اختبارات ومحن مراسل أجنبي

اختبارات ومحن مراسل أجنبي

اختبارات ومحن مراسل أجنبي

 العرب اليوم -

اختبارات ومحن مراسل أجنبي

بقلم - أمير طاهري

مع تنامي أول أصوات الحرب من أوروبا، قرر رئيس تحرير إحدى الصحف الأميركية الكبرى إرسال مراسل إلى القارة العجوز لمعرفة ما يجري. كان يرغب في الاستعانة بـ«أفضل وأذكى ما لدينا» لهذه المهمة، وبالفعل وجد ذلك في جون جونز، الأمر الذي أثار غيرة المراسلين الأكبر سناً والأكثر خبرة.

هذا المشهد الافتتاحي لفيلم «المراسل الأجنبي» لألفريد هيتشكوك الصادر عام 1940، والذي تميز بسرعة وتيرة أحداثه، مع جويل ماكراي في دور البطولة. المؤكد أن فكرة أنك بحاجة إلى أفضل وألمع ما لديك من عناصر صحافية للعمل مراسلاً أجنبياً، كانت قائمة قبل أن يقف ماكراي أمام كاميرا هيتشكوك، ولا تزال مستمرة منذ ذلك الحين.

ومع ذلك، فإن العمل مراسلاً أجنبياً لم يكن يعني الاضطلاع بالدور المثير الساحر والخالي من المخاطر الذي يصوره الفيلم القديم. واليوم على وجه الخصوص، لم تعد هذه الوظيفة خالية من المخاطر، بل يمكن أن تفضي بصاحبها، في حالات كثيرة، إلى الموت. وتكشف الأرقام عن أنه منذ عام 1991، لقي أكثر عن 2.600 صحافي مصرعه في أثناء أداء واجبهم المهني، إذا جاز التعبير.

ونستشهد هنا بعام 1991 تحديداً؛ لأنه شهد في نهايته إطلاق سراح أحد أشهر المراسلين الأجانب، تيري أندرسون، من وكالة «أسوشييتد برس»، بعد قضائه 2.454 يوماً قيد الاحتجاز رهينة لدى جماعة «حزب الله» في بيروت. وشاءت الصدفة أن يتوفى أندرسون عن 76 عاماً، الأسبوع الماضي، قبل أيام قلائل من اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو (أيار).

ومرة أخرى، شاءت الصدفة أن يغادر أندرسون دنيانا بعد يوم واحد فقط من وفاة الدبلوماسي الإيطالي جياندومينيكو بيكو، مفاوض الأمم المتحدة المعني بالرهائن، والذي ساعد في ترتيبات إطلاق سراحه، عن عمر يناهز 75 عاماً.

جدير بالذكر أنه في الثمانينات، ربما كان العمل من داخل العاصمة اللبنانية بيروت أخطر مهمة يطمح إليها المراسلون ذوو القلوب الجريئة. كان لبنان قصة داخل قصة، أو حتى قصة ضمن عدة قصص، مثل «دمى الماتريوشكا» الروسية. كانت هناك توترات، وفي بعض الأحيان، حروب بين الطوائف المختلفة. وتحول الأمر بعد ذلك إلى توترات وصراعات داخل كل طائفة. وما زاد الأمور تعقيداً، تدخل عشرات القوى الأجنبية، بما في ذلك الدول الكبيرة مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وقوى أخرى طامحة، مثل ليبيا بقيادة العقيد معمر القذافي، وملالي إيران الخمينيين، والفاتيكان، والإسرائيليين، وبالطبع القوات السورية تحت قيادة حافظ الأسد، ناهيك عن وكلاء محليين.

وبطبيعة الحال، لم تكن تغطية ما فعلته كل هذه العناصر مهمة سهلة. وهنا، كان الخطر البسيط أنهم سيعاملونك مثل الفطر، ويبقونك في الظلام ويمدونك بالهراء. إلا أنه كانت هناك مخاطر أكبر، بما في ذلك الوقوع في مرمى النيران أو التعرض لاستهداف بالاغتيال، كما حدث مع العديد من الصحافيين اللبنانيين. وحمل دخول الملالي الخمينيين إلى حلبة اللعبة اللبنانية معه خطراً جديداً؛ فقد جرى احتجاز الصحافيين رهائن، واستغلالهم ورقةَ مساومة أمام «الشيطان الأميركي الأكبر»، ورفاقه الأصغر حجماً من الفرنسيين والبريطانيين.

من جهته، حذر أحد الملالي الإيرانيين وهو أكبر محتشمي بور، المسؤول عن إدارة الشبكات الداعمة لطهران في دمشق وبيروت، من أنه سيستخدم «أي أسلوب على الإطلاق» لتحقيق أهداف الثورة الخمينية. وتضمن ذلك احتجاز الرهائن ـ ابتكار حوّل أندرسون والعديد من الصحافيين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين وعمال الإغاثة والقساوسة ورجال الأعمال إلى أسرى لدى «حزب الله».

وجرى القبض على أندرسون، في أحد أيام السبت، بعد مباراة تنس مع مصور وكالة «أسوشييتد برس»، دون ميل. وقضى مراسل «أسوشييتد برس» السنوات السبع التالية في كثير من الأحيان في الظلام، وتعرض للضرب المبرح، وجرى تقييده بالسلاسل، وذلك لرغبة آسريه في أن يعترف بأنه جاسوس لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه).

ولم يعلم آسروه أنه عبر أمر تنفيذي صدر عام 1977، حظر الرئيس جيمي كارتر، بناءً على جهود من قبل «الجمعية الأميركية لمحرري الأخبار»، الاستعانة بالصحافيين بوصفهم عملاء أو مخبرين. كما أنهم لم يعلموا أن المراسلين الحقيقيين نادراً ما يتبين أنهم بارعون في التجسس؛ لأن الرغبة تتملكهم في إخبار الجميع على الفور بما اكتشفوه.

ربما يتشابه عمل المراسل وعمل الجاسوس، بالنظر إلى أن كليهما يجمع معلومات، لكن الجاسوس لديه عدد قليل من القراء الذين قد يعرفهم، بينما لدى المراسل عدد لا يحصى من القراء الذين لا يعرفهم.

ولا يرغب أي مراسل حقيقي في أن يرى تقريره يتحول إلى رسالة في زجاجة يجري إلقاؤها في البحر، على أمل أن يجدها شخص ما ويقرأها.

بالتأكيد هناك صحافيون يعملون جواسيس. على سبيل المثال، تناول الكاتب فنسنت جوفير، في كتابه الرائع «بيع لموسكو» والذي، من قبيل الصدفة مرة أخرى، صدر بالأسواق قبل أيام قليلة من وفاة أندرسون، قصة مجموعة من الصحافيين عملوا جواسيس. ومع ذلك، فإنهم جميعاً، بمن فيهم محررو صحيفتين أسبوعيتين كبيرتين، كانوا صحافيين مكتبيين، وليسوا مراسلين ميدانيين، وباعوا المعلومات التي جمعوها بسهولة من داخل أروقة السلطة في باريس مقابل المال.

إن الملالي الذين جنوا بالفعل فوائد من احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين رهائن في طهران، استمروا في حلب ذات البقرة في بيروت كذلك. وباستخدام الرهائن الأميركيين، وبينهم أندرسون الذي كان يتمتع بأعلى مكانة بين أوراق المساومة، أقنعوا الرئيس رونالد ريغان بالموافقة على سيناريو معقد لتهريب الأسلحة، لمساعدة إيران في حربها ضد العراق تحت قيادة صدام حسين. وأسفر المخطط عن فضيحة «إيران كونترا» التي عصفت بإدارة ريغان.

وأثمرت «الصفقة» عن إطلاق سراح أندرسون والرهائن الأميركيين الذين لم يموتوا في الأسر. وكما تنبأ محتشمي بور، فإن احتجاز الرهائن، إلى جانب التفجيرات الانتحارية، أصبحا «سلاحين مهمين للضعفاء في مواجهة أعداء أقوياء». أما النسخة الراهنة من هذا السيناريو، فيجري عرضها على خشبة المسرح في غزة، حيث يجري استخدام الرهائن كسلاح «حماس» الرئيس في وجه إسرائيل.

من جهته، كثيراً ما ادعى أندرسون أن نجاته من محنته، تعود في جزء منها إلى التدريب الذي خاضه في مراهقته، بوصفه جندياً في مشاة البحرية الأميركية، وخدمته في فيتنام لاحقاً. وفي المرات القليلة التي التقيته بها، قال أندرسون إنه لا يكنّ أي ضغينة تجاه سجانيه، وفي محاولته للحفاظ على رباطة جأشه وثباته، تظاهر بأنه لم يتعرض لأي عواقب مؤذية. ومع ذلك، كشفت الأدلة المقدمة في إطار دعوى قضائية ضد إيران، بوصفها المتحكم النهائي في «حزب الله»، عن أن أندرسون ظل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة.

وبالفعل، حكمت المحكمة لصالحه بمبلغ 26 مليون دولار، من الأصول الإيرانية المجمدة. من جهته، أنفق أندرسون الكثير من الأموال على القضايا الخيرية، بما في ذلك حماية الصحافيين ومساعدة الأطفال في فيتنام.

كما ألّف كتاباً عن محنته بعنوان «عرين الأسود: مذكرات سبع سنوات»، والذي افتقد إلى الإثارة، وأثبت مرة أخرى أن إعداد التقارير الصحافية من الميدان شيء، وتأليف الكتب شيء آخر تماماً.

أما دون ميل، الذي أطلق «حزب الله» سراحه سريعاً، فقد اتخذ قراراً، ربما يكون حكيماً، بأن العمل مصوراً ميدانياً لصالح «أسوشييتد برس»، رغم كونه مفعماً بالإثارة، لا يستحق المخاطرة بالوقوع في الأسر مرة أخرى. لذلك، تقاعد من العمل الإخباري، ليصبح رجلاً ثرياً بمجال التمويل؛ أمر لا يمكن لأي مراسل أن يحلم به.

وبعد سنوات، وجّه ميل سؤالاً إلى حسن نصرالله، أمين عام «حزب الله»، عن سبب إطلاق سراحه بسرعة. وأجابه نصرالله متسائلاً: «هل تصطاد؟ إذا أمسكت بسمكة كبيرة، سترمي الأسماك الأخرى». وكان أندرسون «السمكة الكبيرة»، مثل أي مراسل صحافي أجنبي.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اختبارات ومحن مراسل أجنبي اختبارات ومحن مراسل أجنبي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab