«فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما

«فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما

«فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما

 العرب اليوم -

«فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما

بقلم - نبيل عمرو

أسست حركة «فتح» وقادت على مدى عقود الثورة الفلسطينية المعاصرة، وما كان لها أن تستمر طويلاً في قيادة المرحلة الأهم من حياة الشعب الفلسطيني، لو لم تبادر إلى تحويل «منظمة التحرير» من جسم سياسي أقرب إلى البيروقراطي إلى إطار جبهوي ضمَّ جميع حمَلة البندقية، ومن سُموا بالمستقلين، ممثلين عن كافة قطاعات وشرائح الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

ومن خلال «منظمة التحرير» التي تكرست شرعيتها بإجماع كامل عليها، فلسطينياً وعربياً ودولياً، أضحت الشرعية بمثابة الإنجاز الأهم الذي منح «منظمة التحرير» صفة الوطن المعنوي أو السياسي، إلى حين قيام الدولة على أرضها.

كانت «فتح» هي العمود الفقري للجسم السياسي التمثيلي والمرجعي والشرعي، وكان قول الزعيم الراحل جورج حبش عن زعيمها ورمزها ياسر عرفات: «نختلف معه ولا نختلف عليه»، هو لسان حال الكل الفلسطيني في التعامل مع المنظمة، من دون أن يمنع ذلك من ظهور اختلافات جوهرية حول البرامج والاتجاهات. كان مسموحاً الاختلاف، ولم يكن مسموحاً التشكيك في الشرعية، حتى لو جرى انسحاب مؤقت منها أو إشهار المعارضة لبرامجها.

في ذلك الزمن الوحدوي المزدهر للقوى الفلسطينية جميعها، انقسم القوم بين جبهتين: الرفض بقيادة «الجبهة الشعبية»، والقبول بقيادة «فتح». لم تتضرر القضية والكفاح الوطني جرَّاء هذا الانقسام، ما دام لم يصل إلى حد تفكيك المنظمة والخروج عن شرعيتها ودورها.

ظلَّت الأمور سائرة في هذا الاتجاه دون خوف على المنظمة ودون خطر عليها، وحتى حين ذهبت إلى أصعب قرار وخيار، وهو الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وشوهد قائد الثورة والمنظمة يصافح رابين في البيت الأبيض. فقد عارض من عارض، وحذَّر من حذَّر، ووافق من وافق، إلا أن الجميع تعامل مع الأمر، كلٌّ بطريقته، وانتقل قادة الجميع إلى أرض التجربة الصعبة، بما في ذلك قائدة الرفض التاريخي «الجبهة الشعبية»، ليستشهد أمينها العام على أرض الوطن، وليعتقل خليفته داخل السجون الإسرائيلية على أرض الوطن كذلك.

بدأ التغيير الحقيقي في البنية والاتجاه، حين دخلت حركة «حماس» على خط المنافسة مع «فتح». ومع أن الدخول كان من بوابة أوسلو؛ حيث مشاركتها في الانتخابات الثانية، فإن الحركة الإسلامية استمدت نفوذها من إخفاقات مسار «فتح» في مجال التسوية، وسجَّل التاريخ عبر وقائعه اليومية المتسارعة، ظاهرة مفادها: «مع كل انتكاسة في مشروع السلام -وما أكثرها- كانت (فتح) تضعف و(حماس) تقوى».

إلى أن جاءت ساعة الصفر التي كانت «حماس» قد أعدَّت لها طويلاً، لتضرب ضربتها القاصمة، بالانقلاب الذي أنتج انقساماً أفقياً وعمودياً في الحالة الفلسطينية. انقساماً بالجملة والتفصيل، أدخل القضية والشعب والحقوق في متاهة، أخطر معطياتها أن لا طرف من أطرافها يمتلك قدرة على فرض برنامجه، وتحقيق إنجازات وطنية حاسمة من خلاله، فلا المفاوض أحرز شيئاً يتباهى به، ولا المقاتل حقق ما وعد به. وفي حالة من هذا النوع تتراجع الإنجازات وتتعاظم الخسارات.

طرفا الانقسام، رغم هول ما تعرض له كل منهما في المنطقة المحسوبة عليه، يواصلان الانقسام الذي مع طول الزمن تحول إلى انفصال، وكل منهما يرى نفسه على حق والآخر على باطل.

أدبيات «فتح» ترتكز إلى أسبقيتها في الكفاح المسلح الذي أنقذ القضية الوطنية من التلاشي والانقراض، وأدبيات «حماس» ترتكز على ما تراه مأثرة صححت من خلالها مسار التاريخ الفلسطيني، وإنقاذ القضية من خطر التصفية الحتمية.

هذا النوع من الاقتتال لا أمل لأي طرف بالفوز فيه، ذلك أن بديهية الانتصار في أي حركة وطنية تقاتل احتلالاً هي الوحدة الوطنية، وهي في الحالة الفلسطينية ليست غائبة فقط؛ بل غيابها قوي الحضور والتأثير في مجال السلب.

الشعب الفلسطيني وقضيته موجودان في ساحة الفعل قبل وجود «فتح» صاحبة المبادرة بالثورة المعاصرة، وقبل وجود «حماس» صاحبة المقاومة المسلحة التي أتت بها من قلب مدرسة «فتح» السبَّاقة. ومن دون إدراك هذه الحقيقة، والتعامل على أساسها، فلا مجال لأي طرف لإلغاء الطرف المقابل، أو أن يتسيَّد الحاضر والمستقبل كخيار أصح، فالممر الحتمي لتحقيق تقدم على صعيد القضية الوطنية هو الوحدة.

ولكيلا يكون ما أقول مجرد طرح نظري رغائبي، فبين أيدينا تجربة «منظمة التحرير» وكيف نشأت وتطورت وقادت، وكيف حين جرى العبث بها اضمحلت، وتُرك الشعب دون مرجعية واحدة ودون تمثيل واحد. هذا يؤكد أن العودة إليها كما كانت في أوج حضورها هو الحل، ومن دون ذلك سيتواصل الاقتتال العبثي على الماضي والحاضر والمستقبل، وعدَّاد الخسائر يواصل العمل.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما «فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab