ضوء الشمس إيران والحوثيون والمساءلة القانونية

ضوء الشمس: إيران والحوثيون والمساءلة القانونية

ضوء الشمس: إيران والحوثيون والمساءلة القانونية

 العرب اليوم -

ضوء الشمس إيران والحوثيون والمساءلة القانونية

بقلم - يوسف الديني

جزء من أزمة المقاربة للإدارة الأميركية الجديدة للحالة الإيرانية هو عدم تقييم سلوكها في الهواء الطلق وبمعطيات القانون، بحسب مايكل نايتس، كبير الباحثين في الشؤون العسكرية، في ورقته المهمة عن «لماذا خشي وكلاء طهران من القانون؟» التي نشرها في معهد واشنطن، ونقل فيها تعبير كبير القضاة في محكمة العدل العليا، لويس برانديز: الشمس أفضل المطهرات، في إشارة إلى ضرورة تغليب سيادة القانون ومنطق العدالة في التعامل مع جنوح ملالي طهران في المنطقة، ليس فقط عبر دبلوماسيتها الخشنة الآن، المتمنعة عن أي استجابة لكل الأيادي الممدودة من المجتمع الدولي، وإنما من خلال تحريك أذرعها العسكرية، وعلى رأسها ميليشيا الحوثي، لتعقيد الحالة اليمنية، واستهداف المملكة والأمن العالمي (ممثلاً في قلب ممراته الاقتصادية).

المفارقة أن الولايات المتحدة مع إيران منذ عقود، باستثناء اللحظة الترمبية، عادة ما تتطلب اشتراطات أقل تشدداً، كالتي تطلبها من الأطراف الإقليمية في المنطقة، في حين أن المسألة لم تعد للأمن الإقليمي مجرد تطوير السلاح النووي، وإنما إيقاف العبث والتدخلات المعادية في دول تتمتع بسيادة كاملة، وبالتالي فإن أزمة الدبلوماسية الأميركية، والصحافة المساندة لها، تكمن في محاولة تصوير وجود تيار معتدل داخل أروقة السياسة الإيرانية، وهو حديث يهمل جزءاً مهماً من القصة نفسها، يتمثل في أن طموحات معظم المعتدلين -لو صحت التسمية- لا يمكن لها أن تؤثر على قرار «الحرس الثوري»، بفيالقه التي تشكل سلطة مستقلة وأذرعه العابرة للقارات.

الوضع السياسي المقلوب في إيران الثورة هو توسل العسكرة بالدبلوماسية، حيث القرار السياسي يُصنع داخل أروقة الأطراف المؤثرة في النظام، وتحديداً في «الحرس الثوري» وكل مؤسسات حماية نظام الملالي، وهو أمر يعلمه الأميركيون جيداً، لكنهم لا يزالون يقدمون أوراق تفاوضهم وشروطهم، على أمل أن تحصل معجزة بانتصار الدبلوماسية على العسكرة، وقدرتها على التأثير الفاعل في القرار السياسي، وهو أمر كان مستبعداً في أكثر فترات إيران قتامة، وهو الآن أبعد احتمالاً بعد تصفية قاسم سليماني، وتضخم الدافع التوسعي الانتقامي، وتحوله إلى استراتيجية مؤسسية تم الإعلان عنها وعقد المؤتمرات وتدشين حملات التعبئة أمام أنظار العالم كله.

لدى إيران أولوية الآن تدفعها للتضحية بالسلام الإقليمي، وحتى لتحمل أكبر قدر من الهشاشة الاقتصادية، في سبيل أولوية مشروعها التوسعي التدميري الذي لا يقف عند امتلاك السلاح النووي. ولا شك أن انخفاض أسعار النفط سيساهم في منحها موقعاً تفاوضياً، وتسريع إيقاع المفاوضات حول الملف النووي الذي يحتل موقع جدل كبير بين مختلف التيارات في طهران. ومن المعلوم أن المرشد علي خامنئي واحد من أكثر المدافعين عن الحق النووي، وأنه سيفتح المجال لإعادة موضعة طهران بصفتها قوة عظمى بامتدادات واسعة في آسيا وأفريقيا، وصولاً إلى المحاولة المستميتة في ابتلاع الحالة اليمنية عبر ميليشيا الحوثي، الأداة المفضلة لتفجير السلام العالمي، بما تمتلكه جغرافيا اليمن ورمزيتها التاريخية التي يكثفها سد مأرب من إغراءات الهيمنة.


يتطلع الأميركيون إلى الحد الأدنى السياسي، وهو القدرة على اختراق جدار الصمت السياسي بينهم وبين إيران، لكن هذا الحد الأدنى لا يكفي اللاعبين الأساسيين في المنطقة: دول الخليج والاعتدال العربي التي تملك هواجس أمنية تتصل بالتدخل الإيراني في المنطقة، وتركيا التي لا تريد أن تواجه منافساً إقليمياً معيقاً لمشروعها، أو على الأقل يحاول انتزاع محاولات نظامها السياسي ترحيل أزماته في الداخل على حساب التوسع الخارجي؛ وهذه معطيات تجعل من الصعب اختزال العلاقة مع إيران في الحد الأدنى من المرونة السياسية بعد كل هذه السنوات التي خلقت إرثاً ثقيلاً من الأزمات والملفات السياسية، فواقع اليوم يقول لنا إن معضلتنا مع إيران أكبر من اتفاقية السلاح النووي؛ إنها أزمة سلوك سياسي ورؤية توسعية تهدد استقلال الأوطان.

في اليمن، المسألة مختلفة تماماً، رغم كل الأوهام والمغالطات الرائجة في التداول الغربي عن اليمن الذي يحاول تمرير ادعاءاته بالاتكاء على الحالة الإنسانية المتدهورة. فمنذ اللحظة الأولى لـ«عاصفة الحزم»، كانت الرسالة واضحة بأنها ليست حرباً تقويضية لدولة اليمن، بقدر أنها ردع للقوى السياسية التي تريد ابتلاع المشهد بمفردها عبر القوة. كما أنها منذ اللحظة الأولى تنبهت إلى ارتفاع منسوب الطائفية، فنأت عن استخدام أي مدلولات طائفية أو مناطقية أو جهوية، وهو أمر مهم جداً فيما يسمى «إعلام الأزمات»؛ الأداة الأهم في نجاح أي حملة عسكرية أو إغاثية.

في اليمن، وقفت المملكة مع تحالف من عشر دول، ودعم دولي كبير ضد الانقلابيين الجدد في اليمن، وبالتالي استطاعت -وبشكل إيجابي- انتزاع حالة الاصطفاف الطائفي الذي تعاني منه المنطقة، وتغذيه أذرع إيران في المنطقة، من «حزب الله» إلى الميليشيات المسلحة ذات الهوى الإيراني في العراق ولبنان وسوريا، وبشكل ينزع للسرية في مناطق أخرى يشكل فيها الإسلام السياسي الشيعي أقلية سياسية تعبر عن كتلة موحدة. لكن حدود تأثير نظام طهران في هذه التشكيلات لا يلغي أنها تسعى إلى إيجاد مظلة إقليمية لتلعب كارت «المعارضة» المسنودة من الخارج، وهنا يتم الوقوع في خطأ متكرر، وهو اعتبار نفوذ إيران وتمددها حالة ذاتية، لا تتغير ولا تلجأ لمصالح ولعبة السياسة، وهذا غير صحيح، بدليل وجود تيارات شيعية عربية قوية ضد الإسلام السياسي الشيعي، وبدليل وجود أحزاب وتيارات سياسية ضد السياسة الإيرانية في المنطقة.

صحيح أن أصوات هؤلاء -كما هو الحال في تيارات مدنية- نخبوية مضمرة، في ظل صعود القوى العنفية والطائفية والمتطرفة، حتى لو سياسياً، على حساب كل القوى الأخرى التي يعني عدم ظهور صوتها عدم وجودها وتأثيرها ولو بشكل ضئيل.

ومن هنا، نفهم ما جرى خلال الأيام الفائتة، من محاولة ميليشيا الحوثي الإرهابية تسخير كل إمكاناتها لتغيير الأوضاع في مأرب. وقد سبق ذلك، بحسب تقارير من الداخل اليمني، قيام قادة سياسيين وأمنيين بلقاءات مكثفة مع ممثلين من أعيان القبائل في المناطق التي تقع تحت احتلالهم، بهدف تحشيد المقاتلين من كل المحافظات من أجل تغيير المعادلة في مأرب، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، رغم إغراءات السلطة والمال والتهديدات بالاغتيال والتصفية، والسبب أن الوعي بمشروع إيران وذراعها في اليمن (ميليشيا الحوثي) بات يتصاعد في الداخل اليمني بشكل غير مسبوق، فالمسألة ما عادت خيارات سياسية، وإنما مسألة وجودية، تتمثل في هوية اليمن في جذرها العميق الذي لا يمكن لليمنيين، ومن ورائهم دول المنطقة، التفريط فيها.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضوء الشمس إيران والحوثيون والمساءلة القانونية ضوء الشمس إيران والحوثيون والمساءلة القانونية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab