بقلم : عبد اللطيف المناوي
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا تحولًا جذريًا منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية. فبعدما دخلت إدارته الأولى فى صدامات متكررة مع الحلفاء الأوروبيين، يبدو أن الولاية الثانية تحمل تغيرات أكثر عمقًا، حيث أصبحت أوروبا أكثر قلقًا من النهج الأمريكى الجديد، الذى يميل إلى إعادة رسم أولويات السياسة الخارجية بناءً على المصالح القومية الأمريكية وحدها، بعيدًا عن التزامات التحالف التقليدية.
يبدو أن ترامب هذه المرة أكثر تصميمًا على فرض رؤيته الخاصة، بعد فوزه بأغلبية فى مجلسى الشيوخ والنواب. وبالإضافة إلى سياساته الاقتصادية القائمة على رفع الرسوم الجمركية وتخفيض الضرائب، يتبنى الآن أجندة توسعية غير مسبوقة، تشمل الحديث عن ضم جزيرة جرينلاند، واستعادة السيطرة على قناة بنما، بل يذهب إلى ضم كندا إلى الولايات المتحدة، كما أنه يسعى لفتح صفحة جديدة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وهو ما أثار مخاوف الأوروبيين، خاصة فى ظل الحرب الدائرة فى أوكرانيا.
فى السابق، كان يُنظر إلى الولايات المتحدة كحليف استراتيجى لا غنى عنه لأوروبا، لكن مع التطورات الأخيرة، بدأت العواصم الأوروبية تدرك أن عليها إعادة النظر فى هذه العلاقة. تصريحات نائب الرئيس الأمريكى جيمس ديفيد فانس، خلال مؤتمر ميونيخ، التى أشرنا إليها مؤخرًا جاءت لتؤكد هذا التحول، حيث شن هجومًا أيديولوجيًا على الأنظمة الديمقراطية الأوروبية، واتخذ موقفًا داعمًا لليمين المتطرف، متهمًا أوروبا بأنها تقمع الحريات السياسية.
الأوروبيون الذين كانوا يترقبون موقف واشنطن من الحرب فى أوكرانيا، وجدوا أنفسهم أمام صدمة دبلوماسية، حيث بات واضحًا أن إدارة ترامب تميل إلى إنهاء الحرب بشروط تصب فى مصلحة روسيا، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا فى الأولويات الأمريكية بعيدًا عن الدفاع عن الأمن الأوروبى. التوتر الجديد فى العلاقات الأطلسية يفتح الباب أمام تحديات داخلية فى أوروبا نفسها، حيث تشهد بعض الدول صعودًا متزايدًا لليمين المتطرف، كما هو الحال فى ألمانيا، حيث يتوقع أن يحقق حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتشدد نتائج قوية فى الانتخابات المقبلة. إلى جانب ذلك، تواجه أوروبا خطرًا اقتصاديًا يتمثل فى احتمال فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية باهظة على السلع الأوروبية، ما قد يؤدى إلى اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق. كما تخشى عواصم الاتحاد من أن تستغل إدارة ترامب هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل التى يملكها إيلون ماسك، للتأثير على الرأى العام الأوروبى والتلاعب بالانتخابات لصالح تيارات سياسية معينة.
مع تصاعد التوترات بين الحلفاء التقليديين، أصبح من الواضح أن أزمة العلاقات الأطلسية ليست مجرد خلاف سياسى عابر، بل هى جزء من أزمة أعمق تهدد مستقبل النظام الليبرالى الغربى ككل. فبينما كانت التهديدات السابقة لهذا النظام تأتى من روسيا والصين، باتت الولايات المتحدة نفسها، فى ظل إدارة ترامب، تمثل تحديًا داخليًا له.