لبنان عدو نفسه

لبنان عدو نفسه

لبنان عدو نفسه

 العرب اليوم -

لبنان عدو نفسه

بقلم - سام منسى

بات اقتراب حريق غزة من لبنان واحتمال أن تتحوَّل مساندة «حزب الله» لـ«حماس» من ميني حرب حدودية إلى حرب تطال لبنان بأكمله، أمراً أكثر واقعية مع تمدد وتيرة التصعيد من الجنوب إلى البقاعين الغربي والشمالي.

كما في كل هزة أمنية تعصف بلبنان، يعيد خطر تمدد الحريق هذا طرح إشكالية قديمة - جديدة بشأن قدرة لبنان أن يكون بمنأى عن صراعات المنطقة السياسية والعسكرية، وأن يحكم نفسه بنفسه. السؤال أصبح ملحاً في هذه المرحلة مع وجود لبنان في عين عاصفة حرب إسرائيل والغرب بعامة ضد «حماس» ومحور إيران وحلفائها.

تختلف تداعيات هذه الحرب على لبنان عما سبقها لأسباب عدة، أبرزها أنها حرب إقليمية - دولية والمنطقة منخرطة فيها بشكل أو بآخر، ولبنان اليوم في قلب محور إيران الممانع بفعل دور وهيمنة «حزب الله». مع تبني الحزب وراعيته إيران مبدأ وحدة الساحات، تحوّل البلد من ساحة لتصفية النزاعات الإقليمية إلى لاعب رئيس فيها. السبب الثاني هو التجاذب الداخلي وبخاصة بشأن انخراط «حزب الله» فيها من الباب العريض، من دون سبب لبناني يبرر التكلفة الباهظة التي قد ترتبها الحرب الشاملة إذا وقعت.

منذ نشأة لبنان في بداية القرن الماضي، تؤكد كل الوقائع التاريخية أن شؤون وشجون المنطقة تترك آثارها على الداخل اللبناني. بعد سنوات قليلة من الاستقلال، واجه البلد الصغير اللجوء الفلسطيني إثر حرب 1948 ونشأة دولة إسرائيل، ما أدى لاحقاً إلى انخراط لبنان رغماً عن إرادة غالبية اللبنانيين يومها، وخصوصاً المسيحيين وغالبية القادة الشيعة التقليديين، إلى مواجهة مع إسرائيل.

الحدث الثاني الذي ترك ندوباً في الذاكرة هو ما سمي بثورة 1958 جراء المد الناصري العروبي على مستوى العالم العربي. دخل لبنان في سياسة المحاور، فظهرت الخلافات الكامنة بينهم، وأسفرت عن نزاع مسلح انتهى بشعار لا غالب ولا مغلوب وبتسوية أميركية - مصرية منحت مصر الناصرية دوراً متميزاً امتد لسنوات، على حساب التيار المؤيد لرئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون.

الحدث الثالث هو توقيع اتفاقية القاهرة بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969، التي منحت المنظمات الفلسطينية المسلحة حرية العمل الفدائي من مناطق في جنوب لبنان عرفت بمسمى فتح لاند، وحظي الفلسطينيون بسطوة ونفوذ سياسي وأمني وبسطوا سيطرتهم على مناطق في بيروت أطلق عليها تسمية دولة الفاكهاني ويحكمها ياسر عرفات. شكل ذلك الشرارة المستجدة للخلافات الداخلية مع اصطفاف غالبية إسلامية إلى جانب الفلسطينيين.

الحدث الرابع كان اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 جراء استشراء التمدد الفلسطيني العسكري والاحتكاكات مع ميليشيات مسيحية مسلحة، وأحياناً مع الجيش اللبناني. الحرب الأهلية إلى امتدت نحو 15 سنة كانت نزاعاً أهلياً عنيفاً ودامياً، لكنها ترجمت أيضاً على أرض لبنان الخلافات العربية - العربية، والعربية - الإسرائيلية. بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، سعت سوريا إلى إحكام سيطرتها على لبنان، وحصل لها ذلك بعد أن تفردت قواتها بالبقاء فيه، إثر سحب الدول المشاركة في قوات الردع العربية قواتها تدريجياً. تفرد النظام السوري في حكم لبنان ورسم سياساته وفق مصالحه حتى عام 2005، عندما خرجت قواته من البلاد إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. بدأ حينها الزمن الإيراني في لبنان، وتمكّن «حزب الله» عبر سلسلة من الانقلابات من إحكام سيطرته على مفاصل الدولة.

كل هذه الأزمات واكبتها عوامل وتدخلات خارجية سافرة لعبت على النزاعات الأهلية، وأثبتت عدم مناعة لبنان ضدها وعجزه حتى اليوم عن حكم نفسه بنفسه. فهل تهالك الدولة هو فقط بسبب الخارج ووجود لبنان في وسط منطقة ولادة أزمات وحروب تتسلل إليه؟ للخارج حصة وافرة، لكن لا يمكننا إغفال العوامل الداخلية، بدءاً من الأسس الدستورية التي قام عليها البلد مثل العيش المشترك والمحاصصة بين الطوائف، وصولاً إلى الأنماط الثقافية - الاجتماعية التي كرّست صورة اللبنانيين مثل شعب يتأقلم مع كل الإعوجاجات والانحرافات إلى حد التماهي مع الفساد والتهرّب من المحاسبة واعتماد نهج الترقيع في حل كل أزماته.

الإشكالية الكبرى تبقى فيما عَدّه لبنان، ولا يزال، سبب ثرائه وتميّزه عن محيطه وهو التعددية الدينية والثقافية التي جعلت اللبنانيين يصدقون مقولة لبنان الجسر بين الشرق والغرب، وجعلت من بيروت مدينة «كوزموبوليت». هذه التعددية نفسها ولأنها غير مؤطرة مؤسسياً، لعبت دوراً كبيراً في انعدام المواطنة، فلبنان الجسر بقي جسراً معلقاً في الهواء ولم يرس لا على برّ الغرب، ولا على برّ الشرق، ولا حتى على برّ أرضه. هزال المواطنة سبب لضعف الوطن، وإذا ضعف الوطن انتفت الدولة ومعها الحوكمة، لذلك حتى في أوج مراحل الاستقرار والازدهار، وهي استثناء في تاريخ هذا البلد، لم تكن الدولة اللبنانية يوماً قادرة على الحكم وإدارة التنوع والتعدد الذي يتغنى به اللبنانيون.

هذه الأسباب - العوامل كلها جاذبة للتوغلات الخارجية التي بدورها، لم تتح الوقت الكافي لاختبار ما يسمى التجربة اللبنانية ودرة تاجها كانت بيروت. الداخل والخارج تقاطعا على تخريب بيروت وتكسيرها لفرادتها وانفتاحها، الذي أصاب بيروت وأصاب الوطن برمته.

اليوم الحال أصعب وأخطر؛ لأن حجة وجود القوات الأجنبية من فلسطينية أو سورية أو إسرائيلية سقطت منذ سنة 2005، وتهاوت مقولة إن خروج القوات الأجنبية ينهي أزمات لبنان، رغم الوجود الإيراني الفاقع عبر «حزب الله».

مخارج الأزمة صارت أكثر تعقيداً وتشابكاً، والرهان على التسوية الإقليمية الكبرى مهما كانت متوازنة لن ينعكس كما نتمنى على التسوية الداخلية، بفعل حجم المتغيّرات في الداخل والوقائع على الأرض وتشظي النسيج الاجتماعي والتفكك الحاصل على المستويات كافة. الأخطر أن القناعة بلبنان واحد موحد انهارت لدى شرائح واسعة من اللبنانيين من كل الطوائف، وبخاصة عند الطائفة المارونية التي تعدّ أنها وراء قيام لبنان الحديث.

قد ينقذ تقاطع المصالح الإسرائيلية - الإيرانية لبنان من حرب مدمرة، لكن إصلاح أحواله الداخلية يبقى بحاجة إلى معجزة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان عدو نفسه لبنان عدو نفسه



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab