بقلم - يوسف الديني
حاكم بيسان المطيري، أو إذا صح لنا القول وصفه بأنه «أبو محمد المقدسي الخليجي»، المتشابهان في تبني آيديولوجيا الجهادية السلفية والأفكار التكفيرية، والتأثير النافذ على مستوى الفتوى والتأليف على الكوادر الإرهابية، هما قنطرة «الإخوان المسلمين» في استثمار الكوادر المتطرفة التي لا تتحمل ألاعيب «الإخوان» وتلونهم، وتريد المواجهة الصريحة لذلك تستغلها الجماعة وتصدرها، لكنها حين ينتهي دورها أو تضطر إلى دفع فاتورة أقوالها وأفعالها المتلبسة بصلف الخوارج القدماء، سرعان ما تنفض عنها الجماعة، ولا يبقى لها سوى أتباع قليلين يتفرقون شذرَ مذرَ، كما هو الحال بعد أن اختار المطيري الهجرة إلى إسطنبول بتركيا الخلافة الافتراضية التي يحاول حزب العدالة والتنمية وإردوغان استغلال فلول الإرهابيين والمتطرفين والمقاتلين والمجندين الجدد أن يعبروها بدعم مالي وإعلامي من نظام قطر، الذي استحال إلى مجرد قناة صاخبة بالمحتوى التضليلي ومحطة لجباية ثروات الشعب القطري من قبل المستثمرين في التطرف والإرهاب، من كل بحسب جهوده في صناعة الفوضى، وإلى كل، بحسب قدرته على استهداف استقرار البلدان، على رأسها السعودية.
برز اسم حاكم المطيري ضمن قائمة الإرهاب التي أعلنتها المملكة والإمارات ومصر والبحرين، التي لم تتوان المملكة في ضم الجماعات والتنظيمات المتطرفة، كما هي الشخصيات، بغض النظر عن انتماءاتها، أو تحسسّ بعض الدول من هذه الحرب الشرسة التي أعلنتها رؤية الأمير محمد بن سلمان، التي هي مسألة وجودية بالنسبة للأجيال الجديدة الطامحة لمستقبل أفضل ممن يمثلهم الأمير ولي العهد، الذي أشعل الحرائق في أقبية التطرف والانتهازية السياسية، كان حاكم هو كارت «الإخوان» الذي يراهنون عليه بعد تبنيه في دعم «مؤتمر الأمة»، اللعبة الشعاراتية التي يتقنها «الإخوان»، في محاولة القفز على منطق الدولة واستعادة حلم الأستاذية بأفكار شمولية ساذجة سياسياً، ولكنها سامة على المستوى الآيديولوجي والعقائدي، وما يتبعها من تجنيد للأجيال الشابة بكل الطرق الممكنة، ووسائل الوصول السهلة مع صعود منصات التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي الموازي، «مؤتمر الأمة» عقد أول لقاء له عام 2009، وحينها أعلن المطيري تسبيب إنشائه بسقوط بغداد 2003، لتصبح شعار الاستقطاب الجديد بعد تحولات ومنافسات على الاتجار بالقضية الفلسطينية، لكن الخطاب التكفيري يدرك أن أفضل وسائل التجنيد هو التصادم المباشر مع الوجود الأميركي والتداخل مع الملالي والإسلام السياسي في أرض يمكن صناعة الفوضى فيها، مع بقاء شعارات القدس والأقصى كهدف نهائي خلاصي في المعركة الأخيرة القيامية، وهو بعبارة دنيوية إراحة إسرائيل من تلك الأعباء بعد أن قرر الراديكاليون في لحظة تحولات تنظيم «القاعدة» خلق مفهوم «العدو القريب»، وهو نحن العالم الإسلامي والعربي، وفي مقدمته السعودية، كهدف أساسي لمعركتهم التطهيرية بأفكار تكفيرية.
أدبيات ما تمخضت عنه توصيات المؤتمر الذي عكس تحالفاً إخوانياً/ تكفيرياً، برعاية أنظمة صناعة الأزمات وإعلامها، هو التخلص من الاستعمار والاستبداد وإطلاق منتجات محتوى هدفها النهائي خلق دعاية إثبات وجود وقوة وتجنيد البسطاء بدعوى بث ما وصفه المطيري ببث الوعي الفكري والسياسي من جديد، في إشارة إلى مناخ التسييس الانقلابي الذي صنعته الصحوة في حرب الخليج في التسعينات، حينها كان الخطاب أكثر مواربة في التفريق بين «علماء الواقع، وعلماء الشريعة»!
حاكم المطيري الذي تبنته قناة «الجزيرة» وقطر واحتضنه إردوغان، ويحاول اليوم «الإخوان» التخلي عنه، والقفز من قاربه الذي اصطدم بخيمة القذافي الذي أصدر القرضاوي الرمز الأول فتوى بإهدار دمه على الهواء مباشرة في قناة «الجزيرة»، بينما خصّه حاكم المطيري وآخرون من خيمة القذافي ينسلون بالمباحثات حول مشروع استهداف وإسقاط نظام الحكم في السعودية، هو الشخص ذاته الذي دافع بقوة عن العمليات الانتحارية، وتسبب في سجنه حين استهدف السعودية بخطابه التكفيري ولا يزال مع كل مناسبة، بما فيها جائحة «كورونا»، التي اعتبر فيها إجراءات الحجز وتعليق الصلاة في المساجد لأسباب صحية هو من الشرك بالله وعبادة الطاغوت!
قصّة «الإخوان» وتحالفهم مع الكروت المحترقة في الخليج قصة كبيرة، خصوصاً مع الجهاديين السابقين أو المنظرين للفكر التكفيري الذين يقيمون في عواصم تتناقض مع شعاراتهم التطهرية؛ من إسطنبول إلى لندن، وتحالفهم مع شخصيات سياسية يمرقون من مفهومهم للإسلام؛ من معمّر القذافي إلى الشيخ حمد بن خليفة، وصولاً إلى إردوغان.
مبارك الدويلة مهرج «الإخوان» السياسي في الكويت كان شريكاً للمطيري في مباحثات القذافي، تباكى قبل سنوات على اللحمة الخليجية، وانكشاف المشروع الإخواني في المنطقة، مدعياً أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة تجاه أحد، وإذا سلمنا بهذا الزعم الأوسع بحاجة من اعتذاراته عن لقاء العقيد الليبي، فإن الرصاصات المسمومة انطلقت في الأذهان منذ اللحظات الأولى لأطماع المقطّم من أبناء المرشد، ومنذ ذلك الوقت جهدت الجماعة على توظيف كل أحد، واستخدامه ليكونوا جنوداً بالأصالة أو التبعية للضغط على الزناد!