أوروبا بعد انهيار السدود

أوروبا بعد انهيار السدود

أوروبا بعد انهيار السدود

 العرب اليوم -

أوروبا بعد انهيار السدود

بقلم - جمعة بوكليب

السدودُ تُصمَّمُ وتشيدُ لحماية الناس من خطر الفيضانات، وفي الوقت ذاته تحفظ المياه، بحيث يمكن الاستفادة منها في مشاريع الري أو الشرب. وهي أنواع عديدة وأحجام مختلفة.

في عالم السياسة تُصمم وتقام سدود كذلك، لكن من دساتيرَ وقوانينَ وتشريعاتٍ ونظمٍ ولوائحَ ومواثيق، ولغرض حماية المجتمع من التطرف والإرهاب.

الحياة في المجتمعات الإنسانية تقوم على عقود ومواثيق اجتماعية متفَق عليها بين فئات المجتمع المختلفة، تضمن السلم الاجتماعي، وتنظم انتقال السلطة سلمياً، وتكفل الحماية للأفراد.

مهمة رجال ونساء القانون العمل على ترجمة العقد الاجتماعي في البلاد عبر صياغته في دستور وقوانين ولوائح ونظم توضع موضع التنفيذ مع التقاليد والأعراف. وكلها تعمل سدوداً تحول بين المجتمع وما يشذ عن المتفَق والمتعارف عليه من عقود ومواثيق.

بعد الحرب العالمية الثانية، قامت البلدان الأوروبية بتشييد سدود سياسية، تحول بينها وبين عودة التنظيمات والأحزاب الفاشية والنازية، وغيرها من الحركات السياسية المتطرفة. والهدف كان منع تكرار ما شهدته أوروبا من كوارث وفظائع الحرب الكونية الثانية.

في الأسبوع الماضي، وبينما كان قادة أميركا وأوروبا، وضيوفهم، وقدماء المحاربين على شاطئ نورماندي بفرنسا، يحتفلون بالعيد الثمانين على عملية إنزال قوات الحلفاء إلى أوروبا، للقضاء على النازية والفاشية، كان أحفاد النازيين والفاشيين الجدد، في الوقت ذاته، يحتفلون بنجاحهم في انتخابات البرلمان الأوروبي، في مدن فرنسا وألمانيا وغيرهما من عواصم أوروبا.

السدود أضحت قديمة، من دون شك، وتجاوزها الزمن. وأوروبا الخارجة من الحرب الكونية الثانية عام 1949 غير أوروبا عام 2024. وما كان محظوراً بقوة القانون، ويعيش مهملاً على الهامش السياسي، لم يعد محظوراً بقوة القانون، ولم يعد هامشياً، ولم يعد مهملاً.

في باريس، وعلى مسافة ليست بعيدة جغرافياً من مكان الاحتفال بفرنسا، كان حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، تحت زعامة السيدة ماري لوبن، يحتفل مع أنصاره بتحقيق أكبر فوز انتخابي، بحصولهم على أكبر نسبة من الأصوات تجاوزت 30 في المائة. وفي ألمانيا، بينما كان الرئيس الألماني يحضر الاحتفالات في فرنسا مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كان النازيون الجدد من أنصار حزب البديل لألمانيا يحتفلون بهزيمة التحالف الحاكم بقيادة الحزب الاشتراكي الألماني تحت قيادة المستشار أولف شولتز. الائتلاف الحاكم جاء في الترتيب الثالث في نفس الانتخابات بعد الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب البديل لألمانيا، للمرة الأولى في تاريخه. وفي إيطاليا تمكن حزب إخوة إيطاليا ذو الجذور الفاشية، بقيادة زعيمته ورئيسة الائتلاف الحاكم السيدة جورجيا ميلوني، من اكتساح صناديق الانتخابات. وفي هولندا يستعد حزب الحرية المعادي للمهاجرين والمسلمين لتولي الحكم في ائتلاف يميني للمرة الأولى.

اليمين الأوروبي المتطرف لم يعد متطرفاً، بعد دخوله الساحة الرئيسة. بل صار يفرض أجندته على أحزاب سياسية مخضرمة. أجواء سياسية تذكِّر بأجواء أوروبا في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي، حين بدأت أمواج الفاشيين والنازيين تفرض حضورها في الشوارع والميادين، وتكتسح صناديق الانتخابات. الآن، وفي خضمّ الحرب الأوكرانية - الروسية، وبعد الأزمة الوبائية، وتدفُّق أمواج الهجرة غير القانونية على أوروبا، يظهر الأحفاد بأعلامهم وعنصريتهم في الشوارع والميادين، ويكتسحون صناديق الانتخابات، ملحقين هزائم مُذِلّة بأحزاب تقليدية من يمين ويسار الوسط. ويطالبون بطرد المهاجرين وخاصة المسلمين والعرب، بحجة أنهم جاءوا لإحلال ثقافة بديلة تحل محل الثقافة المسيحية الليبرالية.

أوروبا غاضبة. والأزمات المعيشية تطوق أصحاب الدخول الدنيا، وتحيل حيواتهم جحيماً وخوفاً من مستقبل لا يبشرهم بخير، وفي وقت يزداد الفساد بين النخب التقليدية الحاكمة، وتتباعد المسافات بين الأثرياء والفقراء.

سقطت السدود التي اعتُبِرت منيعة في وقت ما. وها هم يأتون محملين بثقافة الكراهية والتعصب، يقدمون حلولاً تبسيطية لأزمات معقدة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. معاول هدم خرجت من ظلام القبور، لا يختلفون عن نظرائهم من المتطرفين الدينيين، الذين انتشروا بين ظهرانينا، وأحالوا حياتنا جحيماً لا يُطاق.

أوروبا غاضبة. والأحزاب والتنظيمات والحركات اليمينية واليسارية المتطرفة تعبيرٌ عن ذلك الغضب. والغاضب بطبعه مثل موتور، غير قادر على الرؤية أو التفكير المتعقل. مات هتلر لكن فكره عاد ممثلاً في حزب البديل لألمانيا. وشبع موسوليني موتاً، فظهر أحفاده في حزب إخوة إيطاليا، وتربعوا على قمة الهرم السياسي.

ومنذ الآن وصاعداً، سيتولى النازيون والفاشيون مهمة تصميم وتشييد سدود جديدة، مبنية من إسمنت الكراهية والتعصب، بهدف حماية أوروبا المسيحية من العرب والمسلمين.

arabstoday

GMT 00:32 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

حاذروا الأمزجة في الحرّ

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

نعم لغزة وفلسطين ولا للميليشيات

GMT 00:27 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الحج بين المثوبة والسلامة

GMT 00:23 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

بوتين وكيم جونغ أون... والنظام الليبرالي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا بعد انهيار السدود أوروبا بعد انهيار السدود



درّة تتألق بفستان من تصميمها يجمع بين الأناقة الكلاسيكية واللمسة العصرية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:30 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

عرض فساتين وإكسسوارات الأميرة ديانا في مزاد علني
 العرب اليوم - عرض فساتين وإكسسوارات الأميرة ديانا في مزاد علني
 العرب اليوم - مزايا وعيوب الأرضيات الإيبوكسي في المساحات الداخلية
 العرب اليوم - هنية يؤكد أن أي اتفاق لا يضمن وقف الحرب في غزة "مرفوض"

GMT 00:37 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح
 العرب اليوم - أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح

GMT 10:13 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

لافروف يُحذر من استمرار حرب غزة وامتدادها إلى لبنان
 العرب اليوم - لافروف يُحذر من استمرار حرب غزة وامتدادها إلى لبنان

GMT 12:19 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

"غوغل" تتيح المركبات ذاتية القيادة للعامة في أميركا
 العرب اليوم - "غوغل" تتيح المركبات ذاتية القيادة للعامة في أميركا

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

نعم لغزة وفلسطين ولا للميليشيات

GMT 03:16 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

جولة في مطار بيروت لتفنيد تقرير تلغراف

GMT 06:07 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الأهلي يعلن فوزه في مباراة القمة رسميًا

GMT 15:54 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

غوغل تجلب الذكاء الاصطناعي إلى طلاب المدارس

GMT 14:45 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

أسماك القرش تُودي بحياة ممثل أميركي في هاواي

GMT 07:46 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إصابة خطيرة لفارغا لاعب منتخب المجر في يورو 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab