الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات

 العرب اليوم -

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات

بقلم - نبيل عمرو

أعود بالذاكرة إلى الحكومة الأولى التي كُلّف محمود عباس بتشكيلها في عهد الراحل ياسر عرفات، الذي قبِل الفكرة على مضض، وأضمر أن يقوّضها، وهذا ما فعله في مدة زمنية لم تتجاوز 4 أشهر.

وُلدت فكرة الحكومة المستقلة عن عرفات من خلال تقدير ثبت بطلانُه، وهو أن قائدَ الثورة لا يصلح لقيادة تسوية محرجة، وأنَّ الرجلَ الذي يعتمر الكوفية ولا يفارق المسدس خصره، ولم ينزع لباس الحرب ولو ساعة واحدة، لن يكون قادراً على التكيف مع سيناريوهات لتسوية بدت صغيرة عليه وعلى ثقافته وتطلعاته.

وعندما درس عرّابو التسوية حالتَه، وتجذُّر مكانته ونفوذه وفاعليته في الحالة الفلسطينية قرروا فصل مهمات السلطة عن المهمات الأوسع التي تتولاها منظمة التحرير، وبوصفه خطوة أولى جرى تقسيم المسؤوليات بين رئيس المنظمة مع احتفاظه بمسمياته جميعاً وبين رئيس الحكومة الذي سيتولى ووزراؤه المهام الإدارية.

ومنذ الأيام الأولى لبداية التجربة، بدا جلياً أنها لن تنجح، وكان المَخرج منها قد ابتدعه ياسر عرفات، وهو أن تبقى الحكومة ورئيسها إرضاءً للعالم، ولكن تحت سيطرته المطلقة، وهذا ما كان إلى أن توفاه الله.

ومنذ الحكومة التي جاءت بعد استقالة عباس تحول رئيس الوزراء إلى موظف منضبط للرئيس الأعلى، ولقد جرى الاحتفاظ بكل الطقوس التي توصف بالدستورية كي تَدَّثِرَ بها الحكومة، وترتدي من خلالها ثوب الشرعية.

لم يرث عباس عن سلفه عرفات رئاسة السلطة والمنظمة فحسب، بل ورث كذلك صيغة العلاقة بينه بوصفه رئيساً وبين رئيس الوزراء الذي يعيّنه، ويملك تثبيته أو خلعه إذا ما قرر ذلك.

الرئيس عباس لم ولن ينسى مرارة المعاناة التي كابدها حين قرر العالم اقتطاع «ولو عقال بعير من صلاحيات ياسر عرفات وإعطاءه إياه». ومع أنه كان الرجل الثاني في تراتبية المنظمة والثاني في الإطار التاريخي الأقرب إلى القداسة في «فتح»، مضافاً إلى ذلك كله، الدور الأهم في إدارة تجربة أوسلو، فقد عرف عباس أنه لا فاعلية لرئيس إذا ما وُجد رئيس حكومة ذو صلاحيات حقيقية إلى جانبه، فحذا حذو عرفات في التعامل مع رئيس الحكومة الذي مهما بلغ من مهارات وكفاءات يظل رازحاً تحت هاجس الإقالة في أي وقت دون ضوابط دستورية تحميه.

لقد شكَّل عباس حكومات عديدة بمرسوم، وإذا ظهر أن رئيس حكومة تجاوز فإنَّ إقالته لا تكلف أكثر من الحبر الذي تكتب به.

الدكتور محمد مصطفى الذي كُلِّف تشكيلَ حكومة بعد أن ازدادت الأصوات الداعية إلى إصلاح السلطة وأعلاها بالطبع الصوت الأميركي يمتلك مؤهلين رئيسيين، الأول وهو الأهم أنه يحظى بثقة عباس وهي ثقة مجربة حيثما حل الرجل أو ارتحل، والثاني مهني فهو الأكثر تأهيلاً في المجال الاقتصادي إذا ما قيس الأمر برجالات السلطة والمنظمة، غير أن هذين المؤهلين ربما يكونان عبئاً عليه أكثر مما هما ميزة له، إذ ليس بوسعه تقديم نفسه بوصفه زعيماً إصلاحياً، ما دام هو في واقع الأمر امتداداً لرئيسه، فالرجل شغل منصب نائب رئيس الوزراء ومع احتفاظه بالمسمى لفترة، إلا أنه لم يمارسه ولو ساعة واحدة.

الرجل ابتعد كثيراً عن الاستعراض السياسي والإعلامي، على عكس أسلافه الذين تعاملوا مع الإعلام بمواظبة يومية، وأحياناً لأكثر من مرة في اليوم الواحد، رجل كهذا يستحق أن يُشفق عليه؛ إذ كلّف مهمةً سياسية بالغة التعقيد تحت مسمى فني بالغ السطحية، ونُقل من الظل إلى النور المبهر، وكُلّف بأربع مهام الواحدة منها تهد الجبال، وتُفشل أقوى رجالات الدولة ليس في فلسطين التي لا تزال بلا دولة، وإنما على مستوى دول عظمى!

كُلّف الرجل توحيدَ الوطن... غزة والضفة، ذلك بعد 18 عاماً من فشل غيره.

وكُلّف إدارةَ عمليات الإغاثة في غزة، والرجل ممنوع عليه الظهور في المكان.

وكُلّف بقيادة عملية إعادة الإعمار التي لا يُعرف متى تبدأ وكيف سيجري جمع المال اللازم لها، ووفق تقديرات الخبراء سيصل إلى 90 مليار دولار.

وكُلّف كذلك بإصلاح مؤسسات السلطة بعد سنوات طويلة من إهمالها وفقرها وضعف بناها وقدراتها، بفعل تغليب اعتبارات الولاء الفصائلي.

منذ شُكّلت أول حكومة فلسطينية، ويا لها من مصادفة أن يكون رئيسها محمود عباس وإلى الحكومة التي يجري تشكيلها تحت الرقم 19، وفي غياب برلمان يمنح الثقة أو يحجبها ويسائل ويحاسب، فأي حكومة تولد في ظرف كهذا سواء دعمها الأميركيون أو تحفظوا عليها أو دعمها كل المتوغلين في الشأن الفلسطيني والشرق أوسطي أو لم يفعلوا، سيظل القول الفصل في تقويمها للفلسطينيين أولاً، الذين يعيشون حالة كارثية في غزة وحالة مشابهة وإن بصورة مختلفة في الضفة.

هؤلاء الفلسطينيون الذي صبروا على 18 حكومة سبقت، وصبروا على طبقة سياسية تواصل انقسامها وانعزالها وفشلها، هؤلاء الفلسطينيون هم وحدهم من يمنحون الحكومة شهادة نجاح أو فشل، وكل ما نتحدث عنه من محاذير هو مجرد استنتاجات مشتقة من صعوبة الواقع ومن نتائج التجارب السابقة ووقائع الحاضر الصعب.

وإن شئنا أو أبينا فستأخذ الحكومة فرصتها، ولن نحتاج إلى وقت طويل حتى نعرف ما حققت وما أخفقت.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab