفاق الماروني - السني، في مطلع الأربعينات. في رثائي للراحل صائب سلام، نشرت في «الشرق الأوسط» تفاصيل اعتراضي على ترئيس بشير الجميل رئيسا في «العصر الإسرائيلي» في لبنان. فبلغ احترام الديمقراطية في حرية التعبير، عند الابن تمام سلام، أن نشر ما كتبت في ذكريات كتاب ضمّ بين دفتيه ما قاله الكتّاب والساسة عن صائب سلام.

أيضًا لا أعرف وزير البيئة محمد المشنوق. لكن أعرف الصحافي محمد المشنوق الذي كنت أنشر في مجلة «الوطن العربي» الباريسية تقاريره الأنيقة عن ملابسات الأزمة اللبنانية وأسرار تطوراتها. وكم كنت أتمنى على الرئيس تمام إيفاد وزير البيئة في جولة خليجية، ليتفقد تقنية حل قضية النفايات هناك. ولعل تكسر النصال على نصال السهام الموجهة إلى رئيس الحكومة ووزيره، حال دون ذلك.

وبعد، لا أفصل بين الحراك الشعبي في لبنان ومثيله في العراق. بل لا أفصلهما عن الحراك الشعبي في سوريا، في استقالته من وطن يبيد فيه النظام شعبه. ولا أتمنى أن تصاب المجتمعات العربية بويلات العدوى بالحراك الشعبي. يكفيها ما أصابها من عذاب الحراك السياسي والطائفي. ولا أريد أن يتعامل العالم مع السوريين كعصافير مهاجرة. ويسكت عن تفريغ سوريا من عروبتها.
الحراك الشعبي حالة مهزوزة غير مستقرة. فهو أزمة عابرة من أزمات الرأسمالية التي ما زالت تعرف كيف تجد حلولا سحرية. مؤقتة أو دائمة لأزماتها، على حساب مجتمعاتها المكتوية بنارها.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفاع عن تمّام سلام دفاع عن تمّام سلام



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab