خمسة مليارات سنة في العزلة

خمسة مليارات سنة في العزلة

خمسة مليارات سنة في العزلة

 العرب اليوم -

خمسة مليارات سنة في العزلة

غسان الإمام

هذا الكتاب يطرح أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. لم أقرأه. إنما قرأت تقريرا وافيا عن محتواه. فالكتاب الصادر بالإنجليزية، عادةً، يتأخر وصوله إلى المكتبات الباريسية. الكاتب لي بيلينغز صحافي لم يسبق لي أن قرأت له. أو سمعت به. لكن النقاد والعلماء أشادوا به. وبالمعلومات المذهلة التي عرضها في الكتاب. الأسلوب يبدو صحافيا ممتعا. لا يبتذل حقائق العلم. والموضوع مثير للفضول والتطفل، على عالم ما يزال العلم في أولى خطواته على سطحه. وقد دفعني إلى معالجة الكتاب كونه يقترب بالعلم من الدين السماوي، معترفا بثوابت مقدسة فيه، من دون أن يقول لك ذلك علنا. فلا بد أن تقرأ، لتكتشف مواطن ونقاط اللقاء بنفسك. السؤال الأول والأهم الذي يطرحه الكتاب هو عنا نحن البشر. فهل نحن الأناس الوحيدون في هذا الكون الذي يقدر العلم عمره بـ13.7 مليار سنة؟ نتلقى إجابة غير كافية. فقد رصد ملاحو الفضاء. وحددوا مواقع 3500 كوكب شبيه بكوكبنا، في المجرَّة الكونية التي ننتمي إليها. العلم هنا يقترب من الدين المؤمن بطول عمر الكون والأرض. والدين سبق العلم بالقول إن السماء طبقات وسماوات (والعلم يسميها مَجَرَّات). وبالطبع، فالدين يقدم الأرض مسكونة ببشر على هيئتنا وأشكالنا. لكنه يتحدث أيضا عن أبالسة وجن في أسفل سافلين. وعن ملائكة تَرَاءَوْا للأنبياء، بأشكالنا. وربما بأشكال نورانية باهرة الضوء. كما ورد في الكتب المقدسة. هناك علماء ورجال دين من الأديان السماوية يتحدثون عن العلم وظواهره، في الدين وكتبه المقدسة. لا سيما في العالمين العربي والإسلامي، لإثبات أن القرآن الكريم انطوى على علم غزير بالكون. مع ذلك، فهؤلاء شديدو التحفظ والحذر في تناول قضية الروح والحياة. لأن الكتاب المقدس نهى عن ذلك. فالعلم بالروح (من أمر ربي) جلت حكمته وعلمه. من هنا، فعلم الكون والفضاء. وعلم النفس، لا يلقيان قبولا واسعا لدى علماء الدين ورجاله. وعلم الفلك الذي لقي رفضا مطلقا لدى الكنيسة المسيحية في القرون الوسطى، ظل مشوبا، إلى وقت قريب، بالخرافة. والشعوذة. والتنجيم. وكلها نهى الدين عنها بحزم وحسم. لكن العلم حقق تقدما في القرن التاسع عشر. وجاء العلماء، وفي مقدمتهم أينشتاين، ليقلبوا نظريات كثيرة عن علم الكون، بعد الحرب العالمية الثانية. عن الأرض، يقيس العلم عمرها، بتقنيات أدواته المتقدمة. فيقدره بـ4.6 مليار سنة. لكنها مسكونة فقط بالحياة الحيوانية منذ نصف مليار سنة، بعد استكمال شروط الحياة. كالماء. والغاز (الأكسجين. والهيدروجين). غير أن هذه الكائنات، وفي مقدمتها الضخمة منها (كالدينوصور dinsour)، فقد انقرضت واختفت منذ 95 مليون سنة. السبب العلمي للانقراض هو سقوط مُذَنَّبٍ فضائي ضخم في الحوض الكاريبي (بجوار المكسيك). ونجمت عن السقوط كرة ملتهبة التهمت الأرض. بعواصفها. وغازاتها. وغطتها بغبارها. وأحجارها. وخنقت الحياة الحيوانية بنسبة 60 في المائة، على مدى قرون عدة. أما الحياة الإنسانية، فيقدر العلم وجودها على سطح الأرض منذ نصف مليار سنة. إلى هنا، لا يختلف العلم مع الدين السماوي، في الاعتقاد بطول عمر الأرض، والحياة عليها. غير أن الافتراق حدث منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، بين «مبدأ الخلق» الذي يدين به الدين (معتبرا أن الإنسان خُلق على هيئة آدم وحواء. وهي مستمرة على هذا الشكل إلى يومنا هذا) ونظرية «التطور». يقول عالم الطبيعة والآنثروبولوجيا تشارلز داروين صاحب هذه النظرية إن الطبيعة منحت الفيزياء الجسدية القدرة على تطوير أجهزتها. أعضائها. حواسها، بما يخدم وظائفها. وعملها. أضرب مثلا بسيطا على نظرية التطور، بالبطة التي تفترق عن مثيلتها الدجاجة، بوجود الغشاء المطاطي الذي يربط بين أظافر قائمتيها، الأمر الذي يعينها على السباحة، وبقائها طافية. وقد حدث هذا التطور على مدى ألوف وربما مئات ألوف السنين. كما يزعم العلم. مع العلمانية، انتصر العلم لنظرية «التطور». لكن العلماء المؤمنين ورجال الدين تمكنوا من توجيه انتقاد حاد لها. كاتهامها بالعنصرية. بالإيحاء بأن الإنسان الأوروبي، أو بالأحرى الإنسان الأبيض، هو الذي امتلك الذكاء، لاكتشاف «التطور العضوي». راحت النظرية الداروينية تفقد مصداقيتها شيئا فشيئا. وفي عهد جورج بوش، ومع صعود شأن الدعاة الدينيين، وسيطرتهم التلفزيونية، فقد أُدرج نقد النظرية في مناهج التدريس جنبا إلى جنب، مع مبدأ «الخلق» الديني المسيحي، في المدارس الابتدائية والثانوية. هل الحياة على الأرض مرتبطة بنهاية؟ الدين شديد التفاؤل. فهو يمنح الإنسان المؤمن أملا جديدا عندما يبلغ المؤمنين بأن هناك حياة جديدة، بعد الانبعاث من الموت. فيوم القيامة المدمر للطبيعة. والأرض. وربما للكون كله، هو يوم الحساب. الإنسان الصالح الذي عمل خيرا في الدنيا. يذهب إلى الجنة. والإنسان الطالح يذهب إلى النار عقابا له. أما العلم فهو شديد التشاؤم إلى حد الكآبة. فلا بعث عنده بعد الموت وانحلال الجسد. لكنه يلتقي في الوقت ذاته مع الدين، في تصور ما ليوم «القيامة»: كارثة إنسانية ينزلها الإنسان بنفسه، في تدميره المتواصل للبيئة، بالنفايات والغازات السامة والخانقة التي تطلقها حضارته الصناعية. أو اصطدام الأرض بكوكب آخر ضخم الجثة. وفالت من فلكه. ثم هناك الفناء المحتم بعد فناء الشمس، بمعنى انطفائها، باستهلاكها طاقتها الملتهبة، وعُتمتها بانطفاء ضوئها. فالشمس هي التي تمد الإنسان بالحيوية والقوة. هل يمكن للإنسان أن يهاجر من الأرض إلى كواكب أخرى، هربا من الزحمة السكانية. وضآلة الموارد. والاختناق بالغازات؟ الكواكب المجاورة لنا في المجموعة الشمسية، ثبت من الزيارة والاستطلاع، أن شروط الحياة عليها غير متوفرة. أما الكواكب التي تبدو مشابهة لكوكبنا، في المجرات البعيدة. فلا نملك بعد التقنية اللازمة للتأكد من صلاحيتها للحياة. وقد حاولنا الاتصال بها بموجات الراديو. فلم يرد أحد علينا. وإذا توفرت هذه التقنية، فوسائط السفر والانتقال غير متوفرة بعد. نعم، نحن نطير اليوم بسرعة أكبر من سرعة الصوت والرصاص. لكن لا نستطيع أن نطير، بعد، بسرعة الضوء. والمسافة بيننا وبين هذه الكواكب تقدر بملايين الساعات الضوئية. والرحلة تقتضي عمرا أطول من أعمارنا. وصحة وحيوية غير متوفرتين لدينا. هل هناك تعويض، عن الوحدة والعزلة القاسيتين اللتين يعيشهما كوكبنا الأرض منذ نحو خمسة مليارات سنة؟ ربما العزاء في الإنترنت الذي اخترعته أميركا لتسليتنا. لكن يشاركنا فيه الإرهابيون. وعملاء المخابرات الذين يتجسسون علينا. والمتمولون اليهود الذين يديرون شركاته. وشبكات وصاله الاجتماعية. هناك عالم افتراضي في الإنترنت تستطيع أن تعيش فيه، بهناء. وأمن. وسلام. ولا تدفع الضرائب التي أؤديها أنا مع الملايين الذين تلاحقهم الدول والحكومات كلما أشرفتْ على الإفلاس.  

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمسة مليارات سنة في العزلة خمسة مليارات سنة في العزلة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab