إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية

إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية

إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية

 العرب اليوم -

إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية

عبدالوهاب بدرخان

بدا مشهد وزير الدفاع ورئيس الاركان الاميركيين، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي، كأنه نسخة من مشاهد في أفلام خيالية لمسؤولين كبار وهم يعلنون عن خطر شديد غير مسبوق دهم الأمة والعالم، لكنهم عازمون على التصدّي له وإنهائه. ويذكّر تشخيصهما بأوصاف وردت في أشرطة يكون فيها الخطر وحشاً ضخماً تكوّن في أعماق المغاور أو آلة هائلة جاءت من كوكب آخر لتبيد سكان الأرض. قال تشاك هاغل ان تنظيم «داعش» تخطّى «كل ما كنا نعرفه». وقال الجنرال مارتن ديمبسي ان الولايات المتحدة «لا يمكن أن تهزمه وحدها»، ثم أضاف لإكمال الصورة أن لدى «داعش» رؤية استراتيجية أقرب الى «نهاية العالم».

انقضى أكثر من شهرين على «الفتوحات الداعشية» في العراق وسورية قبل أن يتلقّى التنظيم أولى الضربات الاميركية، وقد تُستهلك بضعة أسابيع أو شهور قبل أن تكتمل الاستعدادات للحملة عليه في البلدين. اذ ينبغي انتظار التشكيل السلحفاتي لحكومة حيدر العبادي في العراق و «الاتفاق» الإشكالي على صيغة تنسيق مع نظام بشار الأسد، وقبل ذلك على صيغة مع روسيا على رغم تغلغلها في اوكرانيا ضماناً لتعاونها في مجلس الأمن... وفي هذه الأثناء يواصل «داعش» الذبح والإعدام ومحق الأرواح وأنتج فيديوات الرعب الأسود، حريصاً على ألا تشرق الشمس يوماً إلا مسبوقة بأخبار القتل، ممعناً في تغيير الحقائق والمعالم، وفي كسر كرامة الناس الرازحين تحت حكم «خلافته» الشريرة.

كان قرار مجلس الأمن الرقم 2170 رسم أساساً قانونياً لحرب جديدة على الارهاب ظهرب بوادرها في الغارات الجوية الاميركية التي ساهمت في صدّ «الداعشيين» عن السيطرة على سدّ الموصل. ومن ثمَّ أعلنت واشنطن أن الإطاحة بهذا التنظيم «ممكنة» لكن شرط: 1) أن ترفضه الجماعات السنّية الواقعة تحت احتلاله، 2) أن تتحد القوى الاقليمية لمحاربته، و3) ألا تقتصر الحرب على العراق بل أن تمتد أيضاً الى سورية.

لوهلة تبدو هذه الشروط صعبة لكنها غير تعجيزية، فالقبول السنّي لـ «داعش» كان اضطرارياً في العراق ويُسأل نظام نوري المالكي عنه، أما في سورية فقاتلت المعارضة هذا التنظيم لكنه فرض نفسه بالقوة ويُسأل نظام الأسد عن التنسيق معه، بل يُسأل خصوصاً عن المقايضات التي يستعد لإجرائها معه في حلب وحمص وتحديداً في حماة. وسواء كان القبول آنياً مصلحياً أو قسرياً، فإن الرفض العلني والعملي سيكون مكلفاً بشرياً، لذلك فمن الضروري أن يرى هؤلاء السنّة ضوءاً في آخر النفق، فهم مدّوا أيديهم الى الشيطان («داعش») في العراق بعدما سدّ المالكي الآفاق أمامهم، وهم لا يميّزون بين وحشَين (النظام و «داعش») في سورية. وإذا كان الجميع يعوّل الآن على حل سياسي من خلال المؤسسات في العراق، فإن ايران المستاءة جداً من التطوّرات المعاكسة لهيمنتها قد تعمد الى لعبة المماطلة قبل أن تسهّل مهمة العبادي. أما في سورية، فإن الجانب السياسي يتوقف على تنازلات لا يبدو النظام مستعدّاً لها، ولن يضغط عليه حليفاه الروسي والايراني بلا مقابل.

قد يُظَن أن أجواء التهويل السائدة ستسهّل تحالف القوى الاقليمية، فالكل يخشى استشراء «الداعشية» وتداعياته. غير أن تحالفاً كهذا لن يكون فقط من أجل محاربة كـ «عمل اخلاقي»، بل سيكون بالأحرى تكالباً على القطع العراقية والسورية المتناثرة، اذ يندر أن يوجد حالياً من يعتقد بإمكان منع تفكك البلدين. لذلك يغلب الشك والاستياء على العواصم العربية المعنية سواء حيال باراك اوباما وأهدافه أو حيال التفاهمات التي ستعقدها واشنطن مع الأطراف الاخرى ولا سيما تركيا وايران. وفيما تبدو اميركا كأنها حسمت أمرها لقيادة الحرب المقبلة، إلا أن حلفاءها الاوروبيين، المشككين بدورهم بأوباما وتقلّباته، لا يتكلمون على الموجة نفسها لأنهم يريدون أن يعرفوا ماذا بعد هذه الحرب. فهناك المتعجّلون للتعاون مع دمشق، أو طهران، أو العكس، وهناك أيضاً الرافضون. ففيما يعتبر وزير الدفاع البريطاني أن التعاون مع نظام الاسد ليس «عملياً ولا معقولاً ولا مجدياً»، يؤكد رئيس الاركان الاميركي حتمية خوض الحرب في سورية والعراق في آن. وفي أي حال لم يحل هذا الجدل دون أن يدخل وليد المعلم على الخط ليقول ان التنسيق يجب أن يتم مع دمشق. وهكذا، فإن أنظمة سورية وإيران والعراق، فضلاً عن سياستَي اميركا وروسيا، المسؤولة عن اجتذاب الارهاب وزرعه ترى أن لحظة الحصاد تقترب. ومع ذلك يستمر التساؤل، بحيرة كبيرة وكثير من البراءة وحتى السذاجة: ولكن من يأتي هذا الارهاب؟

عندما تتكدّس الجثث على النحو الذي نراه، عندما يُنحر أي انسان أياً يكن دينه واسمه وهويته على النحو المريع الذي تعرّض له الصحافي جيمس فولي، لا يمكن أن يكون القتلة من البشر، ناهيك عن أن يكونوا عرباً أو مسلمين، عراقيين أو سوريين، أعماهم الغضب وسلبتهم النقمة اليائسة ما تبقّى من وجدان. وفي غمرة الصدمة والألم وانخلاع القلوب يظل التساؤل ملحّاً: من أي أدغال أتوا بهذه الوحشية، وفي أي قاع تجرّعوا سموم الظلام؟ كأن التساؤل يقترح أنهم جاؤوا من فراغ، من كوكب ضالٍ، أو من «مؤامرة» اخرى.

لا، إنهم افرازات مجتمعاتهم، مجتمعاتنا، التي انتظرت خلاياها المتسرطنة طويلاً قبل أن تنفتح. لم يعد مجدياً إغفال الوقائع، فهذه مجتمعات أُخضعت طوال عقود لكل أنواع الضغوط، من الداخل والخارج، واذا كانت غالبيتها الساحقة جهدت لتحافظ على سويّتها واعتدالها، فلا عجب أن بعضاً منها أخفق وراح يمسخ قيم الدين والأخلاق والعدل لتناسب انحرافه. هذا ليس تبريراً للإرهاب، فلا شيء يقضي على هذه الظاهرة مثل معالجة أسبابها. فالسفير البابوي في دمشق قال قبل أيام ان الشبان لا يلتحقون بـ «داعش» بدافع «اقتناع ايديولوجي» وإنما بسبب انسداد الآفاق وضياع الحلول واشتداد الضغوط المعيشية. وخلال العقدين الأخيرين أنكبّ كثيرون على درس الظاهرة، فعزوها الى نقص التنمية وقصور التعليم والفقر وعدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة الاجتماعية والاستغلال السياسي للدين، وكان كل ذلك يشير الى فشل أنظمة الحكم وسياساتها. وحين قصّر الاستبداد الداخلي في القسوة رفده الاستبداد الخارجي حتى شوّها كل شيء وبدّلا المقاييس، وكان على المجتمعات أن تكبت القهر وتتوارث أمراضه وسمومه.

لذلك فمن من شأن العرب والغربيين، الباحثين عمّا (وعمَّن) صنع «داعش» وما سبقها وما قد يليها، أن يطرحوا أيضاً تساؤلات زعزعت توازن العقول وحاولوا دائماً تجنبها. ومنها على سبيل المثال: أي قتل أكثر «شرعيةً»، بقنابل تزن أطناناً في بغداد وغزّة أم بالغازات السامة في غوطة دمشق وحلبجة، وهل هما أقل وحشيةً من القتل بسيارات مفخخة أو ببراميل متفجّرة أو بالرجم حتى الموت أو بالاعدامات الميدانية أو بالذبح بالسكين أو بجلسات التعذيب، وهل مجازر اسرائيل في فلسطين أقل انتهاكاً للإنسانية من مجازر تنظيم «داعش» ونظامَي صدّام والأسد، وهل تدمير الأبنية فوق سكانها في غزّة أقل اجراماً من تدمير حلب وحمص ودير الزور والفلوجة والرمادي، وهل تغطية اميركا لجرائم الحرب الاسرائيلية أقلّ تهوّراً من تغطية روسيا وإيران لجرائم نظامَي الاسد والمالكي، وأخيراً هل ان اشتراط اميركا وجود حلول سياسية لمواكبة الحرب على «داعش» أكثر حكمةً أم أن الرضوخ لـ «دواعش» الحكومة الاسرائيلية ورفضهم الحلول السلمية التفاوضية هما الأكثر حكمةً؟

هذه الحرب مطلوبة للقضاء على «داعش» وإرهابه، لكنها ستدمّر ما لم يتح لنظامي الاسد والمالكي تدميره، وسيقف «الحلفاء» فوق الركام لتقاسم الدويلات والنفوذ، وسيكافئ صانعو الارهاب بعضهم بعضاً. لكن، هل سيُقضى على الارهاب؟

 

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab