جبل واحد يتحكم بمصير نظام الأسد

جبل واحد يتحكم بمصير نظام الأسد

جبل واحد يتحكم بمصير نظام الأسد

 العرب اليوم -

جبل واحد يتحكم بمصير نظام الأسد

غسان الإمام

خلّف الآراميون لأحفادهم السوريين هرما ضخما، على شكل جبل أصلع جاف. الجبل اشتق اسمه الآرامي من قسوة صخوره. فهو «قاسيون» الذي يطل على دمشق، من الشمال بعرض يبلغ 15 كيلومترا. يتسامح قاسيون مع الدمشقيين الذين سكنوا سفوحه الجنوبية متجاوزين نصف ارتفاعه. وهو يبسط كفه لهم، لتخترقها أنهار بَرَدَى السبعة المتسللة عبر مضيق ضيق عميق، يفصل الجبل عن جبال المزة ودُمَّر والهامة التي بنى حافظ الأسد على إحدى قممها الموحشة «قصر الشعب» الذي استقبل فيه، هو ووريثه بشار، كبار الضيوف والزوار. وكان العرب متسامحين مع الأقوام «الساميَّة» التي سبقتهم إلى العراق والشام (سوريا)، قادمة من شبه الجزيرة العربية. فنشروا بإغراء الحوار والمساواة إسلامهم. ولغتهم. وتركوا للآراميين والسريان الحرية في الإبقاء على مسيحيتهم. ولغتهم الآرامية التي تكلمها نبيهم عيسى المسيح. استعربت. وأسلمت الكثرة الكاثرة، لكنها احتفظت بالأسماء الآرامية لألوف المدن والقرى في سوريا ولبنان. دمر بشار الأسد قوى الغوطة (الغابة المثمرة) فوق سكانها. فظلت محتفظة بهذه الأسماء: دوما. حَرَسْتا. عربين. زَمَلْكا. جوبر. عين تِرْما. بَبِّيلا. مَعْرَبا... امتدادا إلى وسط سوريا ولبنان، حيث يبرود. النبك. جيرود في سوريا. وحيث في لبنان، هناك زحلة. بعلبك. شتورا. الشوف. عالِيهْ. صوفَرْ. بحَمْدون. و«مِعْراب» التي يتحصن فيها حاليا سمير جعجع قائد تنظيم «القوات اللبنانية»، من دون أن يعي اسمها العروبي / الآرامي. بل ما زال هناك سوريون ولبنانيون يتكلمون الآرامية في قرى وديعة غافية على أسرار مسيحيتها الأولى، وآثار كنائسها التاريخية، في حضن جبال ووديان، لا أحد يعرف بواباتها الصخرية سواهم. المدن الكبرى بوتقة الصهر الاجتماعي للشعب، بأديانه. طوائفه. مذاهبه. أعراقه. هكذا كانت دمشق. حلب. حمص. حماه. اللاذقية. وهكذا كانت العروبة المظلة الواقية، بلغتها. ثقافتها. تقاليدها، لهذا التعايش السلمي. والحضاري، على امتداد 1450 سنة من التاريخ الإسلامي. غير أن النظام الطائفي العلوي حرص على «استثناء» قواه العسكرية والميليشيوية. فلم تنصهر في البوتقة المدنية. أسس «النقيب» رفعت الشقيق الأصغر لحافظ «سرايا الدفاع»، كأول ميليشيا طائفية للنظام. وأقام لها ثكنات وقواعد معزولة على أطراف جبل قاسيون. الطبيعة الميليشيوية للنظام العلوي كادت تتسبب بنشوب حرب علوية/ علوية. فقد تسرع رفعت (نائب القائد) واحتل دمشق، ظنا منه أن شقيقه «القائد» حافظ لن يفيق من غيبوبة مرضية (1982). فسارع ضباط علويون منافسون له. فحاصروا بفرقهم العسكرية قواته. وكادوا يقصفون العاصمة بالمدفعية والصواريخ، لولا صحوة القائد. وتسفيره شقيقه ومنافسيه إلى موسكو، ليضعهم في عهدة حلفائه الروس الحمر. بعد مجزرة حماه، وانحسار نفوذ رفعت وهجرته نهائيا من سوريا، جرى حل سرايا الدفاع. لكن حافظ أنشأ «مستوطنة» لضباط الحرس الجمهوري العلويين، في صحراء الديماس (غرب دمشق). وأنشئت «مستوطنة» أخرى في ضاحية المزة، لألوية ميليشيا (الشبيحة) من الشباب العلويين، مع حرمانهم من تلقي تعليم وطني، أو الاندماج في المجتمع الدمشقي. فظهر عداؤهم لشعبهم بعد نشوب الثورة. فَرْزُ الفرقة الميكانيكية الرابعة عن الجيش. ودعمها وتعزيزها بأحدث الأسلحة والمدرعات، في عصر الشقيقين بشار وماهر، جرى تحت ذريعة كونها «رديفا احتياطيا» لقوات الجبهة في الجولان. ثم تبين أن هذه الفرقة هي بمثابة جيش طائفي مهمتها حماية النظام من تمرد الشعب، أو من انقلاب عسكري علوي أو غير علوي، قد يقوم به الجيش ضد حكم العائلة. مع انفجار الانتفاضة السلمية، لم يكن العميد ماهر الأسد بحاجة إلى عبقرية عسكرية كبيرة، ليكتشف الموقع الاستراتيجي البالغ الأهمية لجبل قاسيون. فانتشرت على قمته العريضة والطويلة ألوية الحرس الجمهوري، وكتائب المدفعية والصواريخ في الفرقة الرابعة التي عززت مواقعها في الجبال الغربية (المزة. دُمَّر. الهامة) خلف قصر الشعب. من قمم قاسيون وهذه الجبال، بادأت القوات العلوية سكان قرى الغوطة العداء. فقصفتهم بكثافة. ودمرت مبانيهم التي بنوها بالعرق. والدموع. فاضطروا إلى حمل السلاح (25 ألف مسلح). في حين استسلم نحو ثلاثة ملايين إنسان من سكان العاصمة، صاغرين للأمر الواقع المفروض عليهم من الجبل الجاثم فوقهم. عندما لم يستطع القصف المدفعي والصاروخي إخضاع قرى الغوطة، وتأمين الطرق إلى الشمال والجنوب، استقدم ماهر وبشار معظم كتائب القوات الكيماوية. ووزعها بين قوات الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري المرابطة على قمم الجبال. ومن هناك، كانت تنطلق بين الحين والحين الصواريخ والقنابل المحملة بالغاز، لتفتك بالجملة بسكان القرى الثائرة (نحو 25 ألف مقاتل). أشرت في الثلاثاء الفائت إلى وجود القوات الكيماوية مع قوات الفرقة الرابعة. وباختصار، كانت المفاجأة الكبيرة في تقرير بعثة الخبراء الكيماويين. فقد أثبت المهندسون المرافقون لهم، من خلال قياس زوايا القصف أنه منطلق من هذه المواقع. وبالذات من موقع اللواء 104 في الحرس الجمهوري. ثم أكد ذلك خبراء منظمة «هيومان رايتس ووتش» ومهندسو الأقمار الصناعية الأميركية. وستعود بعثة كيماوية دولية أخرى إلى سوريا للقيام بدراسة أعمق، لتحديد المواقع التي انطلق منها القصف الكيماوي، وتسمية الجانب المسؤول عن القصف. لم يسكت بوتين. ولافروف. وبشار. أصر الثلاثة على تكذيب خبراء الأمم المتحدة وتقريرهم، زاعمين أن القصف الكيماوي انطلق من جانب الثوار! فهل من المنطق أن يقصف الثوار المنطقة والقرى التي يسيطرون عليها؟! وهل من المعقول أن يقتلوا أهلهم. وأطفالهم. والسكان المدنيين الذين يدافعون عنهم؟! وهكذا، فجبل قاسيون مسألة حياة أو موت لنظام بشار. لا هو استطاع القضاء على ثوار الغوطة، لتأمين العاصمة التي يحتلها. ولا الثوار تمكنوا من اجتياح العاصمة، لعجز أسلحتهم الخفيفة عن اجتياح قمم الجبل، للقضاء على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري. في غمرة «توازن الردع»، يصبح التساؤل عما إذا كانت الضربة الأميركية سوف تستهدف القضاء على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، أو على الأقل مرابض المدفعية والصواريخ المنصوبة على قمة قاسيون؟ الجواب يقتضي عرضا للحشود البحرية المتقابلة في شرقي المتوسط. حشد بوتين 13 قطعة بحرية قبالة الساحل السوري. العدد يفوق عدد قطع الأساطيل الغربية هناك. في التفاصيل ترابط حاملة الصواريخ الباليستية (موسكفا) في مقدمة الأسطول الروسي. وإلى جانبها سفن إنزال برمائية. وسفن تموين لوجيستي. وسفينة قانصة للغواصات. وسفينتا تجسس وتنصت إلكتروني، تدعمهما أجهزة رادار في القاعدة الروسية بميناء طرطوس السوري. هذه القوة البحرية لا قبل لها بمواجهة الحشد النوعي للأساطيل الغربية. لكنها قادرة على إبلاغ القوات السورية لحظة انطلاق الصواريخ. واتجاهها. وموعد وصولها إلى أهدافها. وربما التشويش عليها لحرفها عن مسارها. ورصدت انفجار صاروخين إسرائيليين عابرين للقارات، في مناورة بحرية بالقرب من الأسطول الروسي. الأسطول الفرنسي قبالة الأسطول الروسي، يضم 11 قطعة. وهي مدعومة بحاملة طائرات «رافال» الأحدث من طائرات إف 15 وإف 16 الأميركية. أما الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط، فيضم خمس مدمرات حاملة لصواريخ توماهوك. وحاملة طائرات. وسفن تجسس وتنصت إلكترونية. وسفنا لقنص الغواصات. وميزة الأساطيل الغربية أنها قريبة من قواعدها البحرية، فيما يرابط الأسطول الروسي غير المجهز بحاملة طائرات، بعيدا عن قواعده في البحر الأسود. ويحتاج إلى إذن تلقائي من تركيا لعبور مضائق البوسفور والدردنيل. ذلك كله عن المناورة البحرية. لكن ماذا عن المناورة السياسية؟ لقد تمكن بوتين من إنقاذ فرقة ماهر الرابعة، وحرس بشار الجمهوري، بالتضحية بقنابل وصواريخ النظام الكيماوية. أما الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، فيبدو من شدة الوجد بأوباما مستعدا للتضحية ببشار لا بالنظام، إذا كان في ذلك خلاص لإيران من العقوبات التي أفلستها. فباتت عاجزة عن تمويل قنبلتها النووية. ماذا أيضا؟ أترك القارئ العزيز لمتابعة هذا الفيض الغزير الهائل من التحليلات السياسية. لعله قادر على أن يلخص لي تناقضاتها. نقلا عن  جريد الشرق الاوسط  

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جبل واحد يتحكم بمصير نظام الأسد جبل واحد يتحكم بمصير نظام الأسد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab