بقلم : عبد اللطيف المناوي
حتى لو هدأ القصف الإسرائيلى المدعوم أمريكيًّا على قطاع غزة بموجب اتفاق التهدئة، إلا أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مازالت تتعرض لقصف مستمر وحملة تشويه تستهدف تقويض دورها فى خدمة اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يتضح من الضغوط التى تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة لوقف تمويلها أو تعطيل عملياتها.
هذا الاستهداف بلغ ذروته فى الأشهر الأخيرة، مع تصاعد الاتهامات الموجهة ضد الوكالة بزعم تسلل عناصر من حماس إلى موظفيها، وهى تهمة سبق أن نفتها الأونروا بشدة. ولطالما شكلت الأونروا عنصرًا رئيسيًّا فى دعم اللاجئين الفلسطينيين، ليس فقط من خلال تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، بل أيضًا بالحفاظ على قضية اللاجئين فى صلب النقاش الدولى. وبالتالى، فإن أى استهداف لها لا يمكن عزله عن السعى الإسرائيلى- الأمريكى لإنهاء ملف اللاجئين، باعتباره إحدى أهم القضايا العالقة فى الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى. أحد الأهداف الواضحة من هذه الهجمة هو محاولة إنهاء دور الأونروا بشكل تدريجى، فى إطار رؤية إسرائيلية تسعى إلى تفكيك مؤسسات العمل الإغاثى الدولى، التى تعترف ضمنيًّا بحق اللاجئين الفلسطينيين. ويبدو أن تل أبيب وواشنطن تعملان وفق استراتيجية متكاملة تقوم على تقليص التمويل، وإثارة الشكوك حول نزاهة الوكالة، ومنعها من العمل فى الأراضى المحتلة، وهو ما يندرج ضمن سياسات تهدف إلى طمس معالم الوجود الفلسطينى تمامًا، ولا نستطيع فصل ذلك بالتأكيد عن مطالب التهجير التى يصرح بها ترامب ونتنياهو.
ولكن السؤال هنا: إلى متى يمكن أن تستمر الوكالة تحت هذا الضغط الهائل؟.
إلغاء تأشيرات الموظفين الدوليين فى الضفة الغربية والقدس يُعد خطوة تصعيدية خطيرة تهدف إلى إضعاف الإدارة العليا للوكالة وقطع تواصلها مع المجتمع الدولى، لكنه لم ينجح حتى الآن فى وقف عملياتها بالكامل.
إذا استمر هذا التضييق، فإن الخيارات أمام الأونروا تبدو محدودة، لكنها لا تزال قائمة، فمن ناحية، يمكن أن تعتمد الوكالة أكثر على الدول المانحة التى لا تخضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، مثل الاتحاد الأوروبى وبعض الدول العربية. ومن ناحية أخرى، قد تسعى إلى تطوير آليات جديدة لتأمين تمويلها بعيدًا عن النفوذ الأمريكى، مثل إطلاق صندوق دولى مستقل لدعم اللاجئين الفلسطينيين. وربما يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو إعادة هيكلة الأونروا بحيث تصبح أقل اعتمادًا على التمويل الحكومى المباشر وأكثر قدرة على تلقى تبرعات من منظمات غير حكومية ومؤسسات دولية. ولكن يظل هذا حلًّا جزئيًّا لأن المشكلة الأساسية هى سياسية وليست مالية فقط. على الرغم من كل الضغوط، فإن الأونروا لا تزال صامدة، ليس فقط لأنها مؤسسة أممية، ولكن لأنها تعكس واقعًا سياسيًّا وديمغرافيًّا لا يمكن تجاوزه بقرارات انتقامية تعسفية، فالقضية الفلسطينية لم تنتهِ، واللاجئون الفلسطينيون لم يختفوا، ولذلك ستظل الأونروا ضرورة حتمية حتى يتم التوصل إلى حل عادل وشامل لهذا الصراع.