بريطانيا وفرنسا قصة انتخابين

بريطانيا وفرنسا: قصة انتخابين

بريطانيا وفرنسا: قصة انتخابين

 العرب اليوم -

بريطانيا وفرنسا قصة انتخابين

بقلم : أمير طاهري

في كتابه «قصة مدينتين»، يستعين الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز بالثورة الفرنسية خلفيةً للادعاء - الذي لم يُصرح به علناً قط - بتفوق النظام السياسي البريطاني. إليكم دولتين أوروبيتين تقتسمان أصولهما إلى اليونان القديمة وروما، ونشأتا في أحضان الثقافة المسيحية. مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالسياسة، فإنهما تتصرفان على طرفي النقيض من الطيف.

الدرس الذي يُفترض أن يتلقاه القارئ من رواية ديكنز أنَّ الخلفية التاريخية المشتركة والتقاليد الدينية ليست ضمانة لتشابه الثقافة السياسية.

وسرعان ما ننتقل إلى الأسبوع الماضي، حيث أجرت بريطانيا وفرنسا انتخابات عامة. فالجارتان، الحليفتان لأكثر من قرن من الزمان، عضوان في حلف شمال الأطلسي منذ عام 1949، وعضوان في الاتحاد الأوروبي لعقود، قبل أن تراهن المملكة المتحدة بمستقبلها في الخروج البريطاني من الاتحاد.

اجتذبت الانتخابات العامة التي أجريت الأسبوع الماضي 60 في المائة من الناخبين المسجلين في بريطانيا و65 في المائة في فرنسا، وكانت نتائجهما مختلفة إلى حد كبير. ففي المملكة المتحدة، حصل حزب العمال المعارض على نحو 30 في المائة من الأصوات، لكنه فاز بـ414 مقعداً من مقاعد مجلس العموم البالغ عددها 650 مقعداً، وهو أكبر فوز لأي حزب منذ عام 1997. في الانتخابات السابقة عام 2019، عندما بلغت نسبة الإقبال على التصويت 67 في المائة، حصل الحزب على 32 في المائة من الأصوات، لكنه حصل على 202 مقعد فقط، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1935. بعبارة أخرى، فاز حزب العمال بضعف عدد المقاعد وبحصة أدنى من الأصوات.

لكن ما حدث في فرنسا كان مختلفاً. في الجولة الثانية الحاسمة، بلغت نسبة إقبال الناخبين 65 في المائة، وهي الأعلى منذ عقود. وحصل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على 37 في المائة من الأصوات، وهو أعلى مما حصل عليه حزب العمال في المملكة المتحدة، لكن التجمع الوطني فاز فقط بـ143 مقعداً من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية الفرنسية. وحصل الائتلاف اليساري للجبهة الشعبية الجديدة على 180 مقعداً بنسبة 26 في المائة من الأصوات. وتطالب الجبهة الشعبية الجديدة - التي تحتل المرتبة الأولى في عدد المقاعد - بحق تعيين رئيس الوزراء وتشكيل حكومة.

بعبارة أخرى، في كل من بريطانيا وفرنسا قد تحصل على نحو أو حتى أقل من 30 في المائة من الأصوات، ومع ذلك تؤمن لنفسك فرصة لتشكيل الحكومة.

الانتخابات التي يمكن إجراؤها، وفق العديد من القواعد المختلفة، هي إحدى طرق تشكيل الإدارة اللازمة للاضطلاع بتلك المهام. المهم أن جميع المشاركين فيها، بمن في ذلك الخاسرون، يعرفون ويقبلون قواعد العمل. كانت هذه الحال في كل من بريطانيا وفرنسا، حتى عندما لم يكن لغالبية السكان البالغين، بمن في ذلك النساء، الحق في التصويت. واليوم أصبح هذا الإجماع أقوى من أي وقت مضى.

في بريطانيا، يحتاج نظام الحزبين إلى الإصلاح لسببين: أولاً، لا بد من إعادة النظر في التمثيل المفرط لأسكوتلندا في عدد المقاعد. وبعد ذلك، يمكن لحصة من التمثيل النسبي أن تقلص الفجوة بين النسبة المئوية للأصوات المُحتسبة لقاء عدد المقاعد المخصصة. ففي عام 1997، وعد توني بلير باتخاذ إجراءات بشأن هاتين القضيتين، لكنه تراجع عن ذلك.

قد تشهد فرنسا بضعة أسابيع، وربما أشهراً، من المساومات والمداولات قبل تشكيل حكومة جديدة. وباعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تتمتع بنظام رئاسي - حيث يُعامل البرلمان غالباً باعتباره سلطة من الدرجة الثانية - فإن فرنسا تحتاج لأن تكون أكثر «أوروبية»، مما يعني ضرورة تطوير نظام سياسي يُنظر فيه إلى تشكيل التحالفات باعتباره فناً، وليس مجرد هفوة أو حتى خطيئة.

لكن الجمهورية الفرنسية الرابعة لم تكن الكارثة المُلِمة المزعومة. ومن المؤكد أن حكومات الجمهورية الرابعة لم تدم طويلاً، لكن الديمقراطية الفرنسية واصلت تعميق جذورها؛ فقد نجحت الجمهورية الرابعة في تضميد جراح الحرب العالمية الثانية، وأنهت مطاردة «المتعاونين»، وأعادت حكم القانون عوضاً عن الانتقام.

وفي ظل الجمهورية الرابعة، انضمت فرنسا إلى حلف شمال الأطلسي، وحافظت على موقفها الذي يتمتع بحق النقض في مجلس الأمن الدولي، وحققت المصالحة مع ألمانيا بعد قرن من العداء والكراهية، ووضعت الأسس للسوق الأوروبية المشتركة، التي تحولت في وقت لاحق إلى الاتحاد الأوروبي. وفي غضون عقد واحد فقط، عادت إلى الظهور لاعباً كبيراً على الساحة الدولية باعتبارها قوة صناعية وعلمية وثقافية كبرى، وثالث أكبر مُصدّر للأسلحة الحديثة في العالم. على عكس الجمهورية الخامسة التي تعتبر السياسة فن الإجماع إن لم يكن التماثل، تعلمت الجمهورية الرابعة فن الوحدة في التنوع.

في ظل الديمقراطية، تكون السياسة أشبه بمطبخ فوضوي صاخب وقذر في كثير من الأحيان، ورغم ذلك فإنه يُنتج الأطباق التي، إن لم تكن دائماً شهية المذاق، فإنها تُحافظ على صحة المجتمع.

arabstoday

GMT 05:18 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أمة الرواد والمشردين

GMT 05:16 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

يوليو جمال عبد الناصر وأنور السادات

GMT 05:15 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

المسلمون والإسلاميون في الغرب

GMT 05:13 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

في مدح الكرم

GMT 05:12 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

إنها أزمة مصطلحات!

GMT 05:10 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أميركا واختبار «الديمقراطية الجندرية»

GMT 04:33 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

لبنان بين حربي 2006 و2024

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا وفرنسا قصة انتخابين بريطانيا وفرنسا قصة انتخابين



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:07 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

غارة إسرائيلية على أطراف بلدة مركبا فى لبنان

GMT 16:01 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

ارتفاع التضخم في أمريكا خلال يونيو الماضي

GMT 13:19 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

محمد ممدوح يكشف عن مهنته قبل التمثيل

GMT 13:16 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

عمرو سعد يكشف تفاصيل عودته الى السينما
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab