عندما يختفي الداخل

عندما يختفي الداخل

عندما يختفي الداخل

 العرب اليوم -

عندما يختفي الداخل

بقلم - مأمون فندي

ربما كانَ اختفاءُ الخارج هو الفكرةَ المعهودة في زمن العولمة، انكماش في الزمان أعطى إحساساً بقرب المكان فخلق حالة القرية الكونية، كانَ العالم كإطار السَّيارة في نسخته القديمة الذي يحوي أنبوبة داخلية تملأ بالهواء وإطاراً خارجياً خشناً يتحمل أعباء الطريق، ثم ظهرت فكرة الإطار المفرغ الذي لا يحتاج إلى أنبوبة داخلية، فأصبح الكل داخلياً وخارجياً في آن. اختفى الداخل، وكذلك تغيَّرت فكرة الخارج، فبدلاً من السفر إلى الخارج جاء الخارج إلينا. إلى هنا والأمر يكاد يكون واضحاً ومفهوماً، ولكنني هنا أطرح فكرة اختفاء الداخل بشكل مختلف.
اليوم نرى العالم من خلال نوافذ يطل بها الناس على بعضهم بعضاً من خلال الشاشات المختلفة التي تحمل إلينا عالماً افتراضياً، كله خارج فقط ومفرغ من الداخل، لا نعرف شيئاً عمن يحدثنا إلا ما هو معروض على الخلفية الخضراء التي تظهر عليها خلفيات افتراضية، ليس بداخلها شيء.
هذا الواقع الافتراضي الجديد والشبابيك المطلة على كل شيء وليس خلفها أي شيء، ومن دون دواخل لها تبعات على المجتمعات والدول والأفراد، إذن لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع إلا عندما ينزل هؤلاء من الشبابيك والتواصل على أرض الواقع، وبناء مجتمعاتهم على أساس قيم تعمل على الأرض وليس على الشاشات الزرقاء.
إذا كانت السياسة والاجتماع في الأصل تنطلق من المحلية، فلا يمكن بناء مجتمعات تعتمد على شبابيك تطل على خارج متخيل ومن دون داخل حقيقي يتفاعل فيه الناس على الأرض، معبرين عن آمالهم وآلامهم والبحث عن حلول لمشكلات حقيقية لا مشكلات العالم الافتراضى المتخيل.
ظاهرة الشبابيك المطلة على شوارع الوهم الخارجي تكاد تجتاح منطقتنا العربية وتفترس ما تبقى من قيم.
ظاهرة موت الداخل في الغرب، جاءت في مجتمعات تدرَّجت في الانتقال من عالم الشفاهة لتمكث أكثر من ثلاثة أو أربعة قرون في عالم الكتابة، ثم قرن ونصف القرن في عالم الطباعة، ونصف قرن أو أقل قليلاً في عالم السوفت وير والشاشات، وتراكمت خبرات كثيرة نتيجة لهذا التدرج في رؤية الخارج وعلاقته بالداخل.
أما عندنا، فقبل أن نتمكن من الطباعة على ما كان يسمى الآلة الكاتبة، عاد بنا الترانزستور والتلفزيون إلى العالم الشفوي مرة أخرى، أي تضاعف عالم الشفاهة الذي هربنا منه قليلاً من خلال الطباعة والكتابة، ولم نبقَ كثيراً في هذا العالم حتى هجمت علينا الشبابيك الافتراضية بحدود الإطلال منها في 140 حرفاً في «تويتر» أو صورة في «إنستغرام» أو بوست في «فيسبوك»، شبابيك أخذتنا إلى خليط من الشفاهة والكتابة التي لم نتمكن من إتقان أي منهما.
تركنا الداخل وفرغناه تماماً من مضمونه من أجل خارج افتراضي ظنناه يمثل مجتمعاتنا.
مجتمعاتنا ليست هي فراغ الشبابيك وما تطل عليه من وهم، مجتمعاتنا في معظمها وباستثناءات قليلة يعيش الناس فيها تحت خط الفقر العالمي، ونسبة التعليم الجيد فيها تكاد تكون في ذيل قائمة دول العالم وكذلك جامعاتنا، ومع ذلك يصرُّ كثير منا على أننا لسنا أقل تقدماً من أميركا، ومن حقنا أن ننتقد ما حدث من تزوير في انتخاباتها الرئاسية، وذلك لأننا فقط نطل من الشبابيك الافتراضية على الخارج غير معترفين بالداخل الذي اختفى أو أخفيناه، لأنه ليس به من علامات تسمح بنا بنقد الديمقراطيات العريقة.
إن أزمة اختفاء الداخل التي نعاني منها تحتاج إلى نقاش طويل لأنَّنا لسنا طرفاً في معادلة الخارج الوهمي الذي نعيشه.

 

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يختفي الداخل عندما يختفي الداخل



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:24 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

نهج التأسيس... وتأسيس النهج

GMT 07:29 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

كم سيندم لبنان على فرصة اتفاق 17 أيّار...

GMT 05:50 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

حقائق غامضة

GMT 18:20 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

إنستجرام يضيف ميزات جديدة للرسائل المباشرة

GMT 09:50 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

أنغام تتألق في حفل تكريم عبدالله الرويشد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab