جرعة واقعية لاتفاق الرياض

جرعة واقعية لاتفاق الرياض

جرعة واقعية لاتفاق الرياض

 العرب اليوم -

جرعة واقعية لاتفاق الرياض

مأمون فندي

 قدرة الدول الصغيرة في النظام العالمي المتسم بالفوضى على التكيف والبقاء كانت دائما سؤالا يشغل دارسي العلاقات الدولية، ومع هذا السؤال أسئلة كثيرة عن السياسة الخارجية للدول الصغيرة وقدرتها على الاستقلالية عن الدول المهيمنة، سواء في النظام العالمي المجمل أو في الأنظمة الإقليمية الفرعية.. هل هي قادرة على أن تكون لها سياسة خارجية مستقلة؟ وهل تستطيع تغيير بوصلة سياستها الخارجية مائة وثمانين درجة في يوم وليلة؟ ولو فعلت، فما تبعات هذا التغيير على العناصر التي كانت داعمة لهذه السياسات؟ وهل سيأتي ذلك على حساب سياسات أخرى قد تحد من قدرات الدول الصغيرة على التكيف والبقاء؟

هناك الكثير من الكتب المؤلفة لمناقشة سلوك الدول الصغيرة في النظام الدولي، ولكن ما أود طرحه هنا يخص الدول الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط، وتشمل الدول الصغيرة دولا يظنها البعض دولا قادرة مثل إسرائيل، ولكن إسرائيل تصنف - ضمن أدبيات الدول الصغرى - على أنها دولة صغيرة.

يتوارد على ذهني هذا السؤال بعد الاتفاق التي وقعته دولة مع كل من السعودية والإمارات والبحرين في الرياض في الاجتماع الأخير، والذي أدى إلى إعادة السفراء إلى الدوحة، وقد كتب هنا في هذه الصحيفة الكثير عن الاتفاق وعن التمنيات له بالتوفيق، ولكن هل يمكننا علميا تفسير سلوك قطر السياسي قبل الاتفاق ومدى أهميته لتكيف الدولة وبقائها في النظام العالمي؟ وهل سيؤثر تغيير سياستها الإقليمية سلبا على ما تبنته من سياسات قبل الاتفاق؟ ترى ما الذي سيتأثر سلبا؟ وما الذي سيتأثر إيجابا؟ وهل تستطيع دولة صغيرة دفع فاتورة هذا التغيير؟ وهنا لا أعني قطر فقط، بل كل الدول الصغيرة من فيجي إلى سنغافورة إلى إسرائيل.

تغيير السياسات داخليا وخارجيا له تبعات حتى لو كان تغيير هذه السياسات للأفضل، أي من أجل الإصلاح. والناظر إلى الدول التي غيرت سياساتها فجأة من طريق إلى طريق بديل، قد يدرك خطورة الأمر.

فعلى سبيل المثال في الدول الكبرى وليس الدول الصغيرة فقط، رأينا عندما قرر ميخائيل غورباتشوف تغيير مسار السياسات في الاتحاد السوفياتي كيف انهار النظام بعدها بسنوات قليلة، وذلك لأن غورباتشوف قرر العبث بأعمدة بناء سياسي ديكتاتوري متصلب أو متيبس، ومتى ما حرك عمودا واحدا في البناء انهار البيت على من فيه.

وفي حالة الدول متوسطة الحجم في منطقتنا مثل مصر وسوريا، يمكننا القول إن رغبة جمال مبارك (جمالاتشوف) ومثله بشار الأسد (بشارتشوف) في إصلاح النظام أو إعادة توجيه سياسات نظام متجمد كما في حالة غورباتشوف عبثا بالأعمدة الرئيسية للنظام فتخلخل وسقط. حزمة السياسات الاقتصادية التي حاول جمال مبارك تمريرها في نظام لا يتسم بالمرونة، بل بالتصلب، هي التي أوصلت مصر إلى ما هي فيه الآن.

بشار الأسد جاء إلى نظام سوري متيبس، وحاول أن يدخل سياسات تخص التقنية وعالم الإنترنت والمعلومات في نظام أساسه إخفاء المعلومة، فما إن سار في سياسة معاكسة لميراث والده حتى تصدع النظام ونراه على ما هو عليه الآن.

إذا كان هذا ما يحدث لدول كبرى مثل الاتحاد السوفياتي السابق أو الدول المتوسطة مثل مصر وسوريا ويمكنك إضافة ليبيا، فما الذي يحدث لدولة صغيرة مثل قطر بعد أن تغير سياستها الإقليمية؟

أو هل تستطيع أن تغير هذه السياسة وتغضب زبائن مختلفين داخليا وخارجيا كانوا مرتبطين باستمرار تلك السياسات؟

أنا هنا لا أدعي قربا أو بعدا من نظام تجمع مجلس التعاون الخليجي، ولا أدعي معرفة بتفاصيل اتفاق الرياض، وليس هذا هو الأمر الذي أناقشه، فكل ما أناقشه هو السؤال التالي: هل يوجد في أدبيات الدول الصغيرة في علم العلاقات الدولية ما يشرح ما حدث في الرياض؟

ليس لدي شك في رغبة قادة مجلس التعاون أن تعود المياه إلى مجاريها، ولكن الرغبة وحدها في السياسة الدولية لا بد أن تتبعها القدرة المؤسساتية على اتباع سياسات أو الامتناع عن أخرى، وتأثير ذلك على الوضع السابق لاتخاذ تلك القرارات.

سياسة الدول أيا كانت ليست القائد وحده، بل مجموعة عوامل كثيرة. وهذا ينطبق على دعوة الملك عبد الله للمصريين إلى المساعدة على إنجاح اتفاق الرياض. فأيا كانت قدرات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فهو لا يستطيع بكبسة زر تغيير ثقافة سياسية تبلورت تجاه قطر ورأي عام في دولة في حالة سيولة وتغيير أو حتى تغيير حركة العجلة داخل بعض المؤسسات التي تحركت ولفترة في الاتجاه المعاكس.

قطر قد تغير من بعض سياساتها، ولكن تكلفة تغيير السياسة ستجعلها تترد قبل تنفيذ بعض بنود الاتفاق. ويجب أن يكون هذا متوقعا وليس مستغربا.

اتفاق الرياض لا يحكمه إلا ما قاله الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لنظيره السوفياتي غورباتشوف: «نعم هناك ثقة، ولكن لا مكان للثقة من دون المتابعة على أرض الواقع». نعم، هناك ثقة وعلاقات قديمة بين دول المجلس، ولكن علاقات الدول يحكمها سلوك سياسي ليس على المستوى الإقليمي فقط، وإنما على المستوى الدولي. سلوك الدول الصغيرة التي تريد أن تتكيف وتعيش داخل نظام عالمي يتحكم فيه الأقوياء، يعني بالضرورة سلوكا مواربا، وأظن أن هذا لن يتوافق مع ما اتفق عليه في الرياض.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرعة واقعية لاتفاق الرياض جرعة واقعية لاتفاق الرياض



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab