أوروبا الخوف من الفيل وقائده

أوروبا: الخوف من الفيل وقائده

أوروبا: الخوف من الفيل وقائده

 العرب اليوم -

أوروبا الخوف من الفيل وقائده

بقلم - أمير طاهري

في أثناء القمة الأخيرة لزعماء الاتحاد الأوروبي في باريس حول أوكرانيا، كان هناك ما يمكن وصفه بـ«فيل داخل الغرفة»، أو مشكلة كبرى يعمد الجميع إلى تجاهلها: الحزب الجمهوري الأميركي وزعيمه الحالي دونالد ترمب.

وطبقاً لما أفاده مَن تمكنوا من اختلاس النظر إلى وقائع القمة، دار الكثير من النقاش حول ما ستفعله الولايات المتحدة، أو لن تفعله، حال امتطاء قائد الأفيال صاحب المزاج المتقلب فيله باتجاه البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وركزت النقاشات بدرجة كبيرة على تأملات ترمب بخصوص إنهاء الحرب في أوكرانيا وتهدئة فلاديمير بوتين من دون حرب، وتعليقه الساخر الذي أعلن فيه رفضه دعم دولة عضو في حلف «الناتو» لا تدفع حصتها، إذا هاجمتها روسيا. وبعد ذلك، جاءت قنبلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن نشر قوات على الأرض في أوكرانيا.

وجاء ما دار في القمة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وحضرها وزير الخارجية البريطاني اللورد كاميرون، أشبه بالحديث العام، وليس وضع استراتيجيات جادة من جانب رجال دولة ناضجين.

وكان الافتراض الأول الذي قامت عليه المحادثات أن ترمب، بعد أن اجتاز حقل الألغام القضائي الذي دبره خصومه ضده، وخرج من الثلاثاء الكبير فائزاً، ضمن بالفعل ترشيح الحزب الجمهوري ـ الأمر الذي ربما يتحقق بالفعل. ومع ذلك، فإن الحكمة تقتضي في ظل الوضع الحالي للسياسة الأميركية ألا نغفل الأشياء التي يتعذر تقديرها. وتمثل افتراض آخر قامت عليه المحادثات الأوروبية في أن ترمب سيهزم جو بايدن الذي يفترض أنه مرشح الحزب الديمقراطي. أما الافتراض الثالث، والذي تحيطه الشكوك، فيدور حول فكرة أن الجالس بالبيت الأبيض «أقوى رجل» على وجه الأرض، وقبطان قادر على تحويل دفة سفينة الدولة الأميركية العملاقة.

ويذكرني هذا ببعض الملاحظات التي أبداها جورج شولتز، الذي يعد أحد أكثر رجال الدولة حكمة في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. يرى شولتز أن الافتراض العام بأن الرئيس الأميركي قادر على فعل ما يريد، مجرد افتراض مضلل. وعبر عن اعتقاده أنه في واشنطن لا يجري حسم أي أمر مرة واحدة وإلى الأبد، وإنما تبدو كل قضية أشبه بمعركة أبدية لا تنتهي إلا بنهاية أحد الطرفين. وفي خضم لعبة القوة هذه، يعد الرئيس عاملاً رئيسياً، لكنه ليس اللاعب الحاسم الوحيد بأي حال من الأحوال. الأهم أنه رغم تمتع الولايات المتحدة بقوة هائلة، فإنه لا يُسمح للرئيس أبداً باستخدام أكثر من نسبة صغيرة من هذه القوة. وبصفته قبطان السفينة، بمقدور الرئيس تعديل السرعة قليلاً، وإضافة أو حذف من قائمة المرافئ التي تتوقف عندها السفينة، واختيار الموسيقى وقائمة الطعام اليومية.

قد يستنتج أصحاب نظريات المؤامرة من ذلك أن هناك «دولة عميقة» تدير «القوة العظمى الوحيدة الباقية»، أو «الدولة التي لا غنى عنها». وهم على حق، لكنهم مخطئون في الاعتقاد بأن «الدولة العميقة» تتكون من «شبكة صناعية - عسكرية»، مثلما اعتقد دوايت أيزنهاور، أو من «وول ستريت وبارونات الإعلام».

وجدير بالذكر هنا أن فكرة «الدولة العميقة» طرحها الفيلسوف توماس هوبز، في القرن السابع عشر، وأطلق عليها اسم «وحش لوياثان». ومن وجهة نظر هوبز، فإن هذا «الوحش البارد» يشكل الدولة المثالية التي يرأسها حاكم مطلق. وإذا نحّينا جانباً عبارتي «الدولة المثالية» و«الحاكم المطلق» بوصفهما أوهاماً أدبية أكثر من كونهما من المفاهيم السياسية، فإننا نرى «وحش لوياثان» بوصفه واقع دولة اهتمامها الرئيسي وأولويتها القصوى تكمن في الحفاظ على الذات. عندما تتحرك هذه الدولة العميقة، فإن تَحركها ذلك يصب في مصلحتها بشكل صارم، ومبررها الأخلاقي يتمحور حول قدرتها على منع وضع «الجميع ضد الجميع»، وتفشي قانون الغاب. وبالعودة إلى الموضوع الأصلي: لا يستطيع أي رئيس للولايات المتحدة أن يفعل شيئاً من دون الحصول على موافقة ضمنية على الأقل من «الوحش البارد».

وفي مكالمة هاتفية، الأسبوع الماضي، أخبرني صديق يعمل مصرفياً في نيويورك، إنه يتساءل: كيف لم يترد الاقتصاد الأميركي «على نحو سيئ للغاية» في ظل رئيس طاعن في السن يعاني مشكلات في التركيز؟ وتساءل صديق آخر من فلوريدا: لماذا اتخذ بايدن ما يقرب من 100 إجراء بخصوص الهجرة أكثر مما اتخذه ترمب خلال فترة رئاسته التي استمرت أربع سنوات (535 مقابل 472)؟ وحتى ذلك الحين، فإن الرقم القياسي لمعدلات طرد المهاجرين غير النظاميين لا يزال من نصيب الرئيس باراك أوباما.

سؤال آخر: لماذا فشل بايدن في إلغاء نهج ترمب العدائي المفترض تجاه ما يطلق عليه «الاحتباس الحراري»، بينما في الواقع لا يعدو كونه سياسة زائفة «لإنقاذ الكوكب». ورغم الغضب الشديد من قرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، تجاهل بايدن مطالبة أنصاره الداعمين لفلسطين له بالتراجع العاجل عن القرار. وحتى عندما لم تكن هناك حرب في أوكرانيا، حث ترمب أعضاء «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي، وفعل الشيء نفسه داخل الولايات المتحدة. وسار بايدن على النهج ذاته، وإن كان على نحو أقل وضوحاً.

على أي حال، تظل الحقيقة أن فترة الولاية الرئاسية الأميركية أقصر من أن تسمح بإجراء تغييرات استراتيجية في المسار على أصعدة رئيسية من السياسة. ولنفترض أن ترمب فاز بالرئاسة في نوفمبر المقبل، فإنه سيتعين عليه الانتظار أكثر من شهرين قبل أن يؤدي اليمين. وبعد ذلك، سيقضي أشهراً في تشكيل حكومته والحصول على موافقة الكونغرس على أفراد الفريق المعاون له. وبمجرد انتهاء عامه الأول ونجاحه في تحديد سرعته، سيتعين عليه الاهتمام بانتخابات التجديد النصفي قبل أن يدخل في عامه الأخير من الرئاسة ويصبح «بطة عرجاء».

الأسوأ من ذلك، أنه باستثناء أيزنهاور، اضطر جميع رؤساء الولايات المتحدة تقريباً منذ هاري ترومان إلى التعامل مع قضايا مختلفة شتت انتباههم. مثلاً، خاض ترومان الحرب الكورية، بينما تورط جون كينيدي وليندون جونسون في فيتنام. أما ريتشارد نيكسون فانتهت به الحال إلى فضيحة «ووترغيت»، وواجه جيرالد فورد فضيحة «ماياغز» وتداعيات الحرب إلى كمبوديا. أما جيمي كارتر فوجد نفسه في مواجهة أزمة «رهائن طهران»، ودخل رونالد ريغان إلى حقل ألغام فضيحة «إيران غيت». أما فترة ولاية جورج دبليو إتش بوش، فهيمنت عليها حرب طرد القوات العراقية من الكويت، بينما انهمك بيل كلينتون في التعامل مع الفضيحة الجنسية التي عصفت به وإجراءات عزله. وبالمثل، استنزفت الحرب في أفغانستان والحرب الثانية في العراق جزءاً كبيراً من رئاسة جورج دبليو بوش.

في الواقع، يبدو اعتقاد ماكرون بأن التغيير في الرئاسة الأميركية قد يعني تغييراً استراتيجياً في السياسات العالمية الأميركية، من بقايا الثقافة الملكية التي، حتى بعد قطع رأس الملك، لا تزال تهيمن على التحليل السياسي الفرنسي.

الحقيقة أن الكراهية الأوروبية لشخص دونالد ترمب، الذي يطالب الآخرين بعدم التعامل مع الولايات المتحدة بوصفها مجرد «خدمة غرف» يمكن الحصول على خدماتها بضغطة زر، تثير الفزع داخل الكثير من الأماكن داخل باريس وبرلين وغيرهما.

ولذلك، يفضل كثير من الأوروبيين رؤية الحمار الديمقراطي، بدلاً من الفيل الجمهوري داخل الغرفة. وتغيب عنهم حقيقة أن الغائب الحاضر في الغرفة ليس الفيل ولا الحمار، وإنما «وحش لوياثان».

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا الخوف من الفيل وقائده أوروبا الخوف من الفيل وقائده



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab