جراح معنوية على مستوى القمة

جراح معنوية على مستوى القمة

جراح معنوية على مستوى القمة

 العرب اليوم -

جراح معنوية على مستوى القمة

بقلم - فـــؤاد مطـــر

عايشنا كصحافيين، يتابع كل في نطاق اهتمامه وخياراته الأحداث على مدى نصف قرن عربي ودولي حافل بالصراعات، وما يتبعها من أنواع التخاطب بين أطراف متربعة على قمة السلطة، تعقبها حالات من الاحتراب على نحو ما هو حاصل منذ سنتين في روسيا، ومنذ سنة في السودان، وغالباً ما يسبق الاحتراب ما لخّصه الشاعر العربي بعبارة «الحرب أولها كلام». وفي هذه المتابعة، سجّل رؤساء حالة من الغضب على رئيس أو أكثر لدواعٍ مختلفة، وأجازوا لوسائل الإعلام من صحف وإذاعات ثم محطات تلفزيونية باتت فضائيات أن يقولوا من الكلام الجارح أحياناً في حق رئيس فاجأهم بخطوة صاعقة أو بخروج عن التفاهمات، إلا أنهم حرصوا على أن يبقى العتاب أو الغضب في منأى عن سلاطة اللسان. ثم ها هو الرئيس الأميركي جو بايدن يسجل، عشية بدء الحرب الروسية الأوكرانية ذات المسحة الأطلسية سنتها الثالثة، ومن دون ملامح على قرب نهايتها، عبارة توصيفية في حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يسبق أن قالها رئيس في حق رئيس خصم. هذه العبارة التي صدمت سامعيها أو قارئيها هي: «لدينا.. الرجل بوتين وآخرون غيره، حيث علينا دائماً أن نخشى من اندلاع نزاع نووي، لكن التهديد الوجودي للبشرية هو المتاح...».

ومع أن هذه النبرة ليست جديدة على بايدن الذي سبق أن أطلق على بوتين وصف «سفَّاح» و«مجرم حرب» إلّا أن التوصيف الجديد يحفر في الوجدان، فضلاً عن أنه مألوف لدى متخاصمين في أوساط الدرجات الاجتماعية الدنيا، وفي لحظات من الثمل، لا يسيطر بسببها السكارى على الغضب وهم داخل مقاصف وبارات وملاهٍ ليلية، وفي هذه الأوساط كثيراً ما تحدُث جرائم قتل، كأن يردي شخص شخصاً آخر قتيلاً لأنه تفوه بعبارة ترمي أمه بأسوأ تهمة تقال عن امرأة.

ونلاحظ أن بوتين الذي يترجم عادة من يستفزه إلى «بالغ الحدة والمخاطرة»، التزم الكياسة من دون أن يعني التزامه هذا أنه لم يتألم من هذا الجرح المعنوي، تاركاً للناطق باسم الكرملين الردّ، وبكلمات واغزة، إنما بتأدب، قائلاً: «هل استخدم الرئيس بوتين كلمة واحدة مهينة لمخاطبتكم؟ إن استخدام رئيس الولايات المتحدة لمثل هذه اللغة عن رئيس دولة أُخرى من غير المرجح أن يسيء إلى رئيسنا الرئيس بوتين، لكنه يحطّ من قدْر أولئك الذين يستخدمون مثل هذه المفردات، التي ربما كانت نوعاً من المحاولة للظهور كراعي بقر في هوليوود. لكن بصراحة لا أعتقد أن ذلك ممكن...».

وهذا الرد المدروس بعناية ومن دون ذِكْر بايدن بالاسم، ربما تجهيلاً، وليس إغفالاً، لا يعني أن الكرملين من خلال لسان سليط... لسان ديمتري ميدفيديف، الذي قدَّم الترؤس لصديقه بوتين عام 2012، وبقي إلى الآن خير سند لصديقه، وأشرس مدافع عن الزعامة البوتينية، قال عن الرئيس بايدن إنه «مصاب بالخرف ومستعد لخوض حرب ضد روسيا، وإن التهديد الوجودي للعالم يأتي من كهول عديمي الفائدة...».

وعندما نقول إن التلاسن الرئاسي من جانب البعض بقي - رغم السلاطة في التعبير - لا يصل إلى نقطة المحرمات، كوصف الرئيس بايدن للرئيس بوتين فإننا نتذكر ما قاله الرئيس أنور السادات عن الرئيس معمَّر القذَّافي، في حالة غضب عاصفة، إنه «مجنون ليبيا». وما قاله عن انتفاضة شعبية في المجتمع المصري؛ إنها «انتفاضة حرامية». وعن سجين سياسي مرموق؛ إنه «قاعد في السجن زي الكلب». لكن رغم أن هذه أوصاف لا تصل إلى المحرَّمات، وبالذات ما يتعلق بالأم، التي تجاوزها - من دون وجه حق أو منطق - الرئيس بايدن في حق خصمه اللدود الرئيس بوتين، إلا أنها نالت من سمعة قائلها ورصيده من دون أن تحقق ما يتباهى به.

كذلك نتذكر في السياق نفسه، غضب الرئيس حافظ الأسد من الرئيس السادات لزيارته إسرائيل وإلقاء خطاب، وكيف أنه، رغم غضبه الشديد مِن فعله وهو شريك له في الحرب، سرعان ما تناسى تلك الشراكة، وأبقى على لسانه لا يصل عند التعبير عن موقفه من الفعل الساداتي إلى ما لم يعتمده على سبيل المثال الرئيس بايدن من تعبير يتسم بالسلاطة في حق الرئيس بوتين وقوله: «إنه ابن زانية».

ولقد عبَّر الرئيس حافظ الأسد عن غضبه من الفعل الساداتي بمطالعة ضمن خطاب مبثوث ألقاه في مثل هذا الشهر قبل 43 سنة (الأحد 18 مارس - آذار 1981)، أمست محطة مهمة في تاريخ العلاقات العربية - العربية ومحاولات التضامن والتحالف، جاء فيها قوله: «زارنا السادات قبل يومين من زيارة الخيانة، والتقيت معه لمدة 7 ساعات، وروى لي خلال اللقاء كيف تكونت لديه فكرة الزيارة، وبطبيعة الحال لم يقل شيئاً من الحقيقة، لا من بعيد ولا من قريب. روى لي نُتفاً من قضية هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. بل هي الخيال بعينه، لدرجة أنه أراد أن يقنعني أن الفكرة بكاملها تولدت لديه وهو في الجو في الطائرة، وربما لسوء حظه أنني كنت فيما مضى طياراً وما زال عندي بعض الذكريات، وربما ساعدني هذا في فهْم ما نواه...».

خلاصة القول إن هذا التخاطب، الذي يعتمده في لحظة غضب مَن هم في مستوى القمة ويتحملون مسؤولية البلاد والعباد على حد سواء، يلقي ظلالاً على مهابة كل قائل كلاماً أقرب إلى التجريح منه إلى الموقف. وفي أدبيات وأخلاقيات مرجعيات روحية وفكرية عربية في التاريخ ما يضيء على أهمية تعفف اللسان، مثل قول الرسول (ص): «الجمال في الرجل اللسان»، وحكمة للإمام عليّ: «المرء مخبوء تحت لسانه وقوله يدل على عقله». ومثل هذه الحكمة يحتاجها الجلساء في القمة أصحاب القرار، وبالذات الذين يقولون في لحظة غضب ما هو مستهجَن قوله، واعتبره الرئيس الأميركي بايدن في حق الرئيس الروسي بوتين أمراً طبيعياً... مع أنه ليس كذلك على الإطلاق.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جراح معنوية على مستوى القمة جراح معنوية على مستوى القمة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab