ملاذ السلامة وملاذ النهاية

ملاذ السلامة... وملاذ النهاية

ملاذ السلامة... وملاذ النهاية

 العرب اليوم -

ملاذ السلامة وملاذ النهاية

بقلم : فؤاد مطر

ازدهرت في الستينات ظاهرة الملاذ الثوري. وكثيراً ما كنا نلتقي في القاهرة ودمشق وبغداد، إلى جانب لقاءات في بيروت مع شخصيات ثورية دفعت بها العمليات الانقلابية، وبذلك وجد بعض هؤلاء أنَّ الملاذ في الدولة التي على استعداد لقبول هذا السياسي أو ذاك الضابط اللجوء فيها. ولنا على سبيل المثال، كيف أن القاهرة في الزمن الناصري باتت الملاذ لعبد الحميد السراج، الذي كان أحد أركان تجربة الوحدة المصرية – السورية، ثم بات وغيره كثيرون مطاردين من زملائهم الضباط الذين قاموا بحركة الانفصال، مع التشفي من جانب بعض هؤلاء بالسراج، الذي كان في قمة صانعي القرار، ثم بات في السفح مغضوباً عليه، وبرسم الانتقام منه، لكن بموجب صفقة ناصرية - انفصالية جيء بالسراج إلى مصر، وأقام فيها مطمئناً إلى أن سلامته مضمونة. وزيادة في الاهتمام، عيَّنه عبد الناصر مديراً للضمان الاجتماعي، وبقي شاغلاً هذا المنصب إلى أن توفاه الله، ودُفن في القاهرة.

وطوال سنوات إقامته بقي في الحفظ والصون، مع أن الذين يتمنون إلحاق الأذى به، انتقاماً من حالات صعبة أعاشهم فيها عندما كان رمزاً لقساوة التعامل الأمني مع المعارضين، كانوا كثيرين. وما حصل من رعاية للسراج في ملاذه المصري، حصل لسياسيين وعسكريين سوريين كثيرين، ومن دون أن يتمكن خصوم العهد الانفصالي من الانتقام منهم.

وما حدث مع عبد الحميد السراج في ملاذه الناصري، حدث لمؤسس حزب «البعث» ميشال عفلق الذي رحمه نظام الرئيس حافظ الأسد، فلم ينفِّذ فيه حكم الإعدام، فلجأ إلى بيروت حيث أمضى ردحاً من الزمن آمناً مطمئناً محروساً بعناية من رفاقه البعثيين، فيما العيون الأمنية اللبنانية بدورها كانت ساهرة عليه. وبقي عفلق وأفراد عائلته الشخصية في لبنان إلى أن اشتد صراع البعث السوري الأسدي مع البعث العراقي الصدامي، ليتبوأ من جانب الرئيس صدَّام حسين ما كان يتمنى الحصول عليه في سوريا، أميناً عاماً للقيادة القومية لحزب البعث. وحتى أيام مرضه كان التعامل الصدَّامي معه تعامل من هو الرفيق الأعلى مكانة حزبية. ثم بعدما توفي، وهو قيد العلاج في باريس، دُفن في أرض مبنى القيادة القومية بمهابة غير مسبوقة لطالب الملاذ في نظام ثوري.

وما كان رئيس وزراء الأردن، وصفي التل، ليلقى فاجعة الاغتيال من جانب شاب فلسطيني معبأ غضباً، لو أنه كان في مصر طالب ملاذ، كما سائر الذين رأوا فيها أكثر الملاذات ضمانة على الحياة.

لم تعد بيروت مقصد الذين يحتاجون في ساعات الشدة إلى الملاذ الآمن فيها، وذلك لأنها باتت عملياً، في جزء من أرضها، ومن الأرض اللبنانية، في جنوب البلاد، ملاذاً لحركة «حماس»، إضافة إلى أفراد في الحركة الحوثية. ولا يقتصر الملاذ اللبناني على زيارات قياديين من «حماس»، من بينهم الرجل الأول في الحركة إسماعيل هنية، وعلى لقاءات تخطيط مع الأمين العام ﻟ«حزب الله» حسن نصر الله، وعلى موفدين ثوريين ودبلوماسيين إيرانيين يأتون خصيصاً من إيران بقصد التخطيط والتشاور، وإنما بات جزء من الأرض اللبنانية في الجنوب ميدان عمليات لمقاتلين «حمساويين»، ويتم الإعلان بين حين وآخر من جانب مسؤولين من «حماس» عن هذه العمليات.

هنا، لا يعود لبنان الملاذ الآمن لمن يحلّقون في الفضاء الثوري الإيراني. ويصبح من وجهة نظر إسرائيل كما لو أنه امتداد لقطاع غزة.

في ضوء ذلك، تفادى النظام الإيراني أن يكون ساحة انطلاق عمليات، كما لبنان، واقتصر دوره على تنشيط الأذرع العاملة تحت رايته، لكن رغم ذلك، فإن إسرائيل ترى في الدور الفلسطيني الذي تمارسه ما تراه بلبنان. ومن هنا، جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية عكس ما يرسمه النظام الإيراني لدوره الفلسطيني، بمعنى أن يكون الداخل الإيراني ملاذاً للتحادث مع قياديي «حماس» الذين يأتون أو يستدعون للتشاور والتمويل ورسم الخطط، وأن يكون الخارج كما يتمثل بجزء من لبنان وباليمن الحوثي والعراق الإيراني، الولاء والتنظيم لتنفيذ العمليات.

ولقد افترضت إيران أنها نائية عن أن تكون مجرد الملاذ الثوري الآمن، كما مصر. وفي الوقت نفسه، يستمر الدور الخارجي كما هو عليه، يبقيها في منأى عن المخاطر والعمليات التي تتسبب في إحراج بالغ القساوة لمهابة الحكم، على نحو واقعة اغتيال إسماعيل هنية، خصوصاً أنه أتى مدعواً وضيفاً للمشاركة في احتفالية تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزكشيان، بما يعني أن طهران هي الملاذ الآمن، وليست العاصمة التي كانت النهاية لمسيرة نضاله، من أجل وطنه فلسطين، في شقة الاستضافة الإيرانية المتميزة له.

وهكذا الملاذ لأهل السياسة والأحزاب والحركات التي تتنوع مقاصدها. ملاذ السلامة وملاذ النهاية. أعان الله الأمة.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاذ السلامة وملاذ النهاية ملاذ السلامة وملاذ النهاية



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab