طرابلس و«سوق الحِلْقة»

طرابلس و«سوق الحِلْقة»

طرابلس و«سوق الحِلْقة»

 العرب اليوم -

طرابلس و«سوق الحِلْقة»

بقلم - جمعة بوكليب

 

قبل أن يعرف البشر السيارات، استخدموا في تنقلاتهم العربات التي تجرّها الخيول والبغال والحمير والثيران والبشر كذلك. وجود العربات استلزم الحرص على سلامة المشاة، على جانبي الطرق، لذلك السبب ظهرت وعُرفت الأرصفة.

مفردة «رصيف»، تدل على مكان خاص بالسير على الأقدام. وفيما بعد اتسع المعنى في اللغة العربية ليشمل الأماكن التي ترسو بها السفن في الموانئ البحرية، وكذلك أماكن وقوف القطارات في المحطات... إلخ.

ولم يكن في الحسبان أن تنقلب المعادلة. إلا أن ما لم يكن في الحسبان يوماً ما، تحقق فعلياً، بأن صار ظاهرة في أغلب المدن الليبية. وتبدو الظاهرة أكثر وضوحاً في العاصمة طرابلس بسبب الكثافة السكانية والعدد الهائل من السيارات على الطرقات. وهي ظاهرة وُجدت نتيجة لانعدام وجود وسائل المواصلات العامة، وانعدام وجود مواقف سيارات حديثة متعددة الطوابق تتسع لأعداد كبيرة من السيارات.

سكان المدينة تعودوا السير في الطرقات، جنباً إلى جنب مع السيارات المارة، معرضين أنفسهم للخطر، لكن الزائرين للمدينة يجدون صعوبة في محاكاة السكان، ويترددون كثيراً قبل خوض المغامرة.

في زيارتي الحالية للمدينة، هذه الأيام، بعد غياب عام تقريباً، لم يقابل عينيّ تغيير يُذكر. فالناس هم الناس؛ ما زالوا رغماً عن معاناتهم المعيشية الضنكة يواصلون حيواتهم، ولا يجدون وقتاً يكفيهم للالتفات والاهتمام بما يحدث من صراعات على السلطة بين مختلف الأطراف والفرقاء. وهم في ذلك عمليون؛ إذ ماذا بمستطاعهم فعله في حوارات لغتها الرصاص والقذائف؟ والشوارع ما زالت على حالها ولم يطلها تغيير يُذكر، باستثناء ازدحامها أكثر بالسيارات على الأرصفة وعلى الطرقات. لكن شيئاً ما آخر لفت انتباهي، ليس بعيداً عن «ميدان الشهداء»، وتحديداً في المنطقة الخلفية لمصرف ليبيا المركزي، المسماة «ميدان الساعة»، لوجود برج ساعة بُني في العهد العثماني الثاني (1835-1912)، حيث سوق الذهب والفضة والمعادن الثمينة القديمة المعروفة شعبياً وتاريخياً باسم «سوق المشير». في فسحة لا تبعد كثيراً عن تلك السوق، ظهرت سوق مالية بين يوم وليلة، ولا أعرف كيف. السوق المالية الجديدة ظهرت منذ سنوات قليلة مضت، على شكل حلقة صغيرة، يلتف حولها مضاربون بالعملات الأجنبية، وبخاصة الدولار الأميركي. أطلق المواطنون على تلك السوق شعبياً باللهجة المحكية اسم «الحِلْقة»؛ أي الحَلقة باللغة العربية؛ لأن روادها يتجمعون على شكل حلقة في منتصف الفسحة. وما أثار اهتمامي أن تلك الحلقة الصغيرة كبرت على وجه السرعة، واستقطبت رواداً من كل جهات ومناطق المدينة، وتكاد حالياً تكون سوق الأوراق المالية في كل ليبيا. بعض الرواد يتكسبون من عمليات البيع والشراء، وبعضهم مثلي يستقطبهم الفضول والفرجة. والأهم من ذلك أن «الحِلقة» تبدأ قرابة الظهر، ولا تنفض إلا بعد صلاة المغرب.

خلال اليومين الماضيين، وصلت قيمة التعاملات إلى مئات الألوف من الدولارات، وعلى نحو غير مسبوق، حسبما يتردد بين رواد السوق. وإن المعروض من العملة الأميركية فاق الطلب. والسبب أن الصراع الذي شهدته البلاد في الآونة الأخيرة حول من يستحوذ على مقاليد الأمور في مصرف ليبيا المركزي بين رئيس حكومة طرابلس والمحافظ السابق للمصرف الصديق الكبير، تسبب في إغلاق منظومات المصرف، وبخاصة منها ذات الصلة ببيع العملة الصعبة للمواطنين وللتجار. وأفضى ذلك إلى ارتفاع قيمة الدولار في السوق الموازية حتى قارب 8 دنانير للدولار الواحد. ولدى انتهاء الأزمة بالاتفاق بين مجلسَي النواب و«الأعلى» على اختيار محافظ جديد، تعرض سعر الدولار إلى هزة مفاجئة أدت إلى انخفاض في السعر، فتسبب في خسارات مالية كبيرة لعديدين.

تكاد تكون «الحِلْقة» المكان الوحيد في العاصمة طرابلس الذي على علاقة وطيدة بمتابعة آخر تطورات الصراع السياسي في البلاد وما يستجد فيه، مثل أي سوق مالية في العالم. وفيها تجد الإشاعات أفضل البيئات ملاءمة للظهور والانتشار. وهي، في الوقت ذاته، بيئة مناسبة جداً للمحتالين والحُذّاق. وما يستحق الإشارة إليه أن رواد السوق أصيبوا بالدهشة وبالحيرة لما يُعرض في السوق مؤخراً من دولارات، من دون معرفة الجهات التي تقف وراءها. ويقولون إنها غير مسبوقة. ويعزون العرض الهائل إلى خوف في بعض الجهات غير المعروفة من قيام المحافظ الجديد للمصرف بإلغاء الضريبة الإضافية الأخيرة على سعر بيع الدولار رسمياً. وهو مطلب شعبي جعل المواطنين في كل ليبيا يتطلعون إلى المحافظ الجديد بترقب، آملين في الاستجابة لمطلبهم، لتخفيف أعباء الحياة عليهم، لكن انتظارهم على ما يبدو سيطول قليلاً.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طرابلس و«سوق الحِلْقة» طرابلس و«سوق الحِلْقة»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أكرم حسني يكشف حقيقة تقديمه "الناظر 2"
 العرب اليوم - أكرم حسني يكشف حقيقة تقديمه "الناظر 2"

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab