الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف

الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف

الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف

 العرب اليوم -

الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف

بقلم:جمعة بوكليب

قبل الانتخابات التي جرت في ولايتين ألمانيتين، ثورنجيا وسكسوني، في بداية هذا الشهر، تابعنا باهتمام وقلق، في فرنسا أخبار اليمين المتشدد، ممثلاً في حزب «التجمع الوطني»، وهو يجتاح الانتخابات التشريعية، ويصبح أكبر كتلة برلمانية. وبعدها، بوقت قصير، تابعنا في الانتخابات النيابية البريطانية، ظهور حزب «الإصلاح» اليميني المتشدد، بحصوله على نحو 4 ملايين صوت، ودخول رئيسه ونائبه معاً البرلمان للمرّة الأولى. وقبل ذلك، رأينا كيف احتفل الفاشيون الإيطاليون بوصولهم إلى الحكم وسيطرتهم على روما. والأمر نفسه، باختلافات بسيطة، حدث في هولندا، وفي النمسا، وفي السويد. حتى صرنا نعتقد بأن أوروبا تتعرّض لاجتياح، من جبهات عدة، في وقت واحد، من قبل أحزاب وحركات يمينية متشددة. فلماذا إذاً حين تمكّن حزب ألماني يميني متشدد، هو حزب «البديل لألمانيا» من الوصول إلى الحكم في ولاية ألمانية (ثورنجيا) في شرق برلين، انقلبت الدنيا رأساً على عقب؟ هل السبب يعود إلى ماضيها النازي، والخوف من تكرار الكارثة؟

لو كانت للحيطان أفواه، لكانت تكلمت بأعلى صوت مؤكدة ما سيحدث. كل الدلائل والمؤشرات والتكهنات والتعليقات، قبل إجراء الانتخابات، كانت تصبُّ في المجرى ذاته. لكن حين ظهرت النتائج في اليوم التالي انقلبت عواصم الغرب، وكأن ألمانيا محصّنة من الإصابة!

اجتياح أحزاب اليمين المتشدد لدول أوروبا أضحى واقعاً، وألمانيا لن تكون الاستثناء. وأحزاب وحركات اليمين المتشدد تزحف متقدمة في عواصم الغرب، مخترقة ما تجده أمامها من دفاعات أضحت هزيلة، وُضعت في طريقها منذ نهاية الحرب الكونية الثانية. في فرنسا كان اليمين واليسار المتشددان معاً مَن تَمكّنا مؤخراً من قلب الموازين تحت قبة البرلمان. وفي ألمانيا، إلى جانب اليمين المتشدد، ظهر مؤخراً حزب يساري صغير متشدد أيضاً، وتَمكّن من الحصول على المركز الثالث في الانتخابات الأخيرة في ثورنجيا وسكسوني، وهو الآن مرشح للدخول في ائتلاف مع «الحزب الديمقراطي المسيحي» في الولايتين وتسلم مقاليد الأمور، وبهدف منع حزب «البديل لألمانيا» من تشكيل حكومة فيهما. وفي هولندا، تم الاتفاق أخيراً وبعد أشهر من المماحكات، على تشكيل ائتلاف حكومي، استبعد زعيم حزب «الحرية» اليميني المتشدد من قيادة الحكومة رسمياً، على أن يُسمَح لحزبه بالمشاركة فيها. الحزب جاء في الترتيب الأول من حيث نسبة الأصوات في الانتخابات الأخيرة. وفعلياً، فإن الزعيم اليميني المتشدد، غير المرغوب فيه، يجلس في المقعد الخلفي في السيارة، ويصدر تعليماته إلى السائق بالسير في الاتجاه الذي يحدده.

الكتابة كانت واضحة على الحيطان وبالخط العريض منذ سنوات، تحذّر مما صار الآن واقعاً. لكن عيون وعقول قادة الأحزاب التقليدية، من يمين ويسار الوسط، كانت مركزة في جهات أخرى، منغمسين في صراعاتهم وفسادهم. وتركوا الساحة فارغة لتجتاحها أحزاب ومنظمات قوى اليمين المتشدد، ولتصول وتجول فيها، وتتمدد منتشرة بين مختلف الفئات، خصوصاً الفقيرة. وبالتالي، يتحمل المسؤولون والقادة في تلك الأحزاب التقليدية المسؤولية عمّا حدث.

السؤال: ما جدوى البكاء الآن على حليب مسكوب؟

ليس أمام الأحزاب التقليدية، التي حكمت عواصم الغرب، من مهرب سوى التعامل بواقعية مع حقائق الواقع الجديدة، التي فرضها اليمين المتشدد. كما أن توجه أكثرها إلى تبنّي سياسات يمينية متشددة، على أمل قطع الطريق أمام أحزاب اليمين المتشدد لن يفلح، لأن أحزاب اليمين في هذه الحالة، ستكون مثل فريق كرة قدم يلعب على أرضه وبين جمهوره. والحل؟

العويل، والصراخ الإعلامي، ووضع العوائق والعراقيل أمام قادة تلك الأحزاب اليمينة المتشددة، لن تكون مجدية، على المدى الطويل، في رأيي، لأنهم، واتساقاً مع ما حدث، سيتمكّنون من إزاحتها وتولي مقاليد الأمور، وبالوسائل الديمقراطية، كما فعل الفاشيون في إيطاليا. والاستمرارية في تبنّي سياسة تخويف وترهيب المواطنين من اليمين المتشدد فقدت صلاحيتها، لأن المواطنين لم يعودوا يولونها آذاناً مصغية، لأنهم لم يجدوا آذاناً مصغية من قادة الأحزاب التقليدية إلى معاناتهم المعاشية. وعلى سبيل المثال، فإن الأحزاب التقليدية الألمانية من المحتمل أن تجد نفسها في الانتخابات النيابية المقبلة، بعد 13 شهراً، في وضع أسوأ مما واجهته مؤخراً في ولايتي ثورنجيا وسكسوني، آخذةً في الاعتبار احتمال أن الظروف الدولية قد تكون أكثر من مناسبة، في حالة عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab