أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية

أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية

أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية

 العرب اليوم -

أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية

عبدالوهاب بدرخان

منذ شهور طويلة غدا الموقف الروسي ميؤوساً منه، فلا تغيير بل إصرار على التعنت، وكل الكلام عن أن موسكو «غير مهتمة» ببشار الاسد كان مجرد تغطية لحقائق أهمها أنها، كإيران، تعتبره «خطاً أحمر»، وأنها تعمل جنباً الى جنب مع ايران، تسليحاً وتخطيطاً، لمنع انهيار النظام والحؤول دون سقوطه قبل أن يرتسم حلٌ ما يكون هذا النظام جزءاً منه. واليوم لم يعد مستبعداً أن تنضم الولايات المتحدة الى هذا الثنائي. لماذا؟ لأن الأزمة في سورية أصبح لها في واشنطن اسمٌ هو «جبهة النصرة»، أو «مكافحة الارهاب»، وليس «الشعب يريد التخلص من الاستبداد ويطمح الى الحرية». ولا بد من أن اسقاطات مجزرة الرهائن وخاطفيهم في الجزائر، وامتزاج الأفغنة والصوملة في «الحال القاعدية» شمال مالي، وقبلهما دور تنظيم «القاعدة» في مقتل السفير الاميركي واثنين من الديبلوماسيين في بنغازي، ستشحذ الاقتناع الاميركي بأن الشيطان الذي تعرفه في سورية يبقى أفضل من ذاك الذي تجهله. عندما يلتقي وزير الخارجية الجديد جون كيري، «صديق» النظام السوري، نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال الشهر المقبل، لن تكون السياسة الأوبامية الجديدة قد تبلورت نهائياً، لكنها ستقترب أكثر من الأهداف الروسية - وليس العكس - وستتضح أكثر في اندفاعها الى تفعيل «التفاهمات»: انسوا «الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة»، انسوا الدعوات الى رحيل الأسد، فالدولتان الكبريان ستدعمان من يستطيع ضرب الارهاب، وستقفان بحزم ضد مَن يعرقل هذه الأولوية. بديهي أنهما ستعتمدان على النظام، ولأن الأخير ليس غبياً، فإنه يريد ضماناتٍ اميركية لبقائه. صحيح أنه سجّل، وإنْ لم يعترف، أن الاميركيين استطاعوا أن يجففوا منابع الدعم المالي والعسكري للمعارضة (حتى غير المتطرفة)، إلا أنه يريد عودة للعلاقات مع واشنطن، وزيارة من «الصديق» كيري الذي قد يكون اتخذ لتوّه قراره الأول، وهو أن ينسى نصيحة سبق أن وجهها الى الأسد بضرورة التنحي. وفي الانتظار يجتهد النظام حالياً ليبرهن أن في الإمكان الاعتماد عليه. يرتكب مجزرة أو أكثر في اليوم الواحد. يركز على قتل الأطفال والشبان مستهدفاً جيلاً لا يريده أن ينسى ما حلّ بالشعب والبلد. يذهب الى أقصى حد في التماهي مع اساليب التوحّش الاسرائيلية، بل يتخطّاها. هذه هي «لعبة الأمم» بأبشع وجوهها، وعندما تجتمع البراغماتيتان الاميركية والروسية في لعبة واحدة مع وحشية نظام الاسد، فلا بد من أن سورية ستكون موعودةً بمرحلة هي الأكثر قسوةً، بل الأكثر قذارةً. فليس في «لعبة الأمم» فسحة لـ «طموحات» الشعوب ولا لحقوقها، والشعب الفلسطيني يعرف الشيء الكثير عن مثل هذا الظلم التاريخي. في أحسن الأحوال، ستُحشر المعارضة السورية في الزاوية ليُقال لها إن موازين القوى لا تمنحها أكثر من قبول ما تتفق الدولتان الكبريان، وليس فيها مَن يملك تفويضاً للقبول. طلب الشعب السوري حمايةً للمدنيين، طلب حظراً جوياً، طلب سلاحاً نوعياً للحسم، طلب إغاثةً، طلب ألا يُترك الأطفال يموتون برداً أو مرضاً، ولم ينل شيئاً من المجتمع الدولي. لم يجافِ الحقيقة كل من قال إن «المؤامرة» كانت مع النظام وضد الشعب في نهاية المطاف. طبعاً، لم يكن الانقلاب الاميركي ولن يكون بالصدمة الكهربائية، كما لن يكون مسألة سهلة وخالية من التعقيد. فلا واشنطن ولا موسكو متأكدتان، على رغم اختلافهما في التقدير، بأن النظام لا يزال قادراً. ثم إن تأهيله ولو لمهمة محددة ومموّهة بعنوان نبيل مثل «منع انهيار الدولة والجيش» ينطوي على رسالة خاطئة وتخريبية في اتجاهين، سواء للدول والأطراف التي ناصرته في عدوانه على الشعب، أو للدول والأطراف التي ناوأته وأيدت ثورة الشعب عليه. وقلّما تتوصل لعبة الأمم الى توازنات سلمية، هذا إذا بحثت عنها أصلاً. وسيعني قبوله أيضاً قبولاً بتحالفه المتعاظم مع ايران، وفي ذلك اشارة أولية الى دول الاقليم عما يمكن أن تتوقعه من أي اتفاق اميركي - ايراني مرتقب. فالنظام السوري أصبح الآن كلياً تحت النفوذ الايراني، مالياً وتسليحياً وزخماً قتالياً وسياسياً، مع مساهمة معتبرة من جانب عراق نور المالكي و «حزب الله». فيما يظهّر الاميركيون والروس حالياً عوارض الصوملة في سورية، فإنهم يدركون جيداً أن النظام هو المسؤول عن هذه الحال. أي أن «عقيدة عدم التدخل» الأوبامية بلغت عملياً في سورية النتائج التي خلصت اليها «عقيدة التدخل» البوشية في العراق. أما روسيا التي تقدم تدخلها في سورية بأنه «تصويب» لتطبيق القانون الدولي، فإنها تعطي نموذجاً سيئاً لما يفترض في المجتمع الدولي أن ينهجه. الواقع أن الدولتين الكبريين تقولان كل شيء لتستبعدا مسؤوليتهما عن صناعة وضع تشكوان منه الآن، وكأن الشعب السوري ثار وقدم التضحيات وتحمّل كل هذه العذابات... فقط من أجل أن يستدرج الارهاب وتنظيم «القاعدة» الى أرضه. في اختزالها للأزمة بتصاعد التطرف، وعلى رغم اجتهادها الحالي لابتداع الإخراج الملائم لـ «انقلاب» سياستها، تقدّم الولايات المتحدة مضاعفات المرض على معالجة أسبابه، تتجاهل دوافع السوريين للثورة، بل تبدي استعداداً لنسيان ما حصل خلال العامين الماضيين من عنف وسفك دماء وتدمير ارتكبها النظام، ماضيةً في منطق يقودها الى اعتبار أنه أفرط في الإجرام الى حدّ يشجعها على الاعتماد عليه لـ «استعادة الاستقرار». لماذا وكيف تغيّرت الحسابات الاميركية؟ ثلاثة عوامل: 1) منذ البداية أعطت واشنطن مصلحة اسرائيل أولوية في ادارة الأزمة السورية بما يعنيه ذلك من محاولة «اصلاح» النظام لا تغييره، 2) عناد روسيا التي وظّفت المحنة السورية لشق طريق عودتها كـ «قوة عظمى» ما استلزم عزماً من ادارة اوباما على مواجهة أو على تنازلات ومقايضات لم ترِدها حتى لو عنى ذلك تراجعاً في مكانتها وصدقيتها الدوليتين، 3) الصعوبات التي اكتنفت بناء بديل أو بدائل للنظام من المعارضة السورية كنتيجة موضوعية للتجريف السياسي الذي نفّذه النظام على مدى عقود... لكن، هل يبرر ذلك أن تستقيل الادارة الاميركية من «الاخلاقيات الربيع - عربية» التي تبرّع اوباما برسم معالمها وتحديد أهدافها؟ كلما سُئل المسؤولون الاميركيون عن التغيير الذي طرأ على سياسة حكومتهم إزاء الشعب السوري، فإنهم يكثرون من الحديث عن «المساعدات الانسانية» التي قدّمتها للشعب السوري. ولا يعني ذلك أنهم يشيرون الى سخاء استثنائي خفّف من معاناة هذا الشعب، بمقدار ما يعني أن ليس لدى الدولة العظمى ما تتحدّث به عن معالجتها للأزمة. فروسيا توفّر الأسلحة وكل أنواع الدعم للنظام، وأميركا تلهث بحثاً عن اتفاق مع روسيا ولا تتردد في حجب كل دعم عن المعارضة السياسية والعسكرية. هذا هو الواقع الملموس، وثمة عواصم كثيرة عربية وغير عربية رتّبت برامجها لدعم المعارضة على أساس أن هناك التزاماً دولياً صلباً تقوده الولايات المتحدة لتمكين الشعب السوري من تحقيق طموحاته، وإذا بها اليوم تحاول التكيّف بصعوبة مع انعطاف اميركي الى وجهة غير محددة الأفق، بالأحرى الى الاستسلام للأمر الواقع الذي تفرضه معادلة السلاح. ولطالما سُمع الاميركيون يدعون روسيا الى أن تكون جزءاً من الحل لا أن تكون جزءاً من المشكلة. ها هي اميركا تغدو بدورها جزءاً من المشكلة، اذا صحّت التوقعات عن مسار مواقفها، وستصبح بالتالي مثل روسيا مسؤولة عن قتل السوريين وذبح ثورتهم. نقلاً عن جريدة "الحياة"

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab