بوتين وكيم جونغ أون والنظام الليبرالي

بوتين وكيم جونغ أون... والنظام الليبرالي

بوتين وكيم جونغ أون... والنظام الليبرالي

 العرب اليوم -

بوتين وكيم جونغ أون والنظام الليبرالي

بقلم - ممدوح المهيني

بعيداً عن المشاهد المثيرة لزيارة الرئيس الروسي بوتين لكوريا الشمالية (السيارة الهدية والحفلة الغنائية)، إلا أن العنوان العريض والهدف الأهم للزيارة هو بناء تحالف يسعى لتقويض التحالف الغربي الليبرالي الذي يعلن بوتين عداءه الصريح له وردّد مرات أنه ميت.

السؤال الأهم: هل يستطيع ذلك خصوصاً مع تحالف دول معزولة وشخصيات مثل كيم جونغ أون؟ يبدو أنها مهمة عسيرة وليست نزهة كما يتخيل البعض. إذا أردنا أن نفهم صعوبة هذا الأمر علينا أن نفهم هذا النظام العالمي والمالي الذي يتحداه بوتين والذي تشكّل خلال عقود طويلة بالدم والعرق والدموع.

في كتابه «الله والذهب» يقول الكاتب والتر ميد إن الذين يقولون بانهيار هذا النظام الليبرالي يبالغون، فالقوى الغربية الأنغلوسكسونية انتصرت تقريباً على كل خصومها في كل الحروب وحتى هذا اليوم. انتصرت في الحروب النابليونية والحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة ورسخت جذور النظام الذي هو أقوى الآن اقتصادياً ومالياً بشكل لا يقارن قبل 100 عام. خسرت هذه القوى معارك مثل فيتنام والعراق، ولكن ربحت كل الحروب الكبرى التي تشكّل صورة العالم.

في ذلك الوقت كانت هناك منافسة مع آيديولوجيات شعبية تقف خلفها قوى كبرى. الشيوعية والنازية والفاشية أصبحت مجرد أطلال الآن. الاتحاد السوفياتي وألمانيا هتلر واليابان العسكرية كلها كانت تسعى لخلق نموذجها الخاص، ولكنها تحوّلت وتغيّرت واندمجت فيه أو تفككت. نرى كل التنظيمات المتطرفة مثل «القاعدة» و«داعش»، التي كانت تسعى لتشكيل عالم على شاكلتها، تعرضت لهزائم حاسمة، وليس غريباً أن قادة مثل بن لادن والبغدادي وسليماني قضت عليهم المسيرات الأميركية وليست الصينية والروسية.

لكن كيف بدأ هذا النظام وترسّخ بهذا الشكل الذي يصعب هزيمته كما يخطط بوتين؟

السر أن هذا النظام استطاع أن يدخل الكثير من الشركاء معه لدرجة يصعب الافتكاك منه. يقول المؤلف إن هذا النظام العالمي والمالي بدأه الهولنديون في القرن السابع عشر حين أصبحت أمستردام، في الوقت الذي كان العالم يعيش في حروب دينية وغزوات عسكرية، مكان الانفتاح الثقافي والاقتصادي. كل الهاربين من جحيم الحروب والتجار قدموا إلى أمستردام التي فتحت لهم الأبواب للرخاء والثراء. بالإمكان أن تعتنق أي دين ومذهب كما تحب دون اضطهاد ومضايقات ولهذا هرب لها المفكرون والفلاسفة. ولو كنت ابن فلاح أو من الطبقات الاجتماعية الدنيا، لا عوائق تمنعك من أن تكون تاجراً ثرياً أو مهندساً ناجحاً. انفتاح الأفكار وحرية المال والتجارة والتحولات الاجتماعية مثلت البذرة الأساسية التي تشكلت في ذلك الوقت ونمت منذ ذلك الحين ونراها الآن بصورة أوضح، حيث نرى عالماً متصلاً متعدداً منفتحاً تختلط فيه الجنسيات والأديان ورؤوس المال، ونسمع عن فقراء طامحين تحوّلوا إلى قيادات ناجحة.

هذه البذرة الليبرالية في الدين والتجارة والأفكار التي زرعها الهولنديون شكّلت المنطلق الأساسي للرأسمالية وحرية التجارة. ومن مزايا الرأسمالية هو أنها لا تنحصر في مكان واحد، ولكنها تنتشر وتتوسع. تبحث عن المال والثروات في كل مكان. ولهذا اتجهت إلى الخارج سعياً وراء المواد الخام والعمالة والفرص، ولهذا امتدت وانتشرت وتطورت نسخة جديدة من هذا النظام الاقتصادي والمالي مع القوة البريطانية التي حمت هذا النظام ووسعته حول العالم وساعدها أسطولها الأقوى لحماية الممرات البحرية لضمان تدفق البضائع. وهذا ما حدث قبل أن يأتي الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية ويشكلوا النسخة المطورة الجديدة من هذا العالم الليبرالي الذي بدأه الهولنديون قبل 400 عام.

ما قام به الأميركيون، بالإضافة إلى هزيمة أعداء هذا النظام، هو محاولة توسيعه وتثبيته أكثر عبر تحويل الخصوم السابقين إلى أصدقاء مثل ما حدث مع ألمانيا واليابان. هزموهم، ولكن دمجوهم في النظام الاقتصادي العالمي حتى أصبحوا من أكبر القوى المالية والاقتصادية وأصبحوا شركاء أساسيين وفاعلين ومدافعين عنه. وهذا حال دول عديدة حول العالم من سنغافورة إلى تشيلي اندمجت في هذا النظام العالمي وازدهرت فيه ولا تفضل الخروج منه. الدخول في هذا النظام له فوائد، ولكن هناك أيضاً عقوبات لمن يريد أن يهدمه أو يخرج على قواعده وهذا ما يفسّر العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزو أوكرانيا وهو أمر لا تريد دول عديدة أن تواجهه بما فيها الصين التي صعدت وازدهرت بسبب دخولها في النادي الرأسمالي الغربي.

كيم جونغ أون وخامنئي هما فقط اللذان لا يهتمان بالعقوبات وهما خارج هذا النظام العالمي، ولكن هل يستطيع بوتين بأصدقاء مثل هؤلاء أن يخلق النظام الذي يبشّر به ويهدم النظام الليبرالي الذي يمقته ويحلم بانهياره؟

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين وكيم جونغ أون والنظام الليبرالي بوتين وكيم جونغ أون والنظام الليبرالي



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
 العرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 العرب اليوم - أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 06:31 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين
 العرب اليوم - ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 03:25 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يعتزم مواصلة الانتشار جنوبي لبنان

GMT 03:17 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يهز إثيوبيا بقوة 4.7 ريختر

GMT 03:24 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الحصبة تتفشى في المغرب 25 ألف إصابة و120 وفاة خلال 16 شهرا

GMT 11:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تتحدّث عن الشخصية التي تتمنى تقديمها

GMT 08:46 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 09:25 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ألوان ديكورات 2025 تعيد تعريف الفخامة بجاذبية جريئة

GMT 08:44 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 08:42 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab