ماذا يفعل وزراء التعليم

ماذا يفعل وزراء التعليم؟

ماذا يفعل وزراء التعليم؟

 العرب اليوم -

ماذا يفعل وزراء التعليم

بقلم - ممدوح المهيني

لقد هزمت الدول العربية الإرهاب بفضل بطولات وشجاعة رجال أمنها. لقد أظهروا بسالة لا مثيل لها وتعرضوا لعمليات اغتيال وقُتل العديد منهم في مواجهة المجموعات المسلحة. اختلطت دماؤهم بتراب أوطانهم التي يدافعون عنها ولم ينتظروا شكراً من أحد. لقد قاموا بدورهم على أكمل وأنبل وجه، ولكن تضحياتهم لن تكتمل إذا لم يقم المسؤولون في التعليم بواجبهم.

رجال الأمن يستطيعون أن يقضوا على الهجمات الإرهابية، ولكن القضاء على الأفكار الإرهابية من مسؤولية وزراء التعليم. هل قاموا بدورهم؟ لا يمكن الجزم بالجواب ولا يمكن أن نكون قاسين ونلومهم أيضاً على مهمة عسيرة ومعقدة أكبر من قدراتهم والسنوات المعدودة التي يقضونها على كراسيهم. ولكننا إذا تأملنا الأجيال الجديدة وكيف تفكر فمن الصعب علينا أن نكون متفائلين. ومع هذا لا يمكن أن نلقي عليهم اللوم والمواعظ، فإذا لم يتعرضوا للمعارف المفيدة فلن نتوقع منهم الأفضل.

سأقترح في هذا المقال 7 مناهج هدفها خلق شخصيات أكثر واقعية وتسامحاً ومنطقية، وبالتأكيد هناك من هو أكثر تخصصاً مني ولديه اقتراحات أفضل.

أولاً: منهج عن تاريخ الحضارات ومن بينها الحضارة العربية والإسلامية في عصرها الذهبي التي قامت على العلم والانفتاح والترجمة من حضارات مختلفة سبقتها. وكما هو معروف فإنه في ذلك الوقت كان إتقان اللغة العربية مهماً للاطلاع على المعارف الحديثة (تماماً كما هو الحال الآن مع اللغة الإنجليزية)، وقام ابن رشد بشرح أفكار أرسطو إلى أوروبا وتحديداً المعاهد المسيحية واتبع القديس توما الأكويني نظريته التي تجمع بين الفلسفة والدين.

من هذا المنهج يفهم الطلاب أن الحضارة الإسلامية التي اعتمدت على الفكر المستنير، والتسامح وحرية التفكير، وانصهرت فيها ثقافات وأديان وأعراق وقوميات مختلفة، وبالوقت ذاته يدركون أهمية وقيمة حضارات سابقة ولاحقة مثل الحضارات اليونانية، والرومانية، والصينية، والغربية؛ سيجعلهم هذا أكثر تقديراً للتطور الإنساني الذي شاركت فيه عقول مختلفة من أمم عديدة أسهمت جميعها بما وصلنا له من تقدم.

ثانياً: منهج تاريخ الأديان المقارن. الدين مشكل وعامل أساسي وضروري يشكل هوية الشعوب. الأديان في جوهرها تدعو للأخلاق والخير والروحانية والخوف من الله بالفعل وليس الكلام، ولكن المتعصبين حوّلوها إلى كراهية وتطرف وجعلوا منها، للأسف، أداة للتحريض وربطوها بثقافة الموت. تعليم الدين الذي يدعو للسعادة والعمل والإنتاج والمعرفة سيغير بلا شك عقول الطلاب. إلى جانب ذلك من المهم تدريس الطلاب تاريخ الأديان الأخرى، أو ما يسمى مادة الأديان المقارن وفهمها، نشوؤها وتطورها؛ لأن ذلك سيخفف من الانغلاق والتعصب. نعيش في مجتمعات مختلطة دينياً ومذهبياً وسيزيد هذا التمازج خلال العقود القادمة، ومن المهم أن نفهم الآخرين بطريقة علمية وتاريخيّة وإنسانية وإلا سيقوم غيرنا، من دعاة الكراهية، بملء الفراغ.

ثالثاً: منهج تشكل الدولة. يعيش معظمنا في دول مستقرة، ولكن كيف يمكن أن نحافظ عليها إذا لم نعرف أهميتها. وهناك من يحاول تدريس الوطنية، ولكن الوطنية مجرد مشاعر لا يمكن أن تدرّس وهي تأتي تلقائية ومرتبطة بالأرض والشعور بالانتماء بالمكان والناس. لكن فهم الدولة وتطورها التاريخي وكيف استطاعت أن تلغي كل الانتماءات الأخرى وتفرض القانون وتحقق السلم وخطورة نشوء ميليشيات وجماعات تزاحمها سلطتها. تقدير فكرة الدولة وفهم دورها الحقيقي يقللان كل الدعوات المحرضة على إضعافها وإسقاطها والقفز عليها.

رابعاً: منهج تاريخ الفلسفة والأفكار. من المهم أن يطلع الطالب الصغير على الفلسفة ولا يعني هذا الإيمان والاقتناع بكل ما فيها، ولكنها ستوسع مداركه وتجعله يفكر بطريقة منطقية نسبياً لا يرى العالم باللون الأبيض والأسود. الاطلاع على أفكار كبار الفلاسفة والمفكرين العرب والمسلمين وغيرهم من فلاسفة عصر النهضة إلى الحكماء الصينيين، وحتى العقول الكبيرة في عصرنا الحديث، سيزيد من ثقافة ووعي الطالب ويقوي من شخصيته، ولن يجعله فريسة سهلة لكل شخص يقنعه بفكرة مجنونة خرافية.

خامساً: دراسة العلوم وتطور الإنسان والطبيعة البشرية. ثورة «كوبرنيكوس» التي غيرت فهمنا للمجموعة الشمسية. وصراع «غاليغو» مع الكنيسة. الثورات الطبية والصناعية والتقنية التي غيرت عالمنا. وفهم كيف تشكل الجماعات البشرية من مجتمعات الصيد البدائية ومع تزايد عددها تحولت إلى مجتمعات متحالفة شكلت قبائل ومن ثم اندمجت وشكلت الشعوب التي نعرفها اليوم. فهم الطبيعة البشرية وغرائزها ودوافعها العميقة، وفهم أن الأعراق هي مفاهيم ثقافية أكثر من كونها حقائق راسخة؛ كل هذه الأفكار مهمة وكفيلة بتغيير طريقة تفكير الشخص عن نفسه وجذوره والبشرية والعالم من حوله.

سادساً: منهج طرق التفكير والنقاش. فكرة التفكير المنطقي مهمة لأنها تعتمد على الحقائق وليست العواطف. كما أن فكرة النقاش المفتوح ترسخ فضيلة الحوار المتحضر مع اختلاف الأفكار، كما أنها تزرع الثقة بالطلاب وتسهم في بناء واستقلالية شخصياتهم. وعن هذا يقول الملياردير المتواضع وارن بافيت إن أهم نصيحة يقدمها للطلاب هي أن يتقنوا مهارة إلقاء الخطاب أمام الجمهور وسيرفع ذلك من فرص نجاحهم بنسبة كبيرة.

سابعاً: تاريخ الاقتصاد. فهم الاقتصاد مهم لفهم عالمنا اليوم القائم بشكل أساسي عليه وكيف مررنا بمراحل اقتصادية مختلفة حتى وصلنا من النظم الإقطاعية في أوروبا إلى الاقتصاد الرأسمالي الذي أسهم بشكل كبير في تغيير الواقع بصورة جذرية، وكيف انطلقت من أوروبا وأسهمت بنشوء طبقة رجال المال وتراكم الثروة، ومن ثم الانطلاق إلى قارات جديدة بحثاً عن الأرباح. وإذا غصنا في التاريخ فسندرك كيف كان الاقتصاد الزراعي في القرون القديمة هو السائد، ولكن الثورة الصناعية غيرت مجرى التاريخ بعد أن كان يسير في حركة دائرية، والآن نحن نعيش في ثورات تقنية متلاحقة.

كل هذه المناهج المقترحة لن تكون لها أي أهمية إذا أتت على طريقة الحفظ والتلقين؛ لأننا كنا طلاباً ونعرف أننا ننفر بشدة من أي شيء يفرض علينا بطريقة الإجبار. ننجح فيه بتفوق وننساه في اللحظة التي نخرج فيها من قاعات الاختبار. هدف هذه المناهج ليس النجاح والرسوب، ولكن بناء الشخصية وهذا هو، إذا لم تخني الذاكرة، الهدف الأساسي من التعليم.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يفعل وزراء التعليم ماذا يفعل وزراء التعليم



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض
 العرب اليوم - الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab