عسكرة الطوائف السورية

عسكرة الطوائف السورية

عسكرة الطوائف السورية

 العرب اليوم -

عسكرة الطوائف السورية

غسان الإمام

1963 - 2013: خمسون سنة هي عمر الظاهرة العلوية. هل كانت هي التحول الانقلابي الوحيد في المجتمع السوري؟ لا. إنما كانت أول ظاهرة لعسكرة طائفة أقلوية، في مجتمع يضم 18 طائفة. ومذهبا. ودينا. بل كانت أول مبادرة طائفية للاستيلاء على السلطة، وإقامة نظام طائفي بالقوة المستترة بدساتير شكلية. وقوانين مبتسرة. وسياسة خارجية تتبنى ظاهريا رعاية قضية العرب المركزية (الفلسطينية). والغرض شراء سكوتهم عن اغتصاب أقلية، لحق سائر المجتمع، في المشاركة في القرار والسلطة. لكن لماذا صمد النظام العلوي، ولم تصمد أنظمة تونس. وليبيا. ومصر، أمام الصحوة الشعبية؟ لأن هذه الأنظمة ليست طائفية. ولا تستطيع أن تستخدم جيوشها الوطنية ضد مجتمعاتها. حدثت مقاومة نظامية في ليبيا. لأن القذافي جسد نظام العشيرة والقبيلة. هذا النظام الاستبدادي لم يصمد. لأن القبيلة أقل عصبية وتماسكا من الطائفة. هل يمكن تحقيق مصالحة في سوريا، بين أطياف الثورة والنظام الطائفي. يليها تشكيل حكومة وفاقية تسترد السلام المدني. وتتولى التغيير على أساس الديمقراطية؟ أخفق مسعى الوسيط الدولي كوفي أنان. فورث شعاراته ومهمته الوسيط العربي/ الدولي الأخضر الإبراهيمي. الأخضر لا يريد أن يفهم أن دبلوماسية المصالحة تجاوزتها الأحداث الميدانية. وفقد النظام شرعيته، منذ أن واجه الانتفاضة بالدبابات. والمدفعية. والطيران. لكن الوسيط ما زال يظن أن تبويس الشوارب ممكن بين الجزار والضحية. بين طاغية قتل 60 ألف إنسان وأهل الضحايا. ما زال الأخضر يتحدى أمته في الرهان على دبلوماسية العناد الروسية والخداع الإيرانية. يتوعد الأخضر الضحايا بجهنم، إذا لم يقبلوا بجحيم التعايش مع نظام، حَكَمَ عليه الغباء بالانتحار. لو قرأ الأخضر تاريخ هذا النظام الطائفي، لعرف أن الأب مارس الخداع الراهن، للاحتفاظ بالسلطة المطلقة. كانت تهمي الخيانة والمؤامرة جاهزتين دائما وأبدا، لإدانة وسحق كل من يطالب بالديمقراطية. جرى اغتيال زعماء السنة في سوريا ولبنان (صلاح البيطار. رفيق الحريري. المفتي حسن خالد...) كلما بدا للنظام العلوي أنهم يشكلون خطرا على استمراره. أُممت النقابات المستقلة عندما اعتصمت مطالبة بالحرية. وعدها الأب بالديمقراطية. عندما أوقفت الإضراب جرى اعتقال المحتجين. بقي بعضهم في السجون أكثر من عشر سنين. وأُوكل إلى ضباط المخابرات اختيار القادة النقابيين، وانتقاء المرشحين الحزبيين والمستقلين في الانتخابات النيابية. عندما أيقن الإبراهيمي أن شعارات الحوار. والمصالحة. وعفا الله عما سلف، باتت سوريالية مستحيلة، بعدما سجلت الثورة المسلحة انتصاراتها الرائعة، عاد ليطرح شعار «التغيير الحقيقي»، من خلال حكومة توافقية توقف القتال، وتجري انتخابات في عام 2014. وتجلب قوات «الاحتلال» الدولية. التغيير ليس شعارا. التغيير يعني أولا إنهاء حكم الدولة البوليسية/ القمعية. وفصل النظام عن الدولة. التغيير يعني فك قبضة السلطة الحزبية على الإدارة الحكومية والمحلية. التغيير يعني تحييد الجيش الطائفي. وإعادة بناء جيش وطني، ولاؤه للمجتمع. وللدولة. وللانتماء القومي. جيش محيد سياسيا، كما في أية دولة ديمقراطية. لا علاقة له بالأحزاب. والطوائف. والزعامات. التغيير يعني شفافية التسيير الحكومي والإداري، تحت رقابة البرلمان. والصحافة الحرة. والالتزام بالدستور. والقانون. التغيير يعني دولة سورية مسالمة لأشقائها وجيرانها ضمنا وعلنا. لا للمغامرات الخارجية لا للتحالفات الإقليمية. لا للاتفاقات والمعاهدات من دون عرضها للنقاش والتصديق في البرلمان. لا لممارسة الإرهاب تحت شعار المقاومة والممانعة. لا لفرق الاغتيال. لا لمراكز التدريب على الإرهاب. والإجرام. لا للإعلام الكاذب. لا للمغالطة. والتغطية. والكذب. والافتراء، تصدر على لسان وزراء. ومسؤولين. وناطقين رسميين. هل يضمن الوسيط الدولي الإبراهيمي هذا التفسير الصريح للتغيير؟ من الضحك على الذات والغير، منح نظام القتل والقهر سنتين إضافيتين لإجراء انتخابات رئاسية، بموجب دستور الابن الذي خاطَهُ له المحامي مظهر العنبري «ترزي» الدساتير الشكلية منذ عهد الأب. وهكذا، فالحوار. والمصالحة. والتغيير، يجب أن لا تكون شعارات تمر تحتها اتفاقات وقف القتال. ونشر قوات «حفظ السلام» دولية، تجمد الحل. وتطيل عمر النظام. وتمنع الثورة من استكمال نصرها النهائي. وتحط من قدر الاستقلال والسيادة. أترك الإبراهيمي لضميره. وأمته، لأعود إلى موضوع العسكرة الطائفية. فأقول إن الطائفة العلوية وحدها التي تمت عسكرتها. واستفادت من عوامل عدة في بناء نظامها ودولتها. وأولها وجودها الواسع، أصلا، مع أقليات أخرى في «جيش المشرق» الذي تسلمته سوريا ولبنان من فرنسا، كنواة للجيش الوطني. ثم استفاد العلويون من الصراع السياسي بين اليمين واليسار، في الأربعينات والخمسينات. فأقبلوا على الانخراط في الجيش، فيما اكتفى أبناء الغالبية السنية بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، مفضلين الانخراط في العمل الحر. ولعب أكرم الحوراني المحرك السياسي لتلك المرحلة، دورا كبيرا في تسهيل تطويع العلويين في الجيش، ربما نكاية بالأسر الإقطاعية في مدينته (حماه). وعندما اكتشف خطأه التاريخي، وحاول التوازن الطائفي في الجيش، كان الوقت قد فات. سبق العلويون الحوراني. فقلبوا نظام اليمين الديمقراطي الهش الذي أقامته كتلة ضباط دمشق، بعد إسقاطها دولة الوحدة المصرية/ السورية. ثم كان انقلاب 1963، إيذانا بانطلاق الحكم العلوي في سوريا. أدار الأب، بحنكة الحيلة والذكاء، الحلف بين نظامه والنظام الديني الشيعي في إيران، من دون إزعاج كبير لدول الخليج العربي المتخوفة من انفلاش النفوذ الإيراني، باتجاه الخليج. والعراق. وسوريا. ولبنان. في الوقت ذاته، احتل الأسد لبنان (1976)، فوق غطاء أخضر أميركي/ إسرائيلي. بل غدا شرطي لبنان في الثمانينات والتسعينات برضا أميركي. مات الأب في عام 2000. ورثه الابن. فلم يكن على صبر الأب وحنكته في حبك وفك التحالفات. أغلق بشار منتديات الحرية. وساق روادها إلى المعتقلات. ووثق حلفه مع إيران، ودعمه لحزبها الطائفي في لبنان، من دون أن يتذكر حرص أبيه على علاقته العربية مع مصر والسعودية. عندما اتهم حزب الله ونظام دمشق باغتيال رفيق الحريري (2005)، قال الأسد الابن إن أخلاقه لا تسمح له بارتكاب جريمة قتل. انفجار الثورة السورية أثبت أن نظام بشار تسمح له «أخلاقه» بارتكاب ستين ألف جريمة قتل. ولما تنتهِ المجزرة بعد. تحدثت بالمنطق الطائفي. ليعرف القارئ العربي بدقة، من هو المسؤول عما جرى ويجري في سوريا. وأخلص إلى القول إن عسكرة الطائفة العلوية حالت دون دمجها في الحياة المدنية السورية. وظلت مستعصية على بوتقة الصهر الاجتماعية في المدن السورية. لست طائفيا. ما زلت مؤمنا بأن تمسك السوريين بالانتماء القومي العربي، على أساس الالتزام بالحرية والديمقراطية، هو الخلاص للعلويين. وخلاص أيضا لفصائل المقاومة المسلحة التي تتناوشها التيارات الدينية المتزمتة. مع تذكير التنظيمات السياسية في الداخل والخارج بأن التصريح بالالتزام بالهوية القومية الثقافية. والديمقراطية. والحرية، هو السبيل الوحيد لاستعادة الدور السوري المفقود. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عسكرة الطوائف السورية عسكرة الطوائف السورية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab