«رفعت عينى» فى سماء «الجونة»

«رفعت عينى».. فى سماء «الجونة»

«رفعت عينى».. فى سماء «الجونة»

 العرب اليوم -

«رفعت عينى» فى سماء «الجونة»

بقلم : فاطمة ناعوت

سهرة اليوم الثالث من «مهرجان الجونة السينمائى» GFF فى دورته السابعة، كانت مفاجأة جميلة بحق. فى سينما البلازا الرئيسية شاهدنا فيلم «رفعت عينى للسماء»، أو Brink of Dreams «حافة الأحلام» وفق العنوان الأجنبى الذى اختاره صّناع الفيلم للمشاركة فى المسابقات العالمية. كنتُ قد قرأت أخبارًا عن الفيلم بعد فوزه بجائزة «العين الذهبية» فى مهرجان «كان» العالمى هذا العام قبل شهور قليلة، وودتُ مشاهدته. وها هو الآن يُعرض أمامنا، فى إحدى أمسيات مهرجان الجونة، بل والتقينا بطلاته الجميلات، فتيات صعيد مصر، مع المخرجين اللذين صنعا الفيلم: «ندى رياض»، «أيمن الأمير».

الفيلم الوثائقى، الذى صُوِّر فى ٤٠٠ ساعة على مدار السنوات الأربع الماضية، ليخرج لنا بعد عمليات المونتاج بهذا المنتج الجميل، بطلاته ٦ فتيات من قرية «البرشا» فى محافظة المنيا، قررن أن يحكين أحلامهن ويبُحن بأوجاعهن من خلال «المسرح الجوال»، وكأنه «تروبادور» الإسبانى. صنعن من بقايا الأخشاب المهملة خشبة مسرح فى أحد الأماكن المهجورة، ورحن يخططن عليها فكرة العرض القادم ويعملن البروفات، وما إن تكتمل الفكرة ويستقيم الأداء ويحسُن التدرب على الأغنيات، حتى طُفن فى حارات القرية وشوارعها يغنين ويقدمن العروض الهادفة، ومن بينها ما يعانين من عديد من المشكلات المجتمعية التى تستهدفُ الفتاة فى المجتمع المصرى، خصوصًا فى صعيد مصر، مثل زواج القاصرات، وتنمّر الذكور على الإناث، وإدانة الفتاة فى حالات التحرش وتبرئة المتحرش نفسه، فكأنما تدين القتيل وتغضُّ الطرف عن القاتل!!، وغيرها من الأدران المجتمعية التى تطفو على السطح إذا كان المجتمع بعين عوراء، إما لا يرى الحقيقة كاملة، أو يراها مشوهة ممسوخة، فيسىء الحكم.

يبدأ الفيلم بمشهد ساحر، مُصوّر بعين طائر Bird›s-eye View تركض فيه الفتياتُ فى الحقول مثل فراشات تسير على أقدامها؛ بينما يحقُّ لها الطيران والتحليق. والحقُّ أن كل كادر فى هذا الفيلم الجميل هو «تابلوه» مرسومٌ بيد الواقعية والطبيعية والفطرة. إذا أوقفت الفيلم فى أى لحظة من دقائقه المائة، سوف تشاهد «لوحة تشكيلية» من فرط عفويته وبساطته وواقعيته.. الطوب الأحمر.. الحوائط المصدوعة.. التزهير فى حوائط المطابخ والحمامات، حتى الذبابة التى تقف على الوجوه فى اطمئنان.. كل شىء على طبيعته دون تزويق ولا تنميق. الفتيات الست بطلات العمل، يظهرن بكامل جمالهن الجنوبى الطبيعى دون ماكياج ولا افتعال. الحوارات عفوية لم تخضع لورق سيناريو ولا «استوب» مخرج، ولا «كلاكيت» إعادة. نشاهد أبطال العمل ونسمع أحاديثهم تمامًا كما وقعت الأحداث. وكأننا فتحنا كوّة فى أسقف البيوت ورحنا نتلصص عليهم عبرها. اللهجة الجنوبية الجميلة تخرج من أفواه البنات بكرًا كما يقول الكتاب، دون تزويق ولا تعديل.

المفاجأة الجميلة الثانية هى مشاركة الفنانة الفطرية «دميانة نصار»، بطلة فيلم «ريش»، فى هذا العمل، وهى والدة إحدى الفتيات الست، وسبق وكتبتُ عنها مقالًا هنا بجريدة «المصرى اليوم»، بتاريخ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، بعنوان «ريش دميانة.. مجد المرأة المعيلة»، حين حصد الفيلمُ ثلاثًا من جوائز النقاد للأفلام العربية فى الدورة ٧٥ من مهرجان «كان» السينمائى كذلك. ويبدو أن فنانى هذه القرية فهموا الـ Know-How فى سر صناعة الأفلام العالمية حاصدة الجوائز. إنها البساطة والتلقائية والفطرة والواقعية القحة دون تجميل، ولا افتعال ولا تنميق. الإنسان على إعدادات «ضبط المصنع»، بفطرته الأولى. هكذا تنتقل تلك الأفلام من منتهى البساطة إلى منتهى العالمية.

وهذا بالطبع ليس معناه انتقاصًا من «فن صناعة السينما»، هذا الفن العظيم، الفن السابع، الذى جمع فى جعبته الفنون الستة الأولى، كما قسّمها الإغريق: «المسرح، الشعر، الموسيقى- العمارة، التشكيل، النحت»، لكن المقصود هنا هو أن ذلك الفن التلقائى الذى صنعه أبناء المنيا ووصل إلى العالمية عبر مهرجان «كان» السينمائى، هو أحد «ألوان الفن الفطرى». لكن صناعة السينما كما نعرفها، بكل صعوبتها وعسرها والجهد المبذول فيها، فضلًا عن مواهب الفنانين التى لولاها ما كان هذا الفن العظيم، فمن أجله نحن الآن هنا فى مهرجان الجونة السينمائى، الذى ننتظره من العام للعام حتى نطلع على كل جديد فى عالم السينما، ذلك العالم الغنى بالمواهب والجمال ورسم صورة أجمل للحياة.

شكرًا لجميع القائمين على مهرجان الجونة، الذى ولد بدرًا، ولكنه يزداد جمالًا واكتمالًا عامًا بعد عام، بفضل إدارته المثقفة والشباب الواعد الذين يصلون الليل بالنهار حتى يخرج المهرجان على هذه الصورة المشرّفة لاسم مصر العريق، فيكون واحدًا من أهم وأرقى وأشهر مهرجانات العالم الفنية الدولية التى تنطلق من هذه البقعة المصرية الجميلة، أو لنقل، هذه «المعجزة الفريدة» التى لا مثيل لها فى كامل المجتمع المصرى: «مدينة الجونة». وشكرًا للفن الجميل.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رفعت عينى» فى سماء «الجونة» «رفعت عينى» فى سماء «الجونة»



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab