دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية

دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية

دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية

 العرب اليوم -

دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية

أمير طاهري

 منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ألقى الرئيس السوري بشار الأسد ثلاثة خطابات رئيسية، وفي كل مرة كان المكان الذي يتم اختياره للخطاب يحمل دلالة رمزية ربما تكون غير مقصودة، حيث ألقى خطابه الأول في القاعة المزخرفة التي تحتضن اجتماعات مجلس الوزراء، ويشير هذا الاختيار إلى أن الرئيس قد تعامل مع الثورة التي كانت في مهدها بمدينة درعا على أنها مشكلة إدارية كبرى يجب أن تتعامل معها الحكومة عن طريق الوسائل التقليدية، وكان الأسد يتحدث بلهجة أبوية، إن لم تكن متعالية، حيث كان ينظر إلى الثورة على أنها قضية بسيطة ومحلية، نتجت عن سوء فهم البعض لسياسات حكومته المفيدة. وقسم الأسد القضية إلى ثلاثة أطراف، مصورا نفسه كحاكم بين المحتجين والحكومة، وأملى مجموعة من الإجراءات التي لا معنى لها، بينما كان الوزراء ينتبهون إلى كل كلمة بإخلاص شديد. وأقل ما يقال في هذا الشأن أن الأسد قد فشل في رؤية الطابع السياسي للثورة بشكل مذهل. وفي خطابه الثاني، جاء الأسد بأعضاء البرلمان السوري ليقوموا بدور المشاهدين وألقى خطابه في البرلمان، وهو ما يعني أنه قد بدأ يفهم أن ما يحدث لم يعد مشكلة إدارية فحسب. وبعد مقتل الآلاف وتشريد واعتقال المزيد، كان واضحا أن الأسد لن يتمكن من وضع حد لما يحدث، من خلال تلك الإجراءات البيروقراطية والوعود الجوفاء. ومع ذلك، أصر الأسد على أن ما يحدث لا يتعدى كونه تمردا من جانب أقلية صغيرة. ورغم فشل كل الجهود على مدار أشهر طويلة لسحق الثورة عن طريق القتل الجماعي والتدمير العشوائي، فإن الأسد ما زال مصرا على التشبث بتلك الطريقة الفاشلة. وكان المعلقون يفكرون في المكان الذي سيلقي من خلاله الأسد خطابه الثالث، حيث لم تعد قاعة مجلس الوزراء تصلح لهذا الغرض بعدما لم تعد سوريا تملك حكومة بمعناها التقليدي، إذ تغير رئيس الوزراء مرتين، وانشق رئيس وزراء آخر، وحدثت تغييرات وزارية بسبب الانشقاقات أو الاغتيالات، وهو ما حول مجلس الوزراء إلى قوقعة فارغة. واليوم، إذا جاز لنا أن نقول إن هناك حكومة في سوريا فإن هذه الحكومة تتكون من بشار الأسد وزوجته وشقيقه ووالدته. وعلاوة على ذلك، لم يعد البرلمان مناسبا لإلقاء الخطاب الرئاسي الثالث، حيث اختفى الكثير من الأعضاء والتحق آخرون بالمعارضة، في حين يبحث آخرون عن مأوى لهم في المنفى. وليس من الواضح ما إذا كان هذا البرلمان الذي فقد مصداقيته يمكنه استحضار النصاب القانوني لعقد جلسة عامة أم لا. ولذا، كان السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين يمكن للأسد أن يلقي خطابه الجديد؟ وقد ظل هذا السؤال يثير الكثير من التكهنات على مدار أسابيع طويلة. وبما أنه لم تتم رؤية الرئيس منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، كانت هناك بعض الشائعات بأنه قد فر إلى معقله العلوي أو أنه يختبئ في الجبال. ومع ذلك، كان مكان الخطاب الجديد مناسبا تماما، حيث قام الأسد بإلقاء الخطاب في دار الأوبرا السورية، التي كانت مغلقة منذ شهر مايو (أيار) الماضي بعدما شهدت آخر عرض لقائد الكورال الروسي فيكتور بابينكو. والسؤال الآن هو: هل كان الأسد يتابع ما يقوم به بابينكو في موسكو؟ هذا ليس سؤالا خياليا، لأن تحليل الأسد للوضع المزري في سوريا يحمل أصداء الدعاية الروسية، حيث ادعى أن ما يحدث في سوريا يقوم به إرهابيون ممولون ومسلحون من الغرب ودمى في يد الدول الغربية. وعلى هذا الأساس، لم يكن هناك داع للحديث مع هؤلاء المتمردين، ما دام أنه سيتحدث مع «محركيهم» في الغرب. ويرى بعض المحللين الغربيين أن رفض الأسد للانتقال السلمي يتم بإيعاز من روسيا، وأن أي حل لهذه المأساة في يد موسكو، وأنا أختلف تماما مع هذا الطرح، لأن روسيا لم تعد تملك نفس النفوذ الذي كان يملكه الاتحاد السوفياتي. واليوم، تعمل روسيا كقوة انتهازية، تريد أن تكون لها كلمة في شكل سوريا في المستقبل، ولكن من دون استثمار سياسي كبير. وحتى لو تخلت روسيا عن الأسد، فلن يستسلم ما لم يكن مقتنعا بأن اللعبة قد انتهت تماما بالنسبة له. في الواقع، يعد تحليل الأسد صورة طبق الأصل من الخطأ الذي وقع فيه المحللون الغربيون، فهو يقترح الدخول في مفاوضات مع الغرب، وتحديدا مع الولايات المتحدة، لأنه يعتقد، بشكل خاطئ، أن واشنطن هي التي تتحكم في الثورة السورية. ومع ذلك، وحتى لو طلبت واشنطن من المعارضة السورية أن تقبل الأسد بصورة ما، أشك في أن قطاعات رئيسية من المعارضة ستوافق على ذلك. وبنفس الطريقة، حتى لو طلبت موسكو من الأسد الرحيل، فمن غير المؤكد أن يقبل هو بذلك. إن الأزمة السورية لديها قوة دفع تلقائية بحيث لا تستطيع أي قوة خارجية، أو حتى مجموعة من القوى، وضع حد لها. مصير سوريا في يد السوريين أنفسهم، رغم أنه يمكن للجهات الخارجية أن تعمل على تقصير أمد هذه الأزمة المريرة من خلال تقديم دعم للثوار بشكل يكفي لمواجهة الآلة العسكرية للأسد. ومن المفارقات الغريبة أن الأسد نفسه قد يدفع القوى الغربية لهذا الاتجاه، بسبب رفضه لمحاولات جس النبض للدخول في مفاوضات مع المعارضة. كان الخطاب الذي ألقاه الأسد في دار الأوبرا السورية يحمل نبرة هزلية، ولكنه في حقيقة الأمر قد يؤدي إلى نتيجة مأساوية بالنسبة له. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab