بقلم - أمير طاهري
«أعظم إنجاز لثورة الإمام الخميني الإسلامية!»... هكذا قالت صحيفة «كيهان» اليومية في طهران، التي يُعتقد أنها تعكس وجهات نظر «المرشد الأعلى» علي خامنئي، لوصف ما تسميها «جبهة المقاومة» بقيادة إيران.
لا تذكر افتتاحية الصحيفة سبب تناول القضية المثيرة للجدل في هذا التوقيت. وقد يكون أحد الأسباب المحتملة هو الجدل من وراء الكواليس حول الحاجة إلى مراجعة السياسة التي كلفت إيران مليارات الدولارات عبر العقود الماضية.
ومع مواجهة طهران مشكلة سيولة خطيرة، اقترحت حكومة الرئيس الأسبق روحاني تقليص ميزانية «المقاومة» بنحو 10% في السنة الإيرانية المقبلة التي تبدأ في مارس (آذار) 2022. وكان من شأن التخفيض المذكور التأثير سلباً على مختلف أعضاء «الجبهة»، أي نظام الأسد في دمشق، والفصيل الحوثي في اليمن، والفرع اللبناني لـ«حزب الله»، والحشد الشعبي في العراق، وميليشيات شيعية أخرى هناك، بالإضافة إلى مقاتلي الهزارة الفاطميين الأفغان، في وقت يتعرضون فيه جميعهم للضغوط، وفقاً لصحيفة «كيهان».
تشير الافتتاحية إلى أن الجدل انتهى بانتصار المعارضين لتخفيض التدفق النقدي إلى «حلفاء» طهران الإقليميين. وتؤكد الصحيفة أن «إنشاء جبهة المقاومة والحفاظ عليها يشكل الاستثمار الأفضل الذي حققته الجمهورية الإسلامية».
وقد أعادت حكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي صياغة الميزانية لمنع أي تخفيضات في «تمويل المقاومة» التي يقوم بها «فيلق القدس» بقيادة اللواء إسماعيل قاآن.
ولا شك أن صانع القرار النهائي، كما في معظم الحالات الأخرى، كان «المرشد الأعلى»، الذي يعتقد أن بقاء نظامه يعتمد على بقاء الشبكة التي أنشأها الجنرال قاسم سليماني.
ونقلت افتتاحية الصحيفة عن خامنئي قوله: «(فيلق القدس) ليس مجرد قوة عسكرية أو أمنية أو استخبارية أو دبلوماسية أو اقتصادية أو خدمية عامة، بل هو كل ذلك في آن».
بعبارة أخرى، فإن «فيلق القدس» بمثابة حكومة «خارجية» لدول «جبهة المقاومة»، أي العراق ولبنان وسوريا واليمن، وبالطبع إيران نفسها.
وعرّجت الصحيفة على فكرة قديمة بإنشاء ما تسميها «مؤسسة» للإشراف على حوكمة الدول المعنية في ظل القيادة الإيرانية. وتشير إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي كنموذجين محتملين.
وبهذه الروح، نشر الجنرال سليماني وحدات من ميليشياته العراقية في محافظة خوزستان الإيرانية خلال أزمة الفيضانات العارمة كان يمكن أن تسفر عن ثورات مناهضة للنظام.
كما يدرب «فيلق القدس» عدداً غير معروف من مقاتلي «حزب الله» اللبناني على التحدث بالفارسية بُغية الانتشار الداخلي المحتمل، عند الحاجة، لحماية النظام من الثورات داخل إيران.
يشير الباحث رضا محمدي إلى أن خامنئي يعد «حزب الله» كالحرس الإمبراطوري المستعد للقتل والموت من أجله حتى لو تخلى عنه الحرس الثوري و«الباسيج».
قد تكون هذه مبالغة من جانب الباحث، ولكن افتتاحية «كيهان» تقول إنه من دون «جبهة المقاومة» لن تكون هناك إيران، وبالطبع لن يكون هناك العراق، ولا سوريا، ولا لبنان، أو اليمن. فالسيطرة على البلدان العربية الأربعة المذكورة جوهري لحماية الثورة الإسلامية.
كما تتباهى الصحيفة أيضاً بأنه «لم يغادر أحد جبهة المقاومة أو انضم إلى الجانب الآخر».
غير أن الصحيفة لا تحدد ماهية «الجانب الآخر»؛ «الشيطان الأميركي الأكبر» و«الشيطان الإسرائيلي الأصغر» وغيرهما من الأهداف الواضحة. لكن الافتتاحية اقتبست عن آية الله الخميني طرحه لطموحات أكبر بكثير: «لا بد من إنشاء حزب عالمي للمستضعفين وتقديم سبيل ثالث للبشرية بأسرها ما بين الشرق والغرب».
وعلى هذا الأساس أبرمت الجمهورية الإسلامية تحالفات مع الكثير من الجماعات غير المسلمة في جميع القارات، وأغلبها من اليسار.
في نفس السياق، كانت طهران تضخ الأموال والأسلحة إلى أنظمة فنزويلا ونيكاراغوا، وحتى وقت قريب، في زيمبابوي. كما أنها تحالفت مع جماعات مناهضة للحرب في أوروبا وأميركا الشمالية، في الوقت الذي تموّل فيه الكثير من السياسيين والمشاهير غير المسلمين في الشرق الأوسط.
كما أن التنظيمات الفلسطينية غير الشيعية مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي» على جدول رواتب «جبهة المقاومة» منذ عقود.
ومع معاناة إيران من أسوأ أزمة مالية واجهتها، ربما يتصور المرء أن تخفيض ميزانية «تصدير الثورة» الذي اقترحه روحاني كان ليمر مرور الكرام من دون معارضة.
ولكننا نعلم الآن أن «المرشد الأعلى» مستعد لسحب الخبز من أيدي الشعب الإيراني حتى يستطيع مواصلة تسمين بشار الأسد وحسن نصر الله وعشرات الشخصيات الأخرى «المعروضة للبيع» في مختلف أنحاء العالم.
وحتى يتمكن خامنئي من بلوغ غايته فهو يعوّل على الرئيس جوزيف بايدن في تخفيف بعض العقوبات التي فرضها سلفه دونالد ترمب.
وقد طرح المفاوضون الإيرانيون اقتراحاً من 35 صفحة في وقت سابق من الشهر الجاري في محادثات فيينا مع مجموعة (5+1) يعكس حاجة طهران للأموال بقدر من التفصيل.
وهذا يستند لصيغة اقترحها في البداية وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، خلال محادثات مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان قبل 3 سنوات تقريباً. وقدّر ظريف حاجة إيران لما لا يقل عن 60 مليار دولار سنوياً لدفع رواتب الأفراد العسكريين والأمنيين، والمحافظة على صمود «جبهة المقاومة»، والاستمرار في «تصدير» الثورة.
في ذلك الوقت، رفض خامنئي الصيغة بوصفها خدعة من «فتيان نيويورك» لإضعاف «جبهة المقاومة». ثم تبناها الآن كسياسة أساسية في محادثات فيينا، بينما يضاعف فريق إبراهيم رئيسي من الإشارات بالاستعداد إلى تقديم المزيد من التنازلات في وقت لاحق.
يطالب خامنئي مجموعة (5+1) بإيداع 3 مليارات دولار شهرياً في بنك ألماني، ومليار دولار إضافي شهرياً في بنك فرنسي من الأصول الإيرانية المجمدة، مع السماح لإيران بزيادة صادرات النفط إلى 2.5 مليون برميل يومياً. واعتماداً على سعر النفط الخام، فكل ذلك يمكن أن يوفر لخامنئي دخلاً إضافياً بنحو 80 مليار دولار، أي أعلى مما تتصوره صيغة «ظريف - لودريان».
إذ إن التنازل الكبير الذي تطرحه صيغة خامنئي يتمثل في إخضاع الترتيب المذكور لحدود زمنية متفق عليها بين الطرفين. وهذا من شأنه منح مجموعة (5+1) المقدرة على إغلاق الصنبور النقدي مع نهاية إطار زمني متفق عليه.
كثيراً ما تحدث خامنئي عن «المرونة البطولية»، العبارة التي يستشهد بها للتغطية على الهزيمة أو الانسحاب أو التقهقر كلما لزم الأمر. وبالتالي فقد صمد نظامه على حافة الهاوية لعقود من الزمان. ووصفته بسيطة للغاية: «الحياة يوما بيوم، فإن لم تتمكن من تصدير النفط، فتأكد من مواصلة تصدير الثورة». يمكن لنظام الخميني الاستمرار من دون تصدير النفط، لكنه لا يستطيع المواصلة إذا توقف تصدير الثورة.
وبالتالي، فإن مجموعة (5+1)، عن علم أو عن جهل، تنتهج نهجاً خاطئاً تماماً عند السعي للوصول إلى اتفاق بشأن كمية النفط التي يمكن لإيران تصديرها أو تحديد حجم اليورانيوم الذي يمكنها تخصيبه.