«يوم المياه العالمي» والغفلة عن أصل حياتنا المادية

«يوم المياه العالمي».. والغفلة عن أصل حياتنا المادية

«يوم المياه العالمي».. والغفلة عن أصل حياتنا المادية

 العرب اليوم -

«يوم المياه العالمي» والغفلة عن أصل حياتنا المادية

زين العابدين الركابي

حدق في ما على مائدتك من صنوف الأطعمة والأشربة ثم سل نفسك سؤالا علميا: ما هو أهم ما على المائدة من المأكولات والمشروبات؟ إن أقل الناس ثقافة علمية سيجيب على عجل: إن أهم هذه الأشياء هو - بإطلاق - «الماء»!!!! لا غيره. لماذا؟ أولا: لأن هذه المطعومات والمشروبات كافة مصدرها الماء. ثانيا: لأن الجسم البشري معظمه ماء، 70 في المائة، وهي النسبة التي تتكون منها الكرة الأرضية. ثالثا: لأنه يستحيل تصور وجود كوكبنا الأرضي هذا من دون ماء، ومع أن هذه حقيقة علمية – وبدهية - فإن الناس كثيرا ما يغفلون عنها: إما لطول الإلف والاعتياد، وإما لأن «الثقافة العلمية» لم تأخذ حظها في عقول الناس وأدمغتهم.. ولنضرب مثلا قريب التذكر.. لقد خصصت الأمم المتحدة يوما في آخر مارس (آذار) من كل عام سمته «يوم المياه العالمي» وهو يوم يتزامن مع أيام أخرى في أواخر مارس من كل عام.. فهناك يوم المرأة العالمي «وإن كان في أوائل مارس».. ويوم الأم.. ويوم السعادة العالمي. ولقد وجدت هذه الأيام الثلاثة الأخيرة من يوليها اهتماما ملحوظا في وسائل الإعلام، والبرامج الثقافية والاجتماعية، بيد أن «يوم المياه العالمي» مر دون أن يكترث به مكترث، على الأقل في منطقتنا العربية هذه «المهددة بوجه خاص بالجدب والجفاف وتدني معدلات المياه الضرورية للحياة». إن المياه تساوي الحياة بلا ريب. ولقد اطردت الحاجة إلى المياه في التاريخ البشري كله.. ومن هنا لحظ أرنولد توينبي، مثلا، في كتابه «تاريخ البشرية» أن عدد الأنواع المنقرضة من الأحياء أكثر إلى درجة مذهلة من عدد الأنواع التي بقيت. ويعلل ذلك الانقراض بـ«الحرمان من المياه». صحيح أن هناك أسبابا أخرى للانقراض، بيد أنه مهما تعددت الأسباب، فإن فقدان الماء أحدها، وأهمها. ومن خلال هذه «الحاجة الشديدة» إلى الماء، خوطبت أقوام بدعوة التوحيد، المقترنة بنعمة الماء؛ فقد جرى على لسان نوح، عليه السلام: «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا». والأمر جد لا هزل فيه، حيث توالت تقارير المنظمات الدولية المختصة، محذرة ومنذرة بأن العالم سيواجه - عما قريب - كارثة دونها الكوارث الأخرى كافة، أي سيواجه «كارثة شح المياه». كما أنذرت بأن هذا الشح سيتسبب في اندلاع حروب إقليمية وعالمية طاحنة وطويلة الأمد. نحن غير مقتنعين بمقولة إن «التاريخ يعيد نفسه»، ومع ذلك فإن هناك تشابها في حوادثه ما بين الماضي والحاضر. إن ما حذرت منه المنظمات الدولية المختصة بخصوص نشوب حروب حول الماء، عبر عنه - من قبل - الشاعر العربي زهير ابن أبي سلمى، إذ دعا إلى التأهب للدفاع عن قطرة الماء فقال: ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم أشير - قبل قليل - إلى تقارير دراسات علمية تحذر بشدة من نشوب أزمة مائية عاتية: إقليمية وعالمية. وأمامنا الآن دراسة علمية موسعة – وموثقة - تحت عنوان «المياه في العالم العربي: آفاق واحتمالات المستقبل». صدرت هذه الدراسة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. ونشرت هذه الدراسة العالية الجدوى منذ ربع قرن تقريبا، إذ نشرت عام 1997. فهل استفاد منها العرب؟ لا لم يستفيدوا كعادتهم!! ولنضرب مثلين اثنين دالين على عدم الاستفادة. 1- المثل الأول: نهر النيل وإهمال شأنه حتى دخل المستفيدون منه - كمصر مثلا - في أزمة حقيقية.. في الدراسة الصادرة عن مركز الإمارات تنبيه قوي جدا إلى أن حصة مصر من مياه النيل قد تتعرض للتناقص بسبب إقامة سدود على الأنهار التي تصب في نهر النيل: كنهر النيل الأزرق، ولكن هذا التنبيه لم يتحول إلى سياسات مائية تحمي مصر من احتمالات مائية مرعبة في المستقبل، بدليل أنه بعد ذلك التنبيه، بسنوات كثيرة، قامت إثيوبيا ببناء «سد النهضة» على ذلك النهر الدفاق بالمياه.. ثم نشأت الأزمة المعروفة بين مصر وإثيوبيا حول القضية، ونأمل أن تنتهي إلى خير ونفع. وما كان لهذه الأزمة أن تنشأ أصلا أو تنشأ على نحو أقل حدة لو أخذ بـ«النصح العلمي المائي» الذي ورد في تلك الدراسة المهمة.. بل إنه قبل تلك الدراسة بعشرات السنين، ألف أحد علماء مصر كتابا كاملا عن النيل الأزرق: ماضيه وحاضره ومستقبله.. وفي الكتاب من المقترحات البناءة الحصيفة ما كان كفيلا - لو أخذ به - بحماية مصر من المفاجآت والزلازل المائية.. والعالم المشار إليه هو الدكتور عبد العزيز كامل (متخصص في جغرافيا الأنهار). وقد كان كتابه القيم عن النيل الأزرق عبارة عن رسالة «دكتوراه» حضرها في هذا المجال. 2- المثال الثاني: المياه في شبه الجزيرة العربية (هذا العنوان هو أحد فصول كتاب مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية). نقرأ في هذا الكتاب: «تؤدي التنمية الاقتصادية والزيادة السكانية في العالم إلى زيادة كبيرة في الطلب على موارد المياه القائمة. وتقلل من جودتها. وتبرز مشكلات إمدادات المياه كأوضح ما يكون في المناطق الجافة، خاصة في دول شبه الجزيرة العربية وهي: المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن.. وهذه الدول بصفة عامة تفتقر إلى وجود موارد سطحية للمياه يعتمد عليها، وتعمتد - أي هذه الدول - بالكامل على المياه الجوفية، وعلى تحلية المياه لتلبية احتياجاتها». ثم نقرأ في الكتاب نفسه: «وتشير التقديرات الواردة في دراسات ووثائق كثيرة إلى أن المتوسط السنوي لموارد المياه في المنطقة العربية هو 338 مترا مكعبا منها 296 مترا مكعبا مياها سطحية و42 مترا مكعبا مياها جوفية متجددة.. ويقدر الاستخدام الحالي من المياه بـ122 مترا مكعبا منها 140 مترا مكعبا من المياه السطحية. وقد يصل الطلب على المياه عام 2030 إلى 435 مترا مكعبا وبذلك تكون الفجوة نحو 100 متر مكعب». وبدهي أن الفجوة إلى اتساع ما لم ترسم استراتيجيات علمية فاعلة وجادة. ومن هذه الاستراتيجيات مثلا: 1- استراتيجية المسح الشامل لـ«الوجود المائي» حتى يكون تحت اليد والعين جميع الحقائق والأرقام الموثقة الدالة على كميات المياه الموجودة. 2- استراتيجية تنمية الموارد المائية كأساس ضروري لكل تنمية أخرى. 3- استراتيجية ترشيد استهلاك المياه في المجالات كافة: أ- مجال استهلاك الأفراد والأسر. ب- مجال استهلاك المؤسسات المدنية. ج- مجال الاستهلاك الزراعي. د- مجال الاستهلاك الصناعي. .... إلخ إلخ. وهذه تدابير ليست «ترفيها»، بل هي ضرورة لاستمرار الحياة، وبقاء الوجود.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«يوم المياه العالمي» والغفلة عن أصل حياتنا المادية «يوم المياه العالمي» والغفلة عن أصل حياتنا المادية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab