بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها

بلفور وما بعده.. سيناء ومستقبلها!

بلفور وما بعده.. سيناء ومستقبلها!

 العرب اليوم -

بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها

بقلم : عبد الله السناوي

 

بقوة الوثائق استهداف مصر هو صلب التفكير الاستراتيجى الغربى المؤسس لـ«وعد بلفور». بمقتضى نصه فإن الحكومة البريطانية تلتزم بـ«إنشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين وأنها سوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف».

كان ذلك هو الوجه المباشر للوعد، الذى وقعه وزير الخارجية البريطانى اللورد «آرثر بلفور» يوم (٢) نوفمبر (١٩١٧) فى كلمات معدودة وقاطعة أرسلها إلى اللورد «جيمس روتشيلد»، راعى الحركة الصهيونية العالمية، غير أن ظاهر النص لا يخفى ما وراءه من حسابات وترتيبات تتعلق بصميم وحجم ما يمكن أن تلعبه مصر من أدوار.

وفق عشرات الوثائق البريطانية لم يتأسس «وعد بلفور» على أسطورة «العودة إلى أرض الميعاد»، لكنه وظفها لمقتضى رؤية استراتيجية لمستقبل العالم العربى ــ مصر بالذات وبالتحديد.

فى مذكرة تلقاها رئيس الوزراء البريطانى «لويد جورج» ــ بعد أربع سنوات من إعلان «وعد بلفور» ــ اقترح مدير العمليات فى الشرق الأوسط الكولونيل «ريتشارد ماينر تزهاجن»: «ضم سيناء إلى فلسطين» حتى يكون ممكنا «وضع حد فاصل». المذكرة ــ التى رفعت إلى رئيس الوزراء عبر الجنرال «اللنبى» ــ رأت فى مثل هذا الضم تأكيدا قويا لمركز بريطانيا بالشرق الأوسط.

لماذا نزع سيناء عن مصر؟ ولماذا ضمها إلى فلسطين ــ الوطن اليهودى الموعود؟ تقول المذكرة: «إن ضم سيناء يوفر اتصالا سهلا بالبحرين المتوسط والأحمر وقاعدة استراتيجية واسعة النطاق مع ميناء حيفا الممتاز، الذى سنستعمله بموافقة اليهود». وأن «من حسنات هذا الضم أنه سيحبط أى محاولة مصرية لإغلاق القناة فى وجه ملاحتنا، كما سيمكننا من حفر قناة جديدة».

بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فهذه تبدو وكأنها تصور مستقبل أكثر منها مذكرة مكتوبة لرئيس وزراء بريطانيا سنة (١٩٢١). بلغة الوثائق، ولا شىء غيرها، يمكن استنتاج أن الفلسطينيين دفعوا ثمنا مروعا لاستهداف مصر وأن المقاومة فى غزة حمت بفواتير الدم مصر وعالمها العربى من أبشع السيناريوهات.

إذا سقطت المقاومة الفلسطينية فإن مشروع التهجير القسرى سوف يأخذ مداه من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن. وإذا سقطت المقاومة اللبنانية فإن زلازل المشرق العربى بتصدعاته وتداعياته سوف تمتد إلى جميع أرجاء المنطقة العربية.

لم يكن كلام رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو» عن جراحات فى خرائط الشرق الأوسط تهويما فى فراغ الاستراتيجيات، أو تفلتا لفظيا بلا أساس. إنها قصة طويلة من الصراع على مصير المنطقة.. وفى قلبه سيناء ومستقبلها.

بكلام موثق فإن الرؤية الاستراتيجية المؤسسة لـ«وعد بلفور» تعود إلى الجنرال الفرنسى «نابليون بونابرت»، الذى أكسبته حملته على مصر وإطلالته على المشرق العربى نظرة للمستقبل وما يجب تبنيه من سياسات تمنع ذلك البلد المحورى من أن يمثل قوة ضاربة فى الإقليم تغير معادلاته وتضر بالمصالح الفرنسية ــ الغربية عموما.

تبدت أمامه «الورقة اليهودية» حلا ممكنا لمعضلة تحجيم مصر، التى كان يراها بموقعها الفريد «أهم بلد فى العالم»، هكذا بالنص، وأن من يسيطر عليها يتحكم فى موازين القوى العالمية. هو أول من تبنى فكرة وطن عازل، لا عربى ولا إسلامى، بين مصر والمشرق العربى.

بنظرة ثاقبة أخرى للأستاذ «هيكل» فى قراءة وثائق الصراع العربى الإسرائيلي: «كانت ميزة بريطانيا فى فترة صعودها أن تحفظ الدرس من أعدائها وتطبق ثقافتهم بأفضل منهم».

هكذا حفظت الدرس عن «بونابرت» وطبقت ثقافته الاستراتيجية أفضل من الفرنسيين حتى تكون صحراء سيناء نوعا من «سدادة الفلين» تقفل عنق الزجاجة المصرية، التى يمثلها وادى النيل (والتشبيه من خطاب لـ«روتشيلد» موجه إلى رئيس الوزراء البريطانى «بالمرستون» بتاريخ ٢١ مايو ١٩٣٩).

وقد كانت تجربة «محمد علىس واتساع مدى حركة جيشه بالمشرق العربى وشبه الجزيرة العربية وتهديده لعاصمة الخلافة العثمانية داعيا إلى تعاظم المخاوف الغربية من أى صعود مصرى جديد يكرر تجربته، وسببا مباشرا لإعطاء زخم متصاعد لاحتواء مصر بعازل مع سوريا.

لم يكن «وعد بلفور» سوى الصيغة التنفيذية لذلك التخطيط، الذى أخذ مداه مرحلة بعد أخرى حتى نكبة عام (١٩٤٨) وما تبعها من حروب وصدامات وتراجعات أخطرها خروج مصر من حلبة الصراع العربى الإسرائيلى بعد اتفاقية «كامب ديفيد» نهاية سبعينيات القرن الماضى.

قد يقال ــ بظاهر نص «وعد بلفور» ــ أن مفعوله انقضى، فقد أنشئت تلك الدولة منذ نحو (76) عاما، وأن ما تضمنه من «أنه لا يمثل تحيزا ضد الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة فى فلسطين ــ قاصدا سكانها العرب» ثبت أنه محض مراوغة دبلوماسية بريطانية معتادة، فقد كان التحيز ضد كل حق عربى وفلسطينى مطلقا حتى وصل فى الحرب الحالية على غزة إلى التواطؤ شبه المطلق.

لم تكن مصادفة تزامن «وعد بلفور» مع اتفاقية «سايكس بيكو»، التى قسمت بمقتضاها دول عربية وأنشئت أخرى.

فى عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى ماجت المسارح السياسية الأوروبية بالسيناريوهات والأفكار عن مستقبل العرب، بعضها طرح دولة عازلة يهودية وبعضها الآخر مال إلى دولة مسيحية عاصمتها القدس دون أن يكون لهم رأى، أو مشورة. ولم يكن هناك سر على أحد يريد أن يتابع ويكون له موقف فيما يخص مستقبله لكن عدم التنبه لمكامن الخطر بدا شبه كامل.

لم يعد ممكنا إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط بالقلم والمسطرة على النحو الذى حصل فى اتفاقية «سايكس بيكو» بين الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية تقاسما للنفوذ فى المنطقة العربية قرب تقوض الخلافة العثمانية.

رغم مضى أكثر من قرن على وعد بلفور فإن جوهر الاستراتيجية الغربية بكتل النيران المشتعلة فى غزة ولبنان ما يزال ماثلا فى المكان بتحدياته ومخاطره فوق الخرائط العربية المتصدعة.

arabstoday

GMT 12:05 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 12:02 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف نتحقق من الادعاءات؟

GMT 11:58 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عنوان الدورى الاستثنائى!

GMT 11:54 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزيف البالطو الأبيض

GMT 08:59 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 08:57 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 08:54 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:54 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
 العرب اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 02:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
 العرب اليوم - غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 01:10 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دليل مُساعد لإضافة لمسة جذابة إلى صالون المنزل
 العرب اليوم - دليل مُساعد لإضافة لمسة جذابة إلى صالون المنزل

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab