قشرة البندق

قشرة البندق!

قشرة البندق!

 العرب اليوم -

قشرة البندق

بقلم : فاطمة ناعوت

 

هل صادفتَ من قبل عزيزى القارئ رجلًا يأكل قشرة البندق، ويرمى ثمرتها الداخلية الشهية؟. أنا صادفتُ وأصادفُ كلَّ يوم مثل هذا الرجل، فهو كثيرٌ. هذا الشخصُ يوقنُ أن القشرةَ أهمُّ من القلب. فاته أن يتعلّمَ أن الثمرةَ المعطوبة لا قيمة لها وإن كانت قشرتُها برّاقةً زاهيةً تسُرُّ الناظرين. لم يعلّمه أبواه ومعلموه أن الجوهرَ أولى من المظهر، وأن المضمونَ أهمُّ من الشكل. الكأسُ: مظهرٌ، شكلٌ، وعاء. أما السائلُ داخل الكأس، فهو الجوهرُ، وهو المضمون، وهو الفكرة. ولولا السائل، ما كانت الكأسُ. وإن غاب السائلُ، ما الحاجة إلى كأس؟. هل تروقُ لك كأسٌ من البلّور الثمين، تحمل فى قلبِها رشفةَ سُمٍّ زعاف؟!، هل تمتدُّ لها يدٌ لحُسنها وبريقها؟، أم تكسرها اليدُ، وتلتقط كوبًا بسيطًا يسكنه الشهدُ الشهىُّ والإكسير الطيب؟.

كثيرون ممن نصادفهم كل يوم يرون الدينَ، أىَّ دين، مجموعة من الطقوس والكلمات المحفوظة، ولا بأس من «الكِمالة» بسبِّ الأديان الأخرى وتقريع مُعتنقيها وتسميم نهارهم وليلهم بالسخرية والتكفير والوعيد بالعذاب والهلاك كأنما يملكون سلطان الآخرة، كنوع من التوكيد على الصلاح والتقوى وكمال الإيمان!، «ولّما يدخل الإيمانُ قلوبهم». أولئك هم آكلو القشور لافظو ثمارها. الإيمان بالله وحبّ عباده هو الثمرةُ وهو الإكسيرُ وهو الجوهر، بينما الطقوسُ هى القشرةُ التى تدلُّ على الثمرة، والكأسُ المُظهرة للجوهر. العارفون يدركون أن صلاح النفس وحسن الخلق ونظافة القلب هو الغاية، وهو الجوهر الحق للدين لأن «الدين المعاملة». أما الشكلانيون الذين لم يتجاوز تديّنُهم الطقس ولم يقرنوا الشكل بالجوهر، فقد قال فيهم مولانا «جلال الدين الرومى» فى «المثنوى»: «اذْهَبْ، واسْعَ وراء المعنى، يا عابد الصورة.. فالروح التى تخلو من المعنى تكون فى الجسد مثل سيف خشبى فى غمده، فمادام السيف فى الغمد، بدا ذا قيمة، فإذا أُخرج منه صار آلة لا تصلح إلا وقودًا للنار، فلا تحمل إلى الميدان سيفًا خشبيًّا».

لهذا علّمنى أبى المتصوّفُ، وهو فى ظنّى من العارفين، أن الدينَ، كلَّ دينٍ وأىَّ دينٍ، هو جوهرٌ ورسالةُ حبٍّ وبِنيةٌ أخلاقية وروحية وسلوكية وتربوية، قبل أن يكون طقسًا، وأن مَن لم يملأ الحبُّ قلبَه للناس وربِّ الناس، لم يصل بعد إلى روح الله تعالى الذى أحبَّ جميعَ خلقه دون استثناء فمنحهم من فيض نعمه ما لا يُعدُّ ولا يُحصى.

ثمة رجلٌ يصلى الفروض، والسُّنن، ويصوم، ويُزكّى، ويحج، لكنه لا يجد غضاضة فى أن يجمع ما سبق من «عبادات»، بممارسة كل ألوان الفساد فى عمله من رشوة، يرشو أو يرتشى، ومن محسوبية، ومن مداهنة لرئيس، وظلم لمرؤوس، ومن تعيين معدومى الكفاءة من ذوى القربى والنسَب، وحرمان الكفء الغريب المستحقّ، وظلم المختلف العَقَدى وحرمانه من حقه فى الترقيات، والتكاسل عن خدمة المواطنين وغوث الملهوف منهم بتعطيل مصالحه، إذا حلّ موعد الصلاة فى مواعيد العمل، بينما يُجيز له الدين مساحةً زمنية فلسفتُها إتاحة الفرصة لإتقان العمل فى وقته. ثم يخرج من عمله، ليُكمل عبثَه مع الحياة، فلا مانع من أن يتحرش بفتاة فى الطريق؛ فهى مستباحةٌ مادامت خارج بيتها، (لماذا لم تقرّ فى بيتها؟). ولا بأس من أن يُلقى بمنديله الملوث أو أعقاب سجائره فى الطريق المُستباح، فقد نسى أول درس فى كتاب القراءة «النظافة من الإيمان»، فإن عاتبته لا يعتذر بل يصرخ فى وجهك: «وأنت مالك؟! الجميع يُلقى الزبالة فى الشارع، اشمعنى أنا؟! هى جات عليا؟!». وإن مرّت به فتاةٌ تضع صليبًا، أو راهبةٌ بتول، لا مانع من أن يفزعها صارخًا: «أعوذ بالله»، كأنما صادف شيطانًا رجيمًا، فتلك هى «كِمالة» طبق الكشرى الذى يُكمل بها تدينه الشكلى، فإن عاد إلى بيته توضأ وصلّى العصر، ثم تفرّغ لزوجته يُقرّعها لأن الملح زاد فى الطعام أو قلَّ، ولا بأس من كلمة جارحة أو نظرة مزدرية، «كمالة» الطبق. بعدها يجلس إلى التليفزيون سعيدًا، وبعدما يصلى العشاء، ينام قرير العين، وهو موقن من رضا الله ضامنٌ جنّة الخلد لأنه أدى «ما عليه» لله، ومن ثم فعلى الله أن يمنحه ما وعد.

لم ينجح الماليزيون مع «مهاتير محمد» فى تحويل ماليزيا من دولة متهالكة إلى دولة حضارية إلا بتسخير ميزانية الدولة لصالح التعليم والبحث العلمى، وغرس فلسفة اقتران التنمية الاقتصادية المستدامة بالقيم الأخلاقية، والاستثمار فى الثقافة بدعم الفنون والقوى الناعمة وتعزيز الهوية الماليزية. أولئك تمسكوا بالثمرة، وإكسير الكأس، وهذا جوهر الإيمان بالله. اللهم قِنا وقِ وطنَنا العزيز شرورَ آكلى قشور البندق المنافقين.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قشرة البندق قشرة البندق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab