«هي فوضى» أميركية

«هي فوضى»... أميركية!

«هي فوضى»... أميركية!

 العرب اليوم -

«هي فوضى» أميركية

غسان الإمام

عاش يوسف شاهين 82 سنة، وهو يحاول إصلاح الدنيا بالسينما. ثم غادر الدنيا تماما كما وجدها. وعرفها. وكما صورها في أحد آخر أفلامه: «هي فوضى». هل الفوضى في الدنيا استحالة لا يمكن إصلاحها؟ هذا سؤال في الفلسفة. جرب الفلاسفة إصلاح العالم بآيديولوجيات. ومعتقدات. وفلسفات مختلفة. حاولوا تطبيق المنطق على الواقع. فأخفقوا. وبقيت الفوضى هي الفلسفة السائدة، منذ أن تجاوز عدد سكان العالم ثنائية آدم وحواء. ملايين الناس غادروا. ويغادرون. وسوف يغادرون تاركين هذا العالم، كما وجدوه! هل يمكن تجنب الفوضى العالمية بالسياسة؟ الساسة أسوأ من الفلاسفة. فقد زادوا هذا العالم فوضى. وتركوا الألوف من السذَّج المثاليين يغادرون الدنيا منزعجين. خائبين. وأسوأ الساسة، في رأيي هم المثقفون! هؤلاء لا يستقر لهم قرار. ولا يهدأ لهم رأي. وفكر. وموقف. فهم متقلبون. مزاجيون. مترددون. فرديون، سواء كانوا متفائلين. أو متشائمين. كانت «جاهلية» بوش الابن فوضى واضحة. غير معقدة. بالنسبة للعرب، كانت سياسة «دابليو» ساذجة إلى حد الكارثة. حارب بوش جاهلية صدام. احتل العراق. فسلمه إلى أتباع إيران! انهار بذلك الجدار الشرقي للأمة العربية الذي بنته، منذ فجر الإسلام. هذا الانكشاف لخاصرة العرب هو أحد أسباب الفوضى الراهنة في العالم العربي. سياسة المثقف أوباما أشد كارثيةً من جاهلية بوش. ما هي سياسة أوباما في المنطقة العربية؟ من القاهرة، بشر أوباما الأول العرب بالديمقراطية والحرية. وعاد فأكد عليها. وعلى حقوق الإنسان. واقتصاد السوق. ثم استدرك، فقال إن أميركا لا تستطيع أن تفعل كل ذلك وحدها، وخاصة بالعمل العسكري. ثم... ثم انقلب المثقف أوباما الثاني على المثقف أوباما الأول. على منبر الأمم المتحدة هذا العام، حدد الرجل اهتمامه، بثلاث قضايا: الملف النووي الإيراني. الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي. الملف السوري. غير أن هناك انقساما كبيرا، داخل إدارة أوباما وحزبها الديمقراطي، حول السياسة الخارجية. أوباما نفسه مع الاهتمام بآسيا وجنوبها الشرقي، حيث الصراع مع الصين. وحيث فرص أميركا الاستثمارية. وحيث انتقلت بعض صناعاتها الضخمة، سعيا وراء الأيدي العاملة الرخيصة. هناك من يقول إن الإحجام عن استخدام القوة هو بمثابة سياسة انهزامية غير رادعة. الوزير جون كيري يتعاطف مع المنطقة العربية. وخبير قديم في أزماتها. وهو يعتقد أن بالإمكان حلها بصبر الدبلوماسية التقليدية. وزير الدفاع تشاك هيغل الذي قاتل في فيتنام، فهو ضد الحرب بكل أشكالها. أما سوزان رايس مديرة مخفر أوباما الوطني، وسامنتا باور مندوبته إلى مخفر الأمن الدولي (مجلس الأمن)، فكلتاهما متحمسة لاستخدام القوة ضد الدول المارقة، بما في ذلك نظام الأسد. وقد شاركتا في إقناع أوباما (المتردد) بدعم حلف الناتو وفرنسا في عملية إسقاط نظام القذافي. غير أنهما مضطرتان لمسايرة أوباما والدفاع عن سياساته. ولعله آثر ضمهما إلى فريق عمله متعمدا، لتجنب نفوذهما الحزبي، إذا بقيتا خارج منصبيهما الحاليين. تقول رايس الخبيرة بشؤون أفريقيا إن رئيسها لا يريد أن يبقى منشغلا بمنطقة واحدة (تقصد الشرق الأوسط). بكل ما فيها من فوضى. وعنف طائفي. وتطرف. وقمع وحشي. وهو لا يريد استعمال القوة، إلا لحماية حلفاء أميركا. ولإبقاء الملاحة النفطية سالكة. ولمحاربة تنظيمات الإرهاب (يقصد أساسا تنظيمات الإسلام «الجهادي»). ثم ضد استخدام أسلحة الدمار الشامل. والآن، لنرصد ماذا حدث لأميركا أوباما، مع تراجعها النسبي عن الاهتمام بالشرق الأوسط. فقد تعرقلت المفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية. سلطة محمود عباس لم تدرك بعد، مع التجربة المتكررة، أنها كلما دخلت في مفاوضات مع إسرائيل، تسارعت وتيرة الاستيطان. ولعل على الأردن أن يتأهب منذ الآن، لإنهاء عقد إيجار أراضيه في غور النهر. فبعد خمس سنوات ينتهي العقد، بموجب معاهدة الصلح الأردنية/ الإسرائيلية. ومن شأن ذلك تخفيف الهجمة الإسرائيلية للبقاء في الضفة الفلسطينية للنهر. انهزامية إدارة أوباما أمام الانتهازية الإيرانية/ الروسية جعلت من مؤتمر جنيف (2) الرامي إلى إقامة حكومة انتقالية في سوريا. أضحوكة لا يمكن الوثوق بها، لدى المعارضات السياسية والمسلحة السورية المتناحرة. خيبة هذه المعارضات بأميركا وأوروبا المترددتين بتسليحها، زادتها مرارة وتطرفا، وتأثرا بتنظيمات الإسلام «الجهادي» التي وسعت تسللها إلى سوريا، منشغلة عن مقاتلة النظام، بإقامة دولة الخلافة الخيالية. أما النظام فقد ازداد ثقة بنفسه، بما حققه من تقدم نسبي في الميدان، مدعوما بالمرتزقة الإيرانيين. والعراقيين. وميليشيا «حزب الله». بشار أَمِنَ جانب أميركا بتخليه عن متاع حقيبته الكيماوية. ولا يبالي بدعوتها المتجددة للتنحي. ويفكر بتجديد ولايته سبع سنوات أخرى. وها هو وزيره وليد المعلم يبلغ الوسيط الأميركي/ الروسي الأخضر الإبراهيمي بأن النظام هو الذي سيدير الحوار، إذا ما انعقد مؤتمر جنيف! تحسن صرف ليرة بشار (الدولار بـ150 ليرة). والأرجح أن النظام تلقى حقنة دعم +المفلسة) بقيمة خمسة مليارات دولار، فيما أجل «الإصلاحي» حسن روحاني الملف النووي، مقدما الملف المالي ومطالبا بإسقاط العقوبات لتقويم الاقتصاد. ومواصلة الحرب في سوريا. وأما المالكي فقد انتهز شهر العسل الإيراني/ الأميركي، للسفر إلى واشنطن. عارضا شراكة أمنية جديدة على أوباما. ومطالبا بتزويده بطائرات حربية لتأديب تنظيمات السنة، لولا أن زعماء الكونغرس خذلوه، مطالبين إياه بتوسيع دائرة القرار والمشاركة السياسية في العراق. في الوقت ذاته، يعرقل حسن نصر الله جهود الرئيس اللبناني ميشال سليمان، لتشكيل حكومة حيادية، بعدما رفضت المعارضة السنية/ المسيحية المشاركة في حكومة سياسية مع «حزب الله» المتورط في القتال في سوريا. فوضى المصالحة الإيرانية/ الأميركية، لا تعادلها سوى الفوضى الناجمة عن انحياز إدارة أوباما. إلى قوى الإسلام السياسي (الإخواني) التي خطفت الانتفاضة من القوى الليبرالية الشبابية. واستولت على السلطة والحكم، في انتخابات مستعجلة. وقوانين اعتباطية، وتحدٍّ لسلطة القضاء. ثم أطلقت الحرية لتنظيمات الإسلام «الجهادي» لنشر فوضى العنف الديني في مصر. وبلدان المغرب العربي. ودول الساحل (الصحراوية) وأفريقيا الغربية (مالي. والنيجر. وأفريقيا الوسطى...). كان التناقض صارخا بين الديمقراطية الليبرالية، في أقوى دولة في العالم. وسكوتها. بل تأييدها، لهذه النظم (الإخوانية) الجديدة التي شرعت في فرض تزمتها الديني. والسياسي. والتربوي، على المجتمعات المدنية في دول الانتفاضة. ثم بدأت في مد شباكها التنظيمية والمخابراتية، للتعاون مع إيران، في هز استقرار الدول الخليجية التي تستضيف نحو خمسة ملايين وافد عربي، يعيلون بمدخراتهم المالية نحو خمسين مليون إنسان في عشر دول عربية. مصر اليوم هي الغائب الأكبر عن ممارسة دورها الأمني والقومي العربي، إلى جانب السعودية، في الحد من نفوذ وتنافس دول الكثافة السكانية الإقليمية، في سوريا والخليج. إدارة أوباما تتجاهل «خريطة الطريق» التي يطبقها النظام الانتقالي المصري، لإقامة ديمقراطية مصرية ليبرالية. الأجهزة الأميركية المخابراتية لا تكف عن تسريب مغالطات ومبالغات للصحافة الأميركية، عن انقسامات وخلافات مزعومة، في دوائر القرار السياسي المصري والخليجي. وتجسست على هواتف القيادات العسكرية المصرية. نعم، «هي فوضى»... لكنها صناعة أميركية تبثها إدارة عابرة، ضد العرب. وبالذات ضد السعودية ومصر. لا أعتقد أن الوزير جون كيري، في زياراته الخاطفة، قادر على إصلاح الخلل، وتبديد الفوضى التي تزرعها تناقضات الإدارة الحكومية التي ينتمي إليها. لست من هواة أو دعاة ثقافة إدمان العداء لأميركا التي ألهبت فيها إيران عواطف العرب المشارقة، مستغلة مرارتهم إزاء الظلم في فلسطين. ثم طوت أعلام «شيطنة» أميركا، لترفع هكذا، بكل بساطةٍ انتهازية، شعارات المصالحة. والصداقة معها. أقول للشامتين في طهران. ودمشق. وضاحية بيروت الجنوبية إن حربا عالمية أو إقليمية، لن تقع بين السعودية وأميركا. فعلاقة صداقة ومصلحة تقترب من عامها المائة لا تنصرم بهذه السرعة. إنما من حق السعودية، كدولة مستقلة ذات سيادة، أن تعبر عن عتبها الغاضب والمشروع، على هذا الحيف الأميركي الظالم والمتواصل الذي ينزل بالعرب في غمرة فوضى يبدو أن هذا العالم قد أَلِفَها. وسيتركها خلفه حيث وجدها.  

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«هي فوضى» أميركية «هي فوضى» أميركية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab