بقلم : فاطمة ناعوت
لم يُطلق على «المسرح» لقب: «أبوالفنون»، ولم يضعه الإغريقُ دُرّةَ التاج على هامة الفنون الستّة، من فراغ. ولم يكن ذلك كذلك فقط لأن «المسرح» هو أقدم فنّ عرفه الإنسان، مع فنّ العمارة، بل تُوِّج المسرحُ «أبًا للفنون» لأنه يضمُّ فى جعبته الفنونَ الخمسة الأخرى؛ سواءً ذات الإيقاع البصرى مثل: «العمارة»، «التشكيل»، «النحت»، أو ذات الإيقاع السمعى مثل: «الشعر»، «الموسيقى»، إضافةً إلى «الرقص» الذى يعتمد الإيقاعين معًا: السمعى والبصرى. ولهذا أعشقُ المسرحَ وأعتبرُه «الملك» فى ممالك الفنون وصروحها. ودائمًا ما أقول إن مشاهدة مسرحية جميلة وازنة تحمل رسالة وجودية أو إنسانية مهمة تكافئ عندى قراءة كتاب محترم يتركُ أثره فى نفسى. ولهذا قال فلاسفةٌ كثرٌ منهم الكاتب المسرحى: «برتولت بريخت»: «أعطنى خبزًا ومسرحًا، أعطك شعبًا مثقفًا». وأتفقُ معه، ذاك أن الخبز ضرورةُ عيش، أما المسرح فهو ضرورةُ حياة وثقافة وارتقاء.
ولهذا أعتزُّ بصديقى المخرج «هشام السنباطى»، الذى لم يكتفِ بإسهامه الفردى كمخرج لعديد المسرحيات الجميلة منذ تخرجه فى كلية الإعلام، ثم اعتماده مخرجًا مسرحيًّا عام ١٩٩٦، بل كذلك لاضطلاعه بفكرة «صناعة المسرح» وتدشين الكوادر المختلفة فى فن المسرح، وتشجيع المواهب الحقيقية، فى الكتابة والتمثيل والإخراج والإضاءة والديكور والملابس والماكياج وكافة مفردات صناعة المسرح، من مختلف دول الوطن العربى. فى بدايات مشواره أسس فرقة مسرحية اسمها «الأوركيد»، وقدّم بها عدّة عروض مسرحية، ثم انطلق من «الذات» إلى «الموضوع»، حين جاسر وأسّس عام ٢٠١٢ مهرجانًا دوليًّا للمسرح الخاص يحتفى بالعروض الرفيعة، وأطلق عليه مهرجان «آفاق مسرحية»، وكأنه يصبو إلى «الآفاق العليا» لهذا الفن الصعب الطويل سُلّمه: «المسرح».
كان لى حظوة حضور الدورة الأولى من «مهرجان آفاق مسرحية»، الذى أطلقه المخرج «هشام السنباطى» تحت رعاية وزارة الثقافة وبدعم من قطاع شؤون الإنتاج الثقافى، وتنظيم مؤسسة «فى عشق مصر» التابعة لوزارة التضامن، وقبل أيام غمرتنى السعادة وأنا أحضر فى «مسرح الهناجر» الدورة العاشرة من مهرجان آفاق مسرحية، وقد ازداد ثقلًا وإشراقًا وشهرة، بل حفاظًا على الريادة فى كونه المهرجان الوحيد بمصر والعالم الذى يقدّم عددًا ضخمًا من الليالى المسرحية المتواصلة بالمجان للجمهور المصرى والعربى.
فى كل دورة من دورات المهرجان، تحلُّ دولةٌ عربية «ضيف شرف» على مصر، وتُهدى الدورةُ إلى اسم أحد الرموز المسرحية الوازنة التى أسهمت فى وضع حجر فى هذا الهرم الفنى الهائل: «المسرح المصرى». وفى هذا العام ٢٠٢٤، حيث الدورة العاشرة للمهرجان، كانت «المملكة المغربية» ضيف الشرف، وأُهديت الدورة إلى اسم الفنان الراحل «نور الشريف». تقدّم للمشاركة أربعة وتسعون عرضًا، اختارت «لجنةُ الاختيار» منها بعد التصفيات أربعةً وأربعين عرضًا مسرحيًّا قُدمت على مدار ٢٢ ليلة من يوم ١- ٢٢ أكتوبر، تنافست على المراكز الأول والثانى والثالث، ضمن مسابقات: «مسرح الطفل»، «العروض المسرحية الطويلة»، «العروض المسرحية القصيرة»، «المونو- دراما»، «الديو- دراما»، إضافة إلى «عروض ذوى الهمم». ومن ضمن فعاليات هذا المهرجان الثرى ١٩ ورشة تدريبية مجانية فى مختلف علوم المسرح، وندوات تطبيقية على العروض المشاركة. تكونت لجنة تحكيم المرحلة الأولى من الأساتذة: «الكاتب/ أحمد زيدان- السينوجراف/ نهاد السيد- المخرج/ عادل بركات- المخرج/ أيمن غالى- د. أحمد مجدى- ا. د محمد عبدالمنعم». وتكونت لجنة تحكيم النهائيات من الأساتذة: «ا. د. محمد عبدالعزيز- د. أحمد الدلة- د. فينوس فؤاد- علاء الجابر من العراق- د. بديعة الراضى من المغرب- الفنان/ أسامة مبارك من فلسطين- د. ملحة عبدالله من السعودية- والفنانة المصرية الجميلة/ حنان شوقى».
فاز بالمركز الأول عرض «حبل فى أوضة ضلمة»، لفرقة «ميزانسين»، وإخراج «مايكل نصحى»، عن مسرحية «المصحة» للكاتب «أحمد سمير». وفاز فى مسرح الطفل عرض «البحث عن دنيا»، وفى «الديو- دراما» فاز عرض «الهانم»، وفى مسابقة «ذوى الهمم» فاز عرض «تعظيم سلام» لفرقة مركز شباب النصر.
شكرًا للمبدع والمثقف المحترم المخرج «هشام السنباطى» الذى لاحق حُلمَه منذ صباه الأول، وحوّل شغفه بالمسرح إلى هذا المشروع الهائل، فغرس بذرته وسقاها سعيًا وكفاحًا وإبداعًا حتى خرج إلى النور فى هذا الثوب المشرق الذى تُباهى به مصرُ، ثم رواه ورعاه حتى علا بنيانه عامًا بعد عام. صناعة الجمال أمرٌ صعبٌ، لكن الأصعب هو الاستمرار فى صناعته ورعايته رغم التحديات والعراقيل. والشكر كل الشكر لكل مَن رعى ودعم هذا المهرجان الجميل: قطاع شؤون الإنتاج الثقافى- وزارة الثقافة- صندوق التنمية الثقافية- الهيئة العامة لقصور الثقافة- والشكر موصول لمؤسسة «فى عشق مصر» ووزارة التضامن، ولجميع الفنانين المحترمين الذين يشاركون فى إنجاح هذا المهرجان المصرى العالمى.