المرشد الأعلى «ذنب لا يغتفر»

المرشد الأعلى: «ذنب لا يغتفر»

المرشد الأعلى: «ذنب لا يغتفر»

 العرب اليوم -

المرشد الأعلى «ذنب لا يغتفر»

أمير طاهري

هل من الممكن أن تؤدي ممارسة السياسة إلى ارتكاب جرائم؟ إذا كانت الإجابة بـ«نعم»، فما التعريف الدقيق للجريمة السياسية؟ تلك هي الأسئلة التي تواجه حاليا فقهاء القانون الإيرانيين، الذين طلب منهم وضع قانون بشأن الجرائم السياسية. وهناك مبرران وراء تلك الخطوة: المبرر الأول: يحاول الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، إيجاد مخرج يستطيع من خلاله إطلاق سراح زعماء المعارضة مير - حسين موسوي ومهدي كروبي وزهرة رهنورد، الموضعين تحت الإقامة الجبرية منذ عام 2011 من دون توجيه تهم واضحة ضدهم. وتستخدم وسائل الإعلام المملوكة للدولة في إيران مصطلح «رؤوس الفتنة» للإشارة إلى المعارضين الثلاثة، ذلك المصطلح الديني الذي يمكن ترجمته تقريبا على أنه تحريض على العصيان. غير أن النظام القانوني الإيراني لا يعترف حتى بكلمة «فتنة» كمفهوم. ولم تسمع تلك الكلمة إلا خلال محاكم الثورة الإسلامية الاستثنائية التي شكلها آية الله الخميني في عام 1979، في محاولة لإضفاء الشرعية على الإعدامات الجماعية التي نفذها ضد خصومه. وكان من المقرر حل تلك المحاكم بعد عام من تشكيلها، غير أنه وبعد مرور خمس وثلاثين سنة على إنشائها، ما زالت تلك المحاكم تعمل، حتى إنه جرى إصدار 400 حكم بالإعدام منذ تولي روحاني منصبه حتى الآن. لا تهدر تلك المحاكم كثيرا من الوقت في مناقشة «التفاصيل القانونية»، فإذا ما جرى اعتبار أي شخص يمثل تهديدا للنظام، توجه إليه على الفور تهمة «محاربة الله» أو «نشر الفساد في الأرض»، ومن ثم يحكم عليه بالإعدام. لكن تقديم رموز المعارضة الثلاثة للمحاكمة أمام تلك المحاكم يعد مخاطرة كبيرة. فالثلاثة لم يشككوا أبدا في الثورة الإسلامية أو في النظام، كما أنهم لم ينضموا إلى الدعوات المطالبة بإنهاء نظام «ولاية الفقيه»، الذي يتصرف بمقتضاه ملا وحيد كأنه ديكتاتور. فجميعهم قالوا فقط إن انتخابات الرئاسة التي جرت في عام 2009 كانت مزورة. ويبدو ذلك بوضوح رأيا سياسيا، نراه يتكرر كثيرا في الكثير من الدول الأخرى (ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ما زال الكثيرون يصرون على أن انتخابات الرئاسة التي جرت في عام 2001 والتي فاز فيها جورج دبليو بوش، كانت مزورة). لم يستطع النظام الخميني إعدام موسوي وكروبي ورهنورد بسبب اعتناقهم وتعبيرهم عن أفكار سياسية بعينها، لا سيما أن الثلاثي لم يدع الشعب لتحدي فوز محمود أحمدي نجاد من خلال، على سبيل المثال، رفض تسديد الضرائب أو تنظيم عصيان مدني. المخرج، إذن، من تلك الإشكالية هو توجيه «تهمة سياسية» ضدهم، ومن ثم إصدار حكم يتضمن عقابا رمزيا، على سبيل المثال: الحرمان من الحق في خوض أي انتخابات لمدة عشر سنوات، ثم بعد ذلك يجري إطلاق سراحهم. أما المبرر الثاني الذي دفع روحاني للسعي لوضع قانون بشأن «الجرائم السياسية»، فهو محاولة إضفاء المصداقية على مزاعمه بتبني اتجاه معتدل. فقد عمل روحاني بجد لنيل لقب «المعتدل» من وزير الخارجية الأميركي جون كيري. لكن، يبدو من غير المحتمل أن يستطيع روحاني الحفاظ على ذلك اللقب في الوقت الذي يجري فيه إصدار أحكام بالإعدام بالجملة. وقد أخبرني مناصرو روحاني بأن الرئيس - الملا هو نفسه «غير سعيد» بالكثير من أحكام الإعدام، لكنه على الجانب الآخر لا يستطيع أن يحرك ساكنا فيما يخص تلك الأحكام. ويعيد ذلك الادعاء إلى الأذهان الادعاء نفسه الذي تعذر به الرئيس محمد خاتمي منذ عقد مضى، عندما أسر إلى بعض أصدقائه أنه ليست له علاقة بتلك الإعدامات وعمليات الاغتيال الغامضة. غير أن وضع قانون بشأن «الجرائم السياسية» لن يكون أمرا سهلا. يمتد تاريخ النظام القضائي الإيراني على مدى نحو 1000 عام على الأقل، تأثر خلالها بالتقاليد الفارسية القديمة والشريعة الإسلامية والقانون المدني الفرنسي أو (قانون نابليون). وقد استخدم النظام القضائي الإيراني الكثير من المصطلحات لوصف حالات التعدي على القانون، مثل (جرم) و(جنحة) و(ارتكاب خطأ) و(تعدٍ) وغيرها الكثير. غير أن أيا من تلك المصطلحات لا يمكن تطبيقه على قيام شخص بالإعلان عن رأيه السياسي، كأن يصرح، على سبيل المثال، بأن إيران يمكن أن تكون أفضل حالا من دون ديكتاتورية الملالي. الأهم من ذلك، أن المعجم القضائي الإيراني لا يتضمن مصطلحات تعبر عن اتهامات تحمل طابعا دينيا، مثل «ذنب» و«جناح»، اللتين تعنيان «الذنب» باللغتين العربية والفارسية. ورغم أن الأمر يستحق التوبيخ واللوم، لا يعد النظام القضائي الإيراني ارتكاب «ذنب»، بالمعنى الديني، جريمة تستحق المساءلة أمام القضاء. أما بالنسبة للتشريع المقترح، فلا يمكن استخدامه إلا في وصف جريمة سياسية باعتبارها تجاوزا بسيطا. وبما أن العقاب يجب أن يتناسب مع الجريمة المرتكبة، فإن القانون المقترح لا يمكن أن يطالب بإعدام أولئك الذين يعتنقون أفكارا وآراء تختلف عن تلك التي يؤمن بها «المرشد الأعلى». وهذا هو ما دفع المرشد الأعلى، علي خامنئي، للتعليق على تلك القضية بطريقة غير مباشرة عندما ذكر في خطابه الأخير أن «معارضة سلطة الثورة» ينبغي أن تعد «ذنبا لا يغتفر». أما المصطلح الذي استخدمه «ذنب لا يغتفر»، فهو لغو ديني يشير إلى خطيئة الشرك بالله. وعليه، فموقف خامنئي يبدو في تناقض مباشر مع القانون الإيراني بشكل عام، والشريعة الإسلامية بشكل خاص، حيث استخدم مفهوم «الذنب الذي لا يغتفر» في غير موضعه. الأسوأ من ذلك، أن موقف خامنئي يتناقض أيضا مع دستور الجمهورية الإسلامية، الذي تنص المادة 168 فيه على أن «الجرائم السياسية والإعلامية» يجب أن يجري الحكم فيها من قبل هيئة محلفين. وتضيف المادة أنه «سيجري تعريف (الجريمة السياسية) في الدستور». لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أنه لم يجر تعريف «الجريمة السياسية» حتى الآن، كما لم يخبرنا أحد كيف سيجري اختيار هيئة المحلفين الذين سينظر أمامهم ذلك النوع من الجرائم. ومع ذلك، يبدو أن الأمر الوحيد الذي أوضحه نص المادة 168 ضمنيا هو أنه لم لا يمكن اعتبار جريمة سياسية أنها «ذنب لا يغتفر». وفي حالة نجح خامنئي في مساواة التجاوزات السياسية بـ«الذنب الذي لا يغتفر»، فلن تكون هناك حاجة لوضع قانون جديد، فأي شخص يختلف في الرأي معه سيكون مصيره الإعدام. وقد شهد الاتحاد السوفياتي نسخة من تطبيق مسألة «الذنب الذي لا يغتفر» في وقت ما يمكن تسميته «عبادة شخصية ستالين»، وظهر ذلك بشكل واضح في محاكمات موسكو سيئة السمعة وعمليات الإعدام الجماعية. ويواجه فقهاء القانون الإيراني مشكلة أخرى، وهي أن مفهوم هيئة المحلفين غير معروف في الشريعة الإسلامية، وجرى إقحامها في الدستور لخداع مجتمع الطبقة المتوسطة في الغرب. أما في نظام المحاكمات الخمينية، فهناك قاض واحد يصدر الأحكام ويتحدث بأسلوب صارم ولا يجوز الطعن على قراراته. (الطعن مسموح به فقط في حالة إذا كانت قضيتك ترجع أحداثا إلى أيام حكم الشاه). أما السؤال الأهم الذي يواجه إيران، فليست له علاقة بماهية وتعريف «الجريمة السياسية». ويتعلق ذلك السؤال بما إذا كانت إيران - كمجتمع يطمح بالفعل إلى الدخول في عصر الحداثة - يمكن أن تستمر في التعايش مع نظام قانوني قديم مليء بالتناقضات. هذا سؤال سياسي، لكن طرحه ربما يكون «ذنبا لا يغتفر» حسب معتقدات «المرشد الأعلى» للثورة الإيرانية.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرشد الأعلى «ذنب لا يغتفر» المرشد الأعلى «ذنب لا يغتفر»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab