انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف»

انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف»

انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف»

 العرب اليوم -

انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف»

عبدالوهاب بدرخان

في الأيام الأخيرة تنافس مشهدان سوريّان على إظهار واقعَين متناقضين، وكأن كلاً منهما يقترح على السوريين خياراً من اثنين: حملة «انتخابية» مؤدّاها الخضوع للنظام والبقاء في كنفه، أو مواصلة العيش في النزوح والتهجير القسريين وتحت القصف والبراميل والتجويع والترويع «الداعشي»... كان الأول متاحاً دائماً الى أن أصبح غير مقبول من السوريين، وليس المقتلعون من مساكنهم وحدهم مَن يرفضون هذا النظام، وليس الذين ظلّوا في البلد موالين ومعجبين بإنجازاته وبالترهيب الذي يعاملهم به. فحتى كلمة «سوا»، شعار حملة بشار الأسد، تسيء الى من يعتبرهم مؤيدين ومتعاطفين، فالمرشح الذي يقول لـ «ناخبيه»: «سوا» («معاً») يختزل بحروف ثلاثة الماضي والحاضر، أي «أننا»: قتلنا وذبحنا ونكّلنا معاً، قصفنا بالصواريخ والبراميل والكيماوي معاً، انتهكنا الأعراض والكرامات معاً، استبحنا المدن والبلدات والبيوت والمساجد والمدارس معاً، وخرّبنا سورية معاً... لكن شعاره لا يملك ما يقوله عن المستقبل، كـ «نوقف القتل، نتصالح، نبني معاً» على سبيل المثال. فهل إن «ناخبيه»، خصوصاً من «الأقليّات»، كانوا فعلاً معه في كل ما ارتكب؟
أما الآخر فلم يكن خياراً أصلاً، ولا حتى للذين ارتضوا به قدراً فُرض عليهم، لم يثوروا ليُقتلوا أو يَقتلوا، بل لأنهم أرادوا الانتهاء من نظام لا يزال مصرّاً على أن استبداده هو الأصلح لسورية وأهلها. انتهت صلاحيته التاريخية، لكن صلاحية ترسانته ظلّت سارية وقد مكّنه حلفاؤه من تجديدها. كان المشهد المؤلم للدمار الهمجي ولمتفقّدي اللاشيء الذي بقي من بيوتهم في حمص يتناقض كليّاً مع حملة «انتخابية» ممسرحة يجهد العسس المخرجون لصنع «عرس ديموقراطي» على وقع المواجهات القتالية والبراميل المتفجّرة وغاز الكلور الايراني. ومهما حاول النظام، فإنه لن يستطيع جعل التجديد لرئيسه نهاية للصراع، بل إنه يستعدّ للمرحلة التالية، لحرب طويلة، كما يُفهم من تحركات حلفائه الروس والإيرانيين، وكذلك من زيارة وفد «الائتلاف» المعارض للولايات المتحدة.
ستبقى هناك جوانب غير معلنة وأخرى غير واضحة ومحسومة في نتائج واشنطن، ليس للإعلام فحسب بل أيضاً للائتلاف نفسه. فالجانب الاميركي استطاع ابتلاع الكثير من الأفاعي واستيعاب الكثير من الفظاعات: بدءاً مما بات قريباً من مئتي ألف قتيل، الى المجازر الجماعية، الى استخدام الصواريخ البالستية في تدمير المدن، الى التغاضي عن القتل بالسلاح الكيماوي، الى التفرّج على البراميل المتفجّرة، الى السكوت غير المفهوم وغير المبرر على تدخل ايران و «حزب الله» والميليشيات العراقية، الى الخديعة الروسية في التحضير لمفاوضات جنيف وفشلها... لكنه لم يتمكّن من التغلّب على تردّده في تسليح معارضة يريدها أن تغيّر المعادلة الميدانية، بسبب «مخاوف» من وقوع أسلحة نوعية في أيدي ارهابيي تنظيم «داعش» وغيره. هذا التردّد كان سائداً حتى قبل الظهور «الداعشي» واستفحاله وقبل تعاظم الانخراط الايراني وفجوره، واستمرّ بعدهما كما لو أنه تقصّد تسهيل سعيهما الى إنقاذ النظام. وقد أنجزا المهمة... حتى الآن.
وهكذا، فبعد الاستسلام للعجز أمام جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية هذه، والرضوخ لتفريغ نحو نصف سورية من سكانها، والاكتفاء بالعمل - من دون نجاح - لإطعام النازحين والمهجّرين، ها هي الادارة الاميركية تقرر استقبال وفد من «الائتلاف» للمرة الأولى منذ ضغطت وألحّت لإنشائه أواخر 2012. كانت هذه الزيارة بُرمجت على عجل غداة اعلان باراك اوباما قرار الضربات الصاروخية ردّاً على استخدام السلاح الكيماوي، ثم أُلغيت على عجل بعدما بلغت الاتصالات السرّية مع روسيا احتمال الاتفاق على تدمير المخزون الكيماوي. لم تكن لدى واشنطن خططٌ للتدخل المباشر ولم يلمْها أحد، لكن لم تكن لديها نية لتسليح المعارضة ولا لترك حلفائها الراغبين يفعلون، بل لم تكن لديها ارادة للدعم السياسي خارج الإطار الذي رسمته لها موسكو الى أن انكشفت تماماً بعد فشل مفاوضات جنيف. كان الاميركيون يكررون على الدوام مطالبتهم ممثلي المعارضة بـ «ضمانات» للأقليات، على سبيل المثال، من دون استعداد جدّي لتقديم المساعدة التي تمكّن المعارضة من توفير هذه الضمانات فعلاً بعدما التزمتها قولاً. وكانوا يتعاملون مع هذا الائتلاف وفي بالهم ائتلاف آخر لو ظهر لتطلّعوا الى ائتلاف ثالث، ورغبوا في التعامل مباشرة مع الثوار على الأرض، لكن من دون التعرّض لأخطار أو الغرق في الوحول والتعقيدات. في النهاية بدوا كأنهم يبحثون عن شعب آخر.
في كل المعلومات العلنية عن اجتماعات واشنطن لم يكن في الكلام الاميركي المحدّد والمدروس ما يشير الى تغيير جوهري، فهل اقتنعت الادارة أخيراً بأن الموجود والمتاح هو هذا الائتلاف في حدود سياسة التعجيز التي مارستها ضدّه وفي ظل التنازع الاقليمي عليه. اذ كان مفهوماً منذ البداية أن هذا الكيان المعارض ليست لديه موارد ذاتية ولا يستطيع الوقوف على قدميه إلا بالدعم الذي يتوقعه من «الأصدقاء»، وتبيّن مع الوقت أن حال النظام لم تكن بأفضل على رغم موارده الكبيرة، إلا أن حماسة حلفائه الايرانيين لم تضعف أمام ضخامة التكاليف. ولو أمكن «الأصدقاء» أن يوحّدوا جهودهم المادية والسياسية لكان «الائتلاف» اليوم أكثر تمثيلاً وتنظيماً وثقة بالنفس، و «الجيش الحر» أكثر فاعليةً، ولكان في الإمكان فرض شبه «حظر جوي» بعدد محدود من الصواريخ المضادة للطائرات. لكن التلكؤ في توفير ما كان لازماً وضرورياً للحفاظ على الأرواح، وعلى المعادلة الميدانية، هو ما أدّى الى انهيارها وبالتالي الى «انتصارات» النظام واعتمال السرطان «الداعشي». لا بدّ من تذكير الاميركيين بالأخطاء الفادحة التي ارتكبوها، لأن أحداً لا يضمن أن تكون «مراجعاتهم» توصّلت حقاً الى خيارات يمكن الاعتماد عليها.
كانت في كلام جون كيري عن «الشراكة المتنامية» وعن «الائتلاف» كمؤسسة «شاملة ومعتدلة، ملتزمة حماية جميع السوريين وجميع الأقليات» رسائل واستخلاصات تمهيدية للتعبير عن رفع واشنطن درجة تبنّيها لهذا الكيان المعارض. وفي الواقع لم يبقَ لديها سواه اذا كانت تريد دوراً ناشطاً في المسألة السورية، وهي لا تزال قادرة على التعامل مع كيانات اخرى تمثّل شرائح في المجتمع السوري، إلا أن التجربة أقنعتها بالاعتراف بأفضلية «الائتلاف» كنقطة يمكن عندها جمع الجانبين السياسي والعسكري «المعتدلين» في المعارضة. قد يكون «الاعتدال» هنا، بالنسبة الى الاميركيين، نقيضاً لخطاب وأهداف الفصائل الاسلامية القريبة أقلّ أو أكثر من التيار «القاعدي»، لكن الاعتدال بالنسبة الى عسكريي «الجيش الحرّ» وسياسيي «الائتلاف» هو الخط الوطني الذي لم يمانع في لحظة جنيف حلاً سياسياً حقيقياً ومتوازناً ينهي الصراع ويفضي الى تغييرٍ في النظام أو على الأقل في بنيته الأمنية. أما «التعاون الاستراتيجي» فكانت مصادر «الائتلاف» هي التي تحدثت عنه، محدّدةً وظيفته بـ «محاربة القاعدة ومنظمة «حزب الله» والحرس الثوري الايراني».
كما في افغانستان كذلك في العراق والآن في سورية، يستشري الارهاب كنتيجة للإهمال الاميركي... فالدول العظمى لا تعترف عادةً بأخطائها. والأكيد أن واشنطن متحفّزة لمحاربة المجموعات التابعة لـ «القاعدة» أو المتآخية معها، بل تريدها كـ «أولوية» تسبق حتى مواجهة النظام، لكن «الائتلاف» مضطر للمحاربة على الجبهتين معاً وفي آنٍ واحد. أما غير المؤكد فهو أن يؤيد الاميركيون الجانب المتعلّق بإيران وأتباعها في التعريف الذي قدّمه «الائتلاف» للتعاون، على رغم «استراتيجيته» الجليّة، اذ إن واشنطن منخرطة في بناء «توافق» مع طهران ولا تريد في هذه المرحلة تبنّي أي مشروع علني لمحاربتها حتى في سورية. لذلك، فإن العلاقة مع «الائتلاف» لن ترقى الى مرتبة استراتيجية طالما أن طرفيها لم يتفقا على أهداف مشتركة تحقق لكل منهما مصالحه. وبعد فشل مفاوضات جنيف وذهاب النظام الى انتخابات رئاسية، لم يبقَ لواشنطن سوى أن تعتمد «الائتلاف» وحتى أن تسهّل تطوير تسليحه. صحيح أنها حاولت إبقاء مسافة بينها وبين المعارضة، إلا أن النظامين السوري والايراني لم يخطئا حين جيّرا هزائم المعارضة كهزائم لأميركا.

arabstoday

GMT 07:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 07:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف» انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف»



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab